إيران وفلسطين.. ومشروعية الثورة

الجمعة ١٠ يوليو ٢٠١٥

تحوّلت القضية الفلسطينية من قضية سياسية مرتبطة بمأساة واقعية محددة، إلى قضية وجدانية غائمة وعائمة، ومع هذا غنيّة بالحمولات الرمزية الدينية والقومية، التي يسهل توظيفها في كل الاتجاهات؛ وفقا للظروف المصاحبة سياسيا ودينيا. لقد أصبحت هذه القضية هي قضية النضال الذي حدث - وقائع وأبطالا -، وهي قضية النضال الموعود الذي لم يحدث - أماني وأحلاما -. إنها قضية الماضي الأليم، والحاضر البائس، والمستقبل الواعد. ولأنها كذلك؛ فكلٌ يمتاح منها شرعية ما، شرعية تمكنه من الصمود في عالم الوقائع المادية، حيث السياسة المتحولة إلى مستويات العبث، أو في عالم المعاني، حيث الزعامات الروحية لم تعد مقتنعة بحدود عوالم الروح. لم تعد القضية الفلسطينية مجرد قضية، بل أصبحت أيقونة يتمسح بها الجميع للتطهر من الخطايا، لما تقدّم من الذنوب وما تأخر!. إنها ملاذ ذوي الآمال؛ لعل وعسى أن تثمر الآمال بتعوذياتها، كما أنها ملاذ الفاشلين للتواري خلف الهدف المستحيل، أو الذي يريدونه أن يكون مستحيلا. كل شيء يُبرر بفلسطين، وبالنضال من أجل فلسطين، ما حدث، وما يحدث، وما سيحدث، وعلى الجميع الاستسلام للأقدار الكارثية التي تسبب بها مناضلو القضية، كما استسلمت فلسطين لأقدارها. فالناصرية بررت الدكتاتورية والقمع والهزيمة والفشل التنموي الذريع بالنضال من أجل فلسطين، وكذلك فعل الأسد: الأب والابن، وصدام، وحزب الله، وابن لادن.. إلخ. وطبعا إيران لم ولن تكون…

الإسلاموية بين إيران والإخوان

الخميس ٠٢ يوليو ٢٠١٥

على الرغم من تحوّل الثورة الإسلامية الإيرانية – ظاهرياً - من الحالة الثورية، حالة الحراك المتأسلم الغاضب، إلى حالة الدولة بكل ما يستلزمه ذلك من اشتراطات عملية؛ إلا أنها لا تزال تمارس مهامها السيادية وكأنها حركة معارضة ثورية تُناضل للوصول إلى السيطرة على المجتمع من خلال السيطرة على مؤسسات الحكم. ولعل هذا هو سبب بقائها في حالة غضب واعتراض وقفز على مسلمات الدولة القطرية. وإذا كان أوليفيه روا يؤكد أن "الإسلاموية هي خطاب احتجاج، وتكيّف، أي أنها، بالتالي، خطاب انتقالي. فثمة مسلمون سعداء، ولكن ما من إسلاموي واحد سعيد"(تجربة الإسلام السياسي، أوليفيه، 189)؛ فالواقع أن حكومة إيران لا تزال حركة احتجاج، لا تزال تحكم وكأنها تعيش مرحلة انتقالية لا تنتهي، ولا أحد ينكر أنها غير سيعدة بواقعها؛ على الرغم من كل ما تحقق لها من هيمنة قلّ نظيرها في الداخل الإيراني، فضلاً عن التقدير الذي حظيت به من لدن حركات التأسلم، على الأقل في سنواتها الأولى. إن إيران تجسّد واقع الإسلامويات التي لم - ولن - يقف تطلعها السلطوي عند حدود السيطرة على الدولة القطرية. طموح الإسلامويات يتسع باتساع هذا العالم كله. هذا ما أكده الخميني، وطالقاني، ومن قبلهما البنا، وسيد قطب، ومحمد قطب الذي كان كلامه عن (قيادة العالم) لازمة من لوازم خطابه في كل مراحله الفكرية. أي ان…

جمهورية رجال الدين بين خاتمي والخميني

الخميس ١٦ أبريل ٢٠١٥

كل الوقائع السياسية تدل على أن الرهان على الزخم الجماهيري لصناعة واقع ديمقراطي، غير مجد، وسينتهي هذا الرهان بفشل ذريع؛ ما لم تكن هذه الجماهير قد ارتقت في وعيها إلى الحدود الدنيا من الوعي بشروط الحرية أولاً، وبمبادئ الديمقراطية ثانياً، وبالاستعداد للنزول على هذه الشروط وهذه المبادئ – بكل ما يستلزمه ذلك من التضحية بالعلائق التقليدية وبالرؤى الموروثة – ثالثاً. فالجماهير التقليدية التي تشبّعت رؤاها بالتصورات الكليانية الشمولية، وبالبطل الكاريزمي المنقذ، لا يمكن أن يحركها إلا بطل تقليدي شمولي، ولا يمكن أن تدفع إلا في اتجاه حراك تقليدي شمولي ذي طابع استبدادي. وبالتالي لا يمكن أن تصنع ديمقراطية، ولا حتى شبه ديمقراطية، بل المرجح أنها ستصنع – بثورتها الاحتجاجية/ الغضبية – واقعاً أسوأ من الواقع الذي ثارت عليه، خاصة فيما يتعلق بمسيرة الحريات وحقوق الإنسان. من هنا، فإن الجماهير التي يحكمها وعي رجال الدين السلفيين في إيران، هي – كما يؤكد حازم صاغية – بروليتاريا رَثّة، تتشكل من عاطلين عن العمل، ووافدين حديثاً من أريافهم. (الانهيار المديد، حازم صاغية،ص204). ما يعني أنها جماهير أمية وشبه أمية، لديها القابلية لاستقبال الأطروحات السلفية التقليدية المشبعة بالخرافة وبالحماس وبالتضليل الإيديولوجي. إنها ليست جماهير الوعي التقدمي المتجاوز لواقعه، بل هي جماهير الوعي الماضوي المنكفئ إلى ما دون واقعه الطبيعي في مسار التاريخ. ولهذا لم…

المتطرفون من ذهنية التحريم إلى قمع الاختلاف

الخميس ٠١ يناير ٢٠١٥

ذكرنا في المقال السابق كيف أن واقعة: خروج الشيخ أحمد الغامدي مع زوجته في الإعلام الفضائي كانت واقعة مفصلية/ استثنائية في سياقها، إذ تماسّت مع أكثر المسائل حساسية في وعي المجتمعات التقليدي (= قضية المرأة)؛ لأن المرأة في المجتمعات التقليدية المُتزمتة هي أقنوم المحرمات. وقد بقي كثير من النقاط التي سنحاول التفصيل فيها، بحيث نستكمل بها النقاط السابقة، مما هو في سياقها؛ ولا يمكن فصلها عنها. وهي – اختصارا – في النقاط التالية: 5- كنا قد أشرنا إلى كون تلك الخطوة الجريئة لا يمكن فهمها من حيث كونها تكشف عن الوعي المتأزم في مسألة كشف الوجه تحديدا (التي هي مسألة جزئية)، وإنما فهمها الأعمق يتحقق في التعاطي معها بوصفها مسألة استشكالية تكشف عما هو أكبر منها؛ مقارنة ببقية المسائل التفصيلية الأخرى، كما تكشف - من جهة أخرى – عن طبيعة العقل الفقهي السائد، وعن مستوى الوعي الاجتماعي، ومدى تقبّله للخلاف، الذي هو (= الوعي الاجتماعي) يتفاعل – جدليا - مع ذلك العقل الفقهي. فهي – في هذا السياق - مسألة كاشفة، مسألة قادرة على إضاءة أكثر العتمات عماءً في وعينا، وعلى أن تعري حقيقة تحيّزاتنا، من حيث مواقفنا العامة من التشدد ومن الاعتدال. كلنا كُنّا – ولا نزال – ندّعي الاعتدال في طرحنا الفكري، وفي ممارستنا العملية، ونغضب ممن يصفنا…

ديمقراطية المتأسلمين.. مراوغة الفكر وحيرة الممارسة

الجمعة ٢٨ نوفمبر ٢٠١٤

هل صحيح أن الحركية الإسلامية تصالحت مع الديمقراطية منذ ثلاثينيات القرن العشرين؟ إذا قيل الحركة الإسلامية في ثلاثينيات القرن العشرين، فالمراد بها حركة "الإخوان المسلمين" تحديدا؛ لأنها هي الحركة التي كانت فاعلة على الساحة آنذاك، وهي التي كانت تطرح الإسلام بوصفه: دينا وسياسة. وكلنا نعلم أن الحركة/ جماعة الإخوان، وخاصة في تلك الفترة المؤسسة، كانت رهينة – بالكامل – إلى آراء مؤسسها الشيخ: حسن البنا، الذي لم تكن الحركة إلا تجسيد لآرائه في الواقع. وبالتالي، فالحكم على التصالح في ثلاثينيات القرن الميلادي المنصرم لا يكون إلا من خلال آراء البنا تحديدا. قرأتُ كل ما كتبه البنا، ولم أجد فيه أي تصالح حقيقي مع الديمقراطية. أنا هنا أتكلم عن الطرح الفكري، وليس عن الممارسة العملية التي قد تخضع لعدة اعتبارات. البنا قَبِل المشاركة في الانتخابات البرلمانية بوصفها واقعا لا بد من الاستفادة منه، لا بوصفها مشروعة - سياسيا/ دينيا - من وجهة نظره التي يرى أنه هي صحيح الدين. أنا لا أتهمه بهذا، وإنما هذا هو منطوق طرحه الفكري كله في هذا الشأن. الرجل كان ضد الأحزاب، وكان يدعو صراحة – وبكل قوة – إلى إلغاء الأحزاب. وطبعا، القول بإلغاء الأحزاب يعني – بالضرورة – القول بإلغاء الديمقراطية من الأساس. طبعا، هناك آراء جانبية مراوغة؛ ولكن لا يفهم منها البتة أن…

الليبرالية في قراءة التيار الصحوي

الخميس ١٧ أبريل ٢٠١٤

صدر في العام الماضي2013م عن دار الانتشار العربي كتاب بعنوان: (الليبرالية في السعودية الفكرة.. الممارسات.. الرؤى المستقبلية)، تأليف مجموعة، وبإعداد وإشراف "وحدة الدراسات في مركز صناعة الفكر". وهذا المركز بعنوانه الباذخ دعاية هو مركز مغمور، غير معروف؛ إلا عند ذويه. والكتاب الذي نحن بصدده كتاب كبير في حجمه، يقع في 494 صفحة من القطع المتوسط. وقد تم إخراجه بطباعة فاخرة، وبتجليد فاخر أيضاً، مما يؤكد أن الدعائية الفجّة كانت تستهدف أكبر قدر من جماهير العوام الذين تشدهم الشكلانية الدعائية أكثر مما تشدهم المضامين العلمية التي لا يستطيعون فرزها، على الأقل في لحظات الاقتناء التي تستلزم سرعة التقييم بالتصفح السريع، بل لقد رأيت كثيرين يشترونه دون أن يفتحوه، لمجرد أن التيّار وجّه بدعمه، ووضعه على قائمة المُلهِمات. أيُّ متصفح للكتاب فضلاً عن قارئه يستطيع الجزم بأن الكتاب يُعبّر عن رؤية صحوية إخوانية مؤدلجة للحراك الليبرالي في السعودية. ولا مشكلة علمية هنا، إذ من حق كل تيار أن يُعبّر عن رؤيته الخاصة، بالأدوات والمضامين التي يرى أنها الأنسب لتحقيق أهدافه في ميدان التفاعلية الفكرية/ العلمية. أقول: لا مشكلة هنا في هذا التحيّز؛ لو لم يدعِ أصحابه الموضوعية العلمية؛ ولو لم يكن العنوان متجرداً من الإشارات المُعبّرة عن هوية البحث، أو ما يعدونه بحثاً. وهذا مبعث الاعتراض الذي يستوطن هذه المقالات التي سأناقش…

العائدون إلى التطرف والإرهاب.. توبة المعتدلين!

الخميس ٠٤ أبريل ٢٠١٣

منذ أكثر من خمس سنوات، وتحديداً في 14/2/2008م نشرت في هذه الجريدة (الرياض) مقالاً بعنوان (العائدون إلى الله.. توبة المتطرفين). وهو مقال يحاول مقاربة التحولات المزعومة المخادعة لأحد أهم رموز الزمن الغفوي البائد. وكان المقال لحظة الكتابة مُكوّناً من جزأين، نُشِر الأول، بينما تعذر نشر الثاني في إبانه. ولكنهما الآن موجودان بشيء من الإضافات التفصيلية في كتابي (نحن والإرهاب) الذي ضم أغلب ما كتبته عن معركتنا الفكرية مع الإرهاب. يمكن ملاحظة أن عنوان مقال اليوم، هو قلب/عكس لعنوان المقال القديم. والتناص مع المقال السابق مقصود، إذ هو يحكي تحولات الأقنعة المخادعة التي جرى تناولها في المقال السابق، وهي التي يجري تبديلها في كل مناسبة؛ وفق الاستحقاقات الآنية لصراع التطرف مع الرؤى المدنية، وليس نزولاً على اشتراطات التحول الذهني، ذلك التحول الذي لم ولن يحدث؛ رغم كل ما يهتف به نجوم الفضائيات الغفويون من شعارات التسامح والاعتدال. هذا من جهة. ومن جهة أخرى فالشخصية المحورية التي تتلبس شعارات الاعتدال والتي حاول المقال السابق تعريتها بكشف الاستمرارية (استمرارية التأسيس لواقعة التطرف) التي يتضمنها خطابه؛ كمضمون نسقي كامن، نسق لا تزيده المزايدة على شعارات الانفتاح إلا وضوحاً هي الشخصية ذاتها في هذا المقال. إذن، الحديث هو عن شخصية تبدو وكأنها تتوب من تطرفها، وتتوب من توبتها! ولكن، مع فارق بسيط، وهو أن التوبة…