عبدالرحمن الوابلي

في ظلال التغيير

الجمعة ٠١ مايو ٢٠١٥

منذ أن خلق الله الدنيا وما عليها وكل شيء يتغير فيها ما عدا التغيير نفسه. ولذلك فالتغيير سنة الحياة وسمتها الأزلية، ومن لا يتغير فيها فقط هم الأموات لا غير. ومن أشنع مثالب الإنسان التي قد يقع فيها؛ عدم قدرته على التغيير، حيث يتشبث بصفة من صفات الأموات وهو بين الأحياء. لا تطور في الحياة دون تغيير، ولا تغيير دون تطور. إذا فالتغيير محمود بذاته، ومن أجل ذاته؛ حتى لو لم تتجلّ نتائجه للناس ساعة إحداث التغيير. وعلى هذا الأساس؛ فالتغييرات الجديدة التي أحدثها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، تعد مفتاحا للتطور والتقدم وضمان مكان لنا في المستقبل. إن الغالبية العظمى من الشعب السعودي، هم من الشباب والشابات. فمجتمعنا مجتمع شاب بامتياز؛ ولذلك فاختيار الملك سلمان، قيادات شابة، لتقود الدولة والمجتمع هو عين الصواب والحكمة. عندما تجتمع حكمة التجربة والدراية، بحيوية الشباب وطموحه؛ يكون غدنا بإذن الله آمنا، كما هو اليوم آمن. تولى الأمير سلمان منصب أمير الرياض، وهو في عز شبابه، وهو في سن التاسعة عشرة من عمره، وذلك عام 1373؛ وترك المنصب عام 1432، ليتولى وزارة الدفاع والطيران؛ ليكون قد قضى في منصبة كأمير لمنطقة الرياض، حوالي 59 سنة. السؤال هو، وما دخل ذلك بالتغيير؟ قبل أن يتولى الأمير سلمان، إمارة الرياض بعدة…

تركيا بين سايكس بيكو والشرق الأوسط الجديد

الجمعة ٢٠ مارس ٢٠١٥

لقد تناولت في مقالات ثلاث سابقة، حالة تشكيل وإعادة تشكيل العالم العربي، إثر مشروعي سايكس بيكو الأوروبي، بداية القرن العشرين، والشرق الأوسط الجديد، الأميركي، بداية القرن الحادي والعشرين. وفي إحدى مقالاتي استعرضت في عجالة الدور الذي لعبته تركيا، في مشروع سايكس بيكو الذي أتى على حسابها، كما يبدو. وفي الحقيقة هو لم يأت على حساب الجمهورية التركية الأتاتوركية الوليدة حينها، وإنما أتى على حساب تركيا، الخلافة الإسلامية التي أصبحت جزءا من الماضي. فعندما هجمت جيوش القوى الأوروبية الناشئة حينها في البلقان واليونان، على ما بقي من جسد دولة الخلافة العثمانية لتقطيعه والتهام ما بقي منه، بعد هزيمتها مع دول المحور في الحرب العالمية الأولى، تصدى لها الجيش التركي وبكل حزم وشجاعة، بقيادة قائده الفذ حينها، كمال مصطفى أتاتورك، الذي أعاد للجيش التركي تماسكه، بعد محاولة تفكيكه والقضاء عليه، وطردها من حدود تركيا المتعارف عليه اليوم. وقبل ذلك، كان قد تصدى الجيش التركي، وبشجاعة مبهرة، لمحاولة غزو الجيش البريطاني لمضيق الدردنيل والسيطرة عليه، إذ تم دحره في معركة قاليبولي عام 1915 التي بسببها فقد السير ونستون تشرشل، قائد البحرية البريطانية حينها منصبه، وكادت أن تفقده مستقبله السياسي في بريطانيا. وفي نفس الوقت، رفعت معركة قاليبولي من شأن قائد الجيش التركي مصطفى كمال أتاتورك، وحولته من أحد قيادات الجيش التركي، إلى بطل…

في المسألة الطائفية

الجمعة ١٢ ديسمبر ٢٠١٤

وتكملة لمقالي السابق "الرد الثامر على سلطان العامر"، سأتناول في مقالي هذا مسألة الطائفية. أولا للتأكد من: هل ما حدث من جزر وقتل في قرية الدالوة، هو عمل طائفي أم لا؟ وثانيا هل دافع من قاموا بالجزر، كان طائفيا أم لا؟ وثالثا، هل هنالك محرضون للمجرمين غير قياداتهم المباشرة؟ ومن هنا، سأبدأ أولا بطرح مفهوم الأخ العزيز سلطان للطائفية، أو بمعنى أصح للطائفي، كما أورده بمقالة "الليبرالية السعودية وحادثة الأحساء: الدولة البوليسية ليست حلا للطائفية". وبعدها فهم الكتاب الليبراليين لمسألة الطائفية التي انطلقوا منه لإدانة الطائفية والطائفيين والمحرضين عليها الذين انتقدهم العامر عليه. الطائفي في فهم العامر: "... من يعدّ أن هويته المذهبية هي هويته السياسية. فهو مثله مثل من يرفع الهوية الوطنية، قد يكون مسالما وقد يكون عنيفا، قد يكون متعصبا وقد يكون نقديا، قد يكون داعيا للتآخي والتعاون مع غيره من المذاهب، وقد يكون داعيا للعداء معها، بل إنه قد يكون علمانيا". وهذا التعريف كما ذكرت في مقالي السابق هو تعريف فضفاض، لطامة كبرى تواجه العالم العربي، وتوزيع الدم على القبائل، هو أقرب ما يكون للسفسطة منه للبحث العلمي الذي يفضي بدوره للاأدرية التي تفضي بدورها للعدمية وللاحلول أو لحلول غير منطقية. حيث عرف قاموس أكسفورد الطائفي بأنه "الشخص الذي يتبع بشكل متعنت، طائفة معينة". كما عرف قاموس…

ماذا حدث فعلا في “تمير”؟

الجمعة ٢٩ أغسطس ٢٠١٤

طالعتنا الصحف، بالخبر الغريب العجيب، والذي حتى الآن ما زلت مصدوما وغير مستوعب لما ورد فيه. الخبر ينقل تفاصيل عملية إلقاء القبض على أفراد خلية تنتمي لخلايا داعش الناشطة في بلدة تمير، بمحافظة المجمعة. خبر إلقاء رجال أمننا البواسل القبض على خلية من خلايا الإرهاب أو مداهمة وكر من أوكاره، بحد ذاته، خبر اعتدنا عليه، وهذا ما يجعلنا ندعوا دوما لهم بالنصر والثبات ونفتخر بهم، وبإنجازاتهم وتضحياتهم العظيمة؛ من أجل تأمين أمننا وسلامتنا.  ولكن الغريب في هذا الخبر - بحسب ما نقلته إحدى الصحف -: "وكانت قوات الأمن دهمت أمس الاثنين، محافظة تمير - نحو 120 كيلومتراً شمال غرب الرياض - بعد ورود بلاغات أمنية من أهالي تمير عن وجود عدد من المحرضين على (الجهاد)، الذين غرّروا بعدد من شباب المحافظة، مما دفع أهالي ووجهاء تمير إلى مقابلة قيادات عليا للتعبير عن شكوكهم في وجود عناصر (مخربة) في المحافظة، تعمل على التغرير بأبنائها، والزج بهم تباعاً في تنظيمي (داعش) و(جبهة النصرة) الإرهابيين".  أي حسب الخبر أعلاه، أن وجهاء "تمير"، قابلوا القيادات العليا، قبل حدوث المداهمة لأوكار الإرهاب في مدينتهم. كما ورد في الخبر كذلك أن المداهمة أتت بعد ورود بلاغات أمنية من أهالي تمير، عن وجود عدد من المحرضين على (الجهاد) يتحركون بينهم. السؤال هو: هل من المقبول والمعقول أن…

لماذا سادت الحركات الجهادية ثم قادت؟

الجمعة ١١ يوليو ٢٠١٤

هنالك حركات مقاومة إسلامية؛ توجه بنادقها وصواريخها، تجاه العدو الصهيوني؛ خارجة عن ما أقصده بالحركات الجهادية الإرهابية؛ على شاكلة القاعدة وتفرعاتها وأخواتها. حيث أعد بأن أي تنظيم عسكري، سواء جهادي أو غير جهادي يوجه بندقيته، خارج دائرة العدو الصهيوني هو تنظيم مشكوك في أمره ونواياه. وحتى أرى بأن أي، مقاومة ضد العدو الصهيوني؛ تأتي مفتعلة؛ وليست جزءا من استراتيجية شاملة، لردع اعتداءات العدو الصهيوني وهمجيته وغطرسته ضد شعبنا المقاوم في فلسطين المحتلة؛ وتحجيمه للوضع الذي يستحقه؛ داخلة ضمن حركات العبثية الجهادية. لا أحد ينكر، بأن الحركات الجهادية الإرهابية، القاعدة وتفرعاتها وأخواتها؛ لها قبول واسع عند كثير من الجماهير العربية والإسلامية؛ ولكن ليس هذا من قبيل ما تمنحه أو تعد به، من تقدم وتحضر وازدهار؛ ولكن من قبيل الإفلاس الحضاري والمدني والتقدمي، الذي تعيشه المنطقة العربية والإسلامية بشكل عام. المنطقة تعيش في فراغ حضاري، وحتى إنساني مريع؛ ناهيك عن العلمي والمدني والتقدمي. ولذلك أتت هذه الحركات الجهادية العبثية والإرهابية لتملأ جزءا من هذا الفراغ إن لم نقل جله. أي أتت الحركات الجهادية الإرهابية؛ كسراب يحسبه الظمآن ماءً. عاش العالم العربي حوالي أكثر من ستة قرون؛ منذ سيطرة الدولة العثمانية عليه؛ بقطيعة شبه تامة، عن العالم من حوله؛ ناهيك عن إشعاعات العلم والحضارة. حيث عمدت الدولة العثمانية بعزل العالم العربي عما يجري…

من “بوكو حريم” إلى “بوكو حرام”

الجمعة ١٦ مايو ٢٠١٤

أدانت دول غربية والأمم المتحدة بشكل خاص، جماعة بوكو حرام النيجيرية المتشددة بنجاستها وتخلفها وانحطاطها؛ والتي قامت باختطاف أكثر من 200 فتاة، من إحدى مدارس البنات في نيجيريا. وطالبت الدول المتحضرة والمنظمات الدولية الإنسانية؛ بفك أسرهن من براثن التخلف والهمجية المتوحشة. ولاذت بالصمت، الدول والمنظمات الإسلامية؛ وكأن هذه الجريمة البشعة بحق الإنسانية، لا تعنيها ولا تمت إليها بصلة، من بعيد أو قريب. الجماعة الـ"بوكو حرامية" النجسة، أعلنت أن الفتيات اللواتي اختطفتهن؛ هن بمثابة سبايا، يحق لهم بيعهن واغتصابهن. وقد أكد زعيم الـ"بوكو حرامية، أبوبكر محمد شيكاو، أنه سيحتفظ لنفسه بعدد منهن، بعضهن في سن التاسعة من أعمارهن. وكان مبرره الشرعي لاختطاف الفتيات واعتبارهن سبايا حرب؛ كونهن غير محجبات ويدرسن في مدارس حكومية، علوما دنيوية؛ ولذلك فقد خرجن عن ملتهن الدينية السمحة، وأصبح حكمهن في الشريعة الإسلامية، حسب رأيه، حكم سبايا الحرب. وجماعة "بوكو حرام" النيجيرية، التي تطلق على نفسها، جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد؛ هي إحدى جماعات الفتنة والإرهاب، التي أخذت تنتشر وتستعر في العالم الإسلامي، حيث لا تكاد تخلو دولة إسلامية من واحدة أو اثنتين منها. وقامت جماعة الـ"بوكو حرامية"، بعدة مجازر لطلاب وطالبات في مدارس وجامعات. وحتى دخل مجرموها الحرامية، سكن طلاب وقاموا بجزرهم عن بكرة أبيهم، وهم في أسرتهم بسلام نائمين. ولماذا جماعة الـ"بوكو حرامية، تستهدف الطلبة…

وعلماء الشيعة من يشايعهم؟

الجمعة ١٤ مارس ٢٠١٤

علماؤنا الشيعة الأفاضل في الأحساء والقطيف والعوامية، وباقي بلداتنا التي يقطنها أهلنا الشيعة في المملكة، مدوا أياديهم الوطنية البيضاء للإسهام في مكافحة العنف والإرهاب، الذي يحيك لنا ولبلادنا الشرور والفجور. وهذا منهم ليس بمستغرب، فهم يتحركون ضمن سياق تاريخي وطني شريف نعمت به مملكتنا الحبيبة منذ تأسيسها، لا ينكره إلا مكابر أو جاهل بتاريخ مملكتنا. فعلماؤنا الشيعة في القطيف هم من أفتى بعدم جواز سيطرة بريطانيا على منطقة القطيف والأحساء، عندما طلب منهم المندوب البريطاني "السامي" في المنطقة "طلب الحماية من بريطانيا"، كبقية المحميات البريطانية في الخليج. وآثروا على ذلك طلب الحماية من المغفور له المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وذلك انطلاقا من القاعدة الشرعية "لا ولاية لكافر على مسلم" وبريطانيا كافرة وعبدالعزيز مسلم. إذن، فطلب أهالي القطيف الحماية من الملك عبدالعزيز بن سعود، أتى نتاج فكر إسلامي قويم مدعوم بعواطف وطنية أصيلة، ومستند إلى تجربة تاريخية خلاقة "الدولتان السعوديتان الأولى والثانية". ولذلك فليس بالمستغرب أن يدخل الملك عبدالعزيز منطقة القطيف وتوابعها مصحوبا بأهازيج الفرح والترحيب، وليس بأزيز الرصاص ودوي المدافع والنحيب. وعلى هذا الأساس فدعوة علماء الشيعة الأفاضل شباب المملكة بشكل عام وشباب المنطقة بشكل خاص، بالوقوف صفا واحدا متماسكا ومتراصا، خلف قيادته الحكيمة الراشدة، ونبذ كل عنف ورفض حمل السلاح في وجه الدولة رفضا تاما وقاطعا،…

نعم لدخول الجلادين.. لا لدخول المسعفين!

الجمعة ١٤ فبراير ٢٠١٤

نعم، نعم لدخول الجلادين لساحات حرم وباحات كليات البنات؛ ولا، لا لدخول المسعفين لساحات وباحات حرم كليات البنات!. هذه الممارسات تتكرر، وما زالت وزارة التعليم العالي تتفرج؛ وكأن ما تشاهده وتسمعه يحدث في جامعات تل أبيب؛ عجيب هذا الأمر عجيب!! جامعات لا تحرص على سلامة وحياة طالباتها؛ بالطبع ستكون الأبعد في الحرص على فكر وعقل وحسن تأهيل وتدريب طالباتها. المسؤولون في الدفاع المدني ومن حسهم الوطني والمسؤولية الدينية والإنسانية أعلنوا مشكورين، عياناً بياناً، بل أنذروا وحذروا؛ بأنهم سوف يتصدون ولو بالقوة لكل من يتدخل في عملهم ويمنعهم من أداء واجبهم، عندما يستدعون للتعامل مع حالة حرجة في مدارس أو كليات البنات. وكان ذلك نتيجة ما مروا به من تجارب مريرة؛ ذهبت ضحيتها أنفس بريئة، كان من الممكن وبمقدورهم إنقاذها، لولا تدخل جهلة حماية الخصوصية، ولو أزهقت في سبيل ذلك أنفس بناتنا، واللاتي وصانا بهن رسول الهدى والرحمة، صلى الله عليه وسلم خيراً، قبل وفاته. وبرغم أن الإسلام أعطانا فسحة كبيرة في حماية وصيانة الأنفس، عندما أكد على قاعدة "عند الضرورات؛ تحل المحرمات"؛ منع جهابذة وجهلة و"جلاوزة" الخصوصية، إسعاف الشهيدة آمنة باوزير، والتي لم يكن لها من اسمها - وللأسف الشديد - نصيب وهي في كنف أعرق جامعاتنا المدنية؛ وفي كلية تعلم وتمنح أعلى الشهادات في العلوم الإنسانية؛ حتى فارقت الحياة،…

لماذا يجب ألا نزج بشبابنا لمواطن الحروب؟

الجمعة ٠٧ فبراير ٢٠١٤

الإجابة عن السؤال أعلاه لن تكون تخمينية، وإنما هي يقينية مثبتة علميا وعلى أرض الواقع. من الغباء أن نسأل هذا السؤال الآن؛ ولكن كان يمكن أن يكون من حسن الفطنة أن نسأل هذا السؤال في بداية استنفار شبابنا وثرواتنا لأفغانستان في بداية الثمانينيات من القرن المنصرم، ولم نفعل ذلك؛ ولذا فقد حان الوقت لأن نسأله ونجيب عنه ولو من باب ما فات جله، لا يترك كله. لقد تم استنفار شبابنا لأول مرة في الثمانينيات من القرن المنصرم، للقتال في أفغانستان، تحت راية الجهاد. لا شك بأنه ليس كل من شارك في استنفار شبابنا للقتال في أفغانستان، كانت نواياهم سيئة، بل منهم من كانت نواياهم سليمة، ولو من حيث المبدأ لا الفعل والنتيجة. وذلك نتيجة لحداثة التجربة والحماس الشديد حينها لنصرة الشعب الأفغاني أمام الغزو السوفيتي الغاشم. وكانت النتيجة كارثية، على من مات هناك أو أصيب بتشوهات جسدية أو نفسية؛ ناهيك عن أم الكوارث، عندما رجع جزء من شبابنا هناك، وهم يحملون معهم أجندات تكفيرية ومخططات انقلابية تدميرية عن طريق الإرهاب، تكفيراً وتفجيراً. وقد عانت بلادنا ويلات الإجرام الإرهابي الذي أتانا بعد عودة شبابنا من ساحات القتال في أفغانستان؛ حيث سحقت البراءة في دواخلهم وغسلت أدمغتهم ودمرت نفسياتهم وشوهت عقائدهم وتحولوا إلى ذئاب بشرية، لا تعرف إلا القتل والتخريب والتدمير؛ وباسم…

مافي الفخ.. أكبر من “عرعور”

الجمعة ٣١ يناير ٢٠١٤

تحية وطنية وبامتنان لأستاذنا الفذ داود الشريان، الذي فجر وبكل شجاعة موضوع تكرار جر شبابنا وباحتراف للذبح كالخراف، في كل حفلة جزر تحاك هنا أو هناك. حيث أصبحت تحاك لكل شعب مؤامرة واحدة؛ أما شعبنا فتحاك له مؤامرات وسط كل مؤامرة تحاك لشعب قريب منا أو بعيد، مع كوننا أكثر من يؤمن ويردد الحكمة: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين". إلا أن لدغنا المرة تلو الأخرى أصبح ظاهرة حصرية لنا وحدنا، دون غيرنا من شعوب الأرض. أستاذنا العزيز داود، وبكل جرأة علق الجرس؛ وهنا ما بقي علينا نحن إلا الصمود أمام من يقرع في عنقه الجرس والإمساك به، لا الهروب من أمامه حتى لا يلتهمنا الواحد تلو الآخر، وهذه غاية أستاذنا داود الوطنية من تعليق الجرس. عندما أخذت تقرع الأجراس التي علقها داود بالأعناق، قذف قرع الأجراس المدوي في أذني أسئلة أكثر من قذفه إجابات، على السؤال المزعج والمحير: من المسؤول عن جر أبنائنا للذبح كالخراف في كل كارثة ترتعد منها القلوب وتخاف؟ سألت نفسي هل من الممكن بأن فلانا وفلانا وعلانا، ممن ذكرهم الزميل داود هم السبب؟ أي هل في حال تم القبض عليهم متلبسين بالجرم المشهود وتم الحجر على حرياتهم؛ ستكون حالنا أفضل؟ وهل سيعم السلام مجتمعنا ويلتزم شبابنا الدراسة في مدارسهم وجامعاتهم، ويحصلون منها على العلوم النافعة…

لماذا أنا لست بطائفي؟

الجمعة ٠٣ يناير ٢٠١٤

كنت في مناسبة، فسألني قريبي متعجباً: لماذا أنت لست بطائفي؟ فقلت له: شكراً على حسن ظنك بي، وهذا من فضل ربي عليّ. فتعجب من جوابي قائلاً: كيف تقول هذا من فضل ربي؟! فقلت له: كل خير يصدر مني أعتبره فضلا من ربي عليّ، وكل شر يصدر مني أعتبره من نفسي والشيطان. فتعجب قريبي من جوابي هذا أيضاً وقال مندهشاً: أتعتبر الطائفية شرًا؟! وهنا انتقلت الدهشة منه لي، وسألته: إذا تعتقد بأن الطائفية ليست بشر؛ إذاً فما هو الشر؟! فقال الشر هو ألا تقف بصف طائفتك على الخير والشر. فقلت له: الشر هو عندما لا أفرق بين الخير والشر، وأقف مع طائفتي على الخير والشر. وهذا مبدأ جاهلي نسفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً.." ومعاونته ظالماً هو بمنعه عن الظلم. ولذلك فأنا ضد الظلم الواقع على أي أحد سواء من طائفتي أو من أي طائفة أخرى. وأنا بصف المظلوم سواء كان من طائفتي أو من أي طائفة أو دين أو جنس آخر. أي أنا من طائفة الحق، إن كان للحق طائفة، وطائفي وعنصري ضد الظلم، إن كان للعنصرية والظلم طائفة، أو هكذا أحسب نفسي على طائفة الإنسان الخير كائنا من كان. قبل أن ندخل في صلب نقاشنا أنا وقريبي، تمت دعوتنا لتناول العشاء، وتفرقنا…

“امسكوا عنزكم.. ما يجيها تيسنا”!

الجمعة ٠١ نوفمبر ٢٠١٣

بمناسبة نجاح الأجهزة الأمنية المعنية، في إلقاء القبض على الشباب المستهترين، الذين قاموا بالاعتداء الوقح على الشابات اللواتي كن خارجات بكل أمن وسلام، من أحد المجمعات التجارية، في المنطقة الشرقية؛ وقاموا بكل بجاحة وصفاقة واستهتار، بتصوير فعلتهم الشنيعة هذه وبثوها عبر قنوات التواصل الاجتماعي؛ غير مبالين بردة الفعل لا الرسمية ولا الشعبية، على جريمتهم النكراء هذه.. السؤال الذي يطرح نفسه علينا وبإلحاح وأمانة، هو: ما الذي دفع أبناءنا لفعل ذلك ببناتنا، وببرودة أعصاب، وكأنهم، ليسوا من بيوتنا هذه ومن بلدنا هذا، ولكن كأنهم ليسوا من كوكبنا هذا؟! كل جريمة ترتكب، وخاصة تلك الجرائم التي تدخل ضمن "الجرائم ضد أمن وسلامة أحد مكونات المجتمع"، لا تحدث بدون أن يسبقها تمهيد ثقافي وبيئة اجتماعية حاضنة لها، تريح ضمير فاعلها، وتجعله لا يأبه بردة الفعل ضد جريمته، ولا يتوقع بأنه سيحاسب على فعلته، لكون أن هنالك من سيتطوع ويدافع عنه كضحية، ويرمي الجرم على الضحية نفسها، خاصة إذا كانت امرأة أو فتاة. كما يقال باللهجة الشعبية "امسكوا عنزكم، ما يجيها تيسنا"!! وهذا المنطق البهيمي، ليس جريمة بحق المرأة أو الفتاة؛ ولكنه جريمة أيضاً بحق المجتمع كافة، حيث تمت إحالته إلى مجتمع "بهائمي" مكون من قطعان من البهائم، رجاله قبل نسائه. إن بث ونشر مثل هذه الثقافة "البهيمية،" هو ما أعنيه بالحاضنة الثقافية والاجتماعية،…