إياد أبو شقرا
إياد أبو شقرا
صحافي لبناني مقيم في لندن. حائز إجازة في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية في بيروت وماجستير من معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن.

كيف تفهم واشنطن التسوية في سوريا؟

الثلاثاء ٢٢ سبتمبر ٢٠١٥

كلام جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، بالأمس، عن السير في تفاهم عملي مع موسكو في الشأن السوري يشكل انعطافة لافتة. هذه الانعطافة لافتة ليس فقط بالنسبة لتعامل واشنطن مع الأزمة السورية منذ أكثر من أربع سنوات ونصف السنة، بل لجهة الموقف الأولي إزاء التحرك الروسي اللوجيستي في شمال غربي سوريا قبل أيام معدودات. لقد سمعنا، كما سمع الأميركيون أيضًا، عن «قلق» واشنطن تجاه عرض العضلات الروسي، الذي تجاوز «الجسر الجوي» المألوف خلال السنوات الماضية، إلى وجود عسكري فعلي، وتسلّم مرافق ومطارات، وكلام عن نشر قوات. ثم إن نفي وليد المعلم، وزير خارجية النظام السوري، الكلام المتواتر عن نشر روسيا قوات في محافظة اللاذقية ومناطق أخرى من البلاد، جاء في خاتمته ليؤكد ما أراد نفيه، عندما قال ما معناه إن دمشق مستعدة إذا قضت الحاجة لطلب الدعم الروسي المباشر. وكما لو كانت هناك حبكة مسرحية؛ ما إن صدر «النفي» المقصود به «التأكيد» حتى تكاملت عناصر الحبكة، بإعلان موسكو جاهزيتها للحضور ميدانيًا بمجرد تلقيها طلبًا بذلك من نظام الأسد، الذي يعتبره فلاديمير بوتين «السلطة الشرعية». في هذه الأثناء أخذ «القلق» الأميركي الأولي يتبدّد. وكالعادة، انتهى بقبول التفسير الروسي للوضع السوري. وهكذا، خلال ساعات وعبر مكالمات هاتفية بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي وجدت واشنطن «إيجابيات في انضمام روسيا إلى الحرب ضد التطرف»، وقالت…

صفيح لبنان الساخن

الأحد ٣٠ أغسطس ٢٠١٥

ثمة من يقول اليوم إن تحرّك منظمات المجتمع المدني في لبنان مؤشر إلى سقوط الطبقة السياسية الحاكمة فيه. غير أن كلامًا كهذا يفتقر إلى الدقة. ذلك أن الطبقة السياسية اللبنانية سقطت منذ زمن بعيد، وما كان هذا الواقع بحاجة لبضع مئات أو ألوف من الشباب المُحبَطين، وأيضًا من المدفوعين والمشبوهين، أن يثبتوه في ساحات بيروت وشوارعها. ثم إن المشكلة الفعلية ليست «قضية الزبالة» (النفايات) التي فجّرت الأوضاع. فأزمة الزبالة ليست «بنت ساعتها» كما يقال. وفي غياب استراتيجية بيئية جدّية لا يصح تحميل الحكومة الحالية العرجاء وحدها المسؤولية عنها. ثم مَن قال إن الزبالة هي المشكلة الوحيدة التي أدى عجز السلطة وإفلاس الطبقة السياسية إلى تفاقمها؟ ذلك أن كل لبناني صادق مع نفسه يعلم أن أزمة الكهرباء كارثة، وتداعي النظام التعليمي والتسابق على فتح دكاكين الشهادات الجامعية التي تخرج آلاف الجهَلة كارثة، والانفلات الأمني وفوضى السلاح كارثة، والفساد بمختلف أشكاله وأنواعه والضالعين به كارثة، وتنامي التعصب الديني والمذهبي كارثة، وأزمة بطالة الشباب وهجرة العقول والكفاءات كارثة. كل هذه المشاكل تفاقمت وتتفاقم ولكن منذ عقود. منذ سقطت «الجمهورية الأولى» (1943 - 1975) وقرّر لاعبون إقليميون ودوليون منع قيام «الجمهورية الثانية» ولبنان يترنّح من أزمة إلى معضلة، ومن معضلة إلى محنة. ومع هذا كان سلاح اللبنانيين الوحيد في وجه هذا الواقع.. تجاهله والهروب…

لبنان: عندما تختصر «الزبالة» أزمة وطن

الأحد ٢٦ يوليو ٢٠١٥

أذكر من أيام الشباب شكوى اللبنانيين من أن «كل شيء في لبنان زفت (إسفلت) إلا الطُّرُق!». تلك الأيام يحنّ إليها اليوم مَن هم في مثل سنّي، الذين ما زالوا يتذكّرون ذلك الزمان الجميل على الرغم من «الزفت».. لأننا بتنا في وضع «أزفت». كنا حينذاك نشكو ما نسميه «الطبقة السياسية» وننتقد «الإقطاع السياسي» و«الزعامات التقليدية» من دون أن ندري ما ينتظرنا في الآتي من الأيام.. لم نكن نتصوّر – مثلاً – أن يدعي شخص ما الحق الحصري بتمثيل المسيحيين، بعدما كانت الساحة المسيحية تتسع لتنافس إميل إده و«كتلته الوطنية» وبشارة الخوري و«كتلته الدستورية»، وكانت هاتان الكتلتان تتسّعان لممثلي مختلف الطوائف. وفيما بعد، كانت الساحة المسيحية رحبة بما فيه الكفاية ليس فقط للرئيس فؤاد شهاب والبطريرك بولس المعوشي، بل لتنافس «الأقطاب الثلاثة الكبار» كميل شمعون وبيار الجميل وريمون إده. بل حتى إبان الحرب اللبنانية، وسعي بشير الجميل «لتوحيد البندقية المسيحية»، ظل هناك مسيحيون يقودون أحزاب «الحركة الوطنية» بيسارييها وعروبييها، رافضين التسليم باحتكار «اليمين» الوجود المسيحي كله. وما كان المشهد مختلفًا في الجانب المسلم. إذ كان الميدان السنّي مفتوحًا أمام «التعدّدية»، وما كان بمقدور أي زعيم سنّي ادعاء السعي لاحتكار العروبة والوطنية والاعتدال الإسلامي. وكانت «التعدّدية» أوضح في الطائفة الشيعية، سواءً في البقاع أو الجنوب ولم تتمكّن زعامة واحدة من احتكار الحلبة السياسية.…

أما آن أوان «الملاذات الآمنة» في المنطقة؟

الأحد ٢١ يونيو ٢٠١٥

الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا تحل نفسها بنفسها، ولا تذوب أو تتحلل بمرور الزمن، بل تحتاج إلى الصدق مع النفس ومع الآخرين، واتخاذ الخطوات العملية الشجاعة الكفيلة بتغيير واقع مرفوض. ولدى التفكير في سياسة الرئيس باراك أوباما إزاء منطقتنا تذكرت المقولة الشهيرة للسياسي الأميركي الراحل هنري كلاي: «سيدي، أفضل أن أكون على صواب من أن أكون رئيسًا». اليوم بالإمكان اختصار مقاربات واشنطن في العراق وسوريا ولبنان بما يلي: في العراق، دعم السلطة التي تعاون غزو 2003 والتمدّد الإيراني في تنصيبها. وفي سوريا، تجاهل المآسي و«الخطوط الحمراء» بعد مرور 4 سنوات و3 أشهر من الانتفاضة الشعبية. وفي لبنان، القبول الضمني بهيمنة حزب الله على مقدّرات البلاد في أعقاب صيغة القرار الدولي 1701 «التحييدية» عن حدود إسرائيل. في الحالات الثلاث كان وراء المقاربات الأميركية التحمّس المطلق للتفاهم مع إيران، والاستفادة من وجود حالة «داعشية» متطرّفة تبرّر هذا التفاهم، ومن ثم تطويره إلى تحالف كامل. هذه القراءة تختلف ظاهريًا عن مضمون تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي عن الإرهاب في العالم عن عام 2014، الذي نشر بالأمس، وبالأخص إزاء إيران وبعض أتباعها في المنطقة؛ إذ وردت في التقرير اتهامات، بل إدانات، لحزب الله اللبناني على ما يفعله داخل لبنان وخارجه، وتوّجت بوصف الحزب بـ«التنظيم الإرهابي الأبرز والأقوى في لبنان»، واتهامه بأنه تسبب باستثارة ردّات…

إعادة كتابة تاريخ العلاقة مع الإرهاب

السبت ١٤ فبراير ٢٠١٥

زرت ولاية نورث كارولينا الأميركية لأول مرة عام 1992. وأكثر ما أحببت فيها مدينة تشابل هيل الجامعية الجميلة الوادعة، فهي نسخة أميركية عن المدن الجامعية الأوروبية كأكسفورد ولايدن وتوبينغن ولوفان (لوفن). ولئن كان العنف ظاهرة مألوفة في الأحياء الشعبية في كبريات المدن الأميركية فهو نادر في بيئات أكاديمية راقية مثل تشابل هيل. كذلك إذا كانت العنصرية المشوبة بالتعصب الديني حقيقة في أجزاء من ولايات «الجنوب القديم» وما يسمى بـ«حزام الإنجيل» المحافظ، توجد الآن في هذه الولايات واحات من التسامح والانفتاح، وبالأخص، بعدما كبُرت مدن كثيرة، مثل أتلانتا وتشارلوت، صارت ذات طابع «كوزموبوليتاني» وفقدت الكثير من طبيعتها المحافظة الضيقة. مع هذا، في ظل الأجواء السياسية العامة، لم أفاجأ بوقوع جريمة تشابل هيل الثلاثية التي قتل فيها الشاب السوري ضياء بركات وعروسه الفلسطينية يسر أبو صالحة وأختها رزان - رحمهم الله -، كما أنني لم أفاجأ بـ«الفتور» الأولي في تعاطي الإعلام الأميركي معها. ومع أنني لا أود الانجرار لنظرية «التحامل على المسلمين» - كون الضحايا الثلاثة مسلمين والقاتل أبيض - لاحظت في الساعات الأولى لوقوع الجريمة، على الأقل، تواضعا في مستوى التغطية الإعلامية مقارنة بجرائم مماثلة وقعت في الولايات المتحدة خلال العامين الأخيرين. وهنا أشير إلى أن صديقة بريطانية كتبت لي قبل فترة قصيرة بعد إقدام «داعش» على ذبح الرهينتين اليابانيين مطالبة…

اختلاف أولويات حيال مكانة إيران الإقليمية

الأربعاء ٢٦ نوفمبر ٢٠١٤

ذكرتني صورة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف مع وزراء خارجية مجموعة الـ«5 زائد 1»، خلال مفاوضات الملف النووي الإيراني في العاصمة النمساوية فيينا، بصورة «الأربعة الكبار» في فرساي، قرب العاصمة الفرنسية باريس، عام 1919، بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى. تلك الصورة التاريخية جمعت يومذاك كلا من الرئيس الأميركي وودرو ويلسون ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد لويد جورج ورئيس وزراء إيطاليا فيتورويو إيمانويلي أورلاندو ومستضيفهم رئيس وزراء فرنسا جورج كليمنصو، وكانت فعليا ترسم معالم نظام عالمي جديد. وصورة الأمس في فيينا جاءت بدورها معبّرة جداً. إذ كانت أشبه بترحيب القوى العالمية الستة، ومعها الاتحاد الأوروبي، بإيران عضوا في النادي النووي وشريكا إقليميا لها في منطقة الشرق الأوسط. التعامل الإعلامي الإيراني والأميركي مع «التمديد» المتفق عليه بنهاية مفاوضات فيينا كان لافتا؛ إذ حاول كل من الجانبين التشديد على تجنب دخول طريق مسدود، غير أن الجانبين حرصا أمام «الداخل» في إيران والولايات المتحدة على «بيع» ما تحقق على أنه انتصار دبلوماسي. هذا أمر مفهوم، ذلك أن ظريف، يدعمه الرئيس حسن روحاني الذي يود الرئيس الأميركي باراك أوباما اعتباره من «الحمائم» الإصلاحيين الذين يستحقون الرهان عليهم، يهمه طمأنة «الصقور» المحافظين على أنه لم يفرط في حق إيران في دخول النادي النووي. وفي المقابل، يهم أوباما تجريد خصومه الجمهوريين من ذرائع التعطيل والمعارضة... بعدما قطعت…

مَن يزعم حماية الأقليات لا يجعل منها دروعا بشرية

الأربعاء ١٢ نوفمبر ٢٠١٤

ما زال الفولكلور الشعبي عند الموحدين الدروز يتغنى ببطولة سلطان الأطرش ودوره في الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي عام 1925. ولكن الموحدين الدروز يجدون أنفسهم اليوم على «مفترق طرق» لتحديد ولاءاتهم، بينما تتمزق سوريا ويحاول الهيمنة تيار متطرف يدعي احتكار الإسلام.. وهذا وضع ما كانوا يتمنون ألا يصلوا إليه أبدا. إنهم، كأقلية مسلمة باطنية انشقت عن المذهب الشيعي الإسماعيلي، تصرفوا دائما كأقلية تعرف حجمها ومصلحتها، ولم تخطئ في حساباتها المصيرية إلا ما ندر. وحتى بعدما قضى الخليفة الفاطمي الظاهر لإعزاز الله على دعوتهم المذهبية في مصر، ثم أجهزت الدولة الأيوبية على الوجود الشيعي الإسماعيلي برمته هناك، أقر الأيوبيون – وهم من الأكراد السنة – للموحدين الدروز بمكانتهم كـ«أمراء حلقة»، أي «أمراء حرب»، على جبل لبنان لشغلهم ببسالة «خط الدفاع الأول» عن المشرق المسلم أمام غزو الفرنجة (الصليبيين). وفي حين تعرض الموحدون الدروز لاضطهاد كبير في شمال سوريا، تحديدا حلب وأنطاكية، على أيدي أتباع الخليفة الظاهر، ومنهم الدولة المرداسية، وهي دولة شيعية عربية أسسها بنو مرداس من كلاب من هوازن، فإنهم لم ينخرطوا فعليا بمواجهات مذهبية مع المحيط السني الكبير. بل بالعكس، قدرت الدولتان السنيتان الكبيرتان، المملوكية والعثمانية، دورهم القيادي في جبل لبنان واحترمتا امتيازاتهم، كذلك تعامل الدروز بحصافة عند تغير موازين القوى وانقلاب الدول فلم يقطعوا «شعرة معاوية» مع…

«دانزيغ بلاد الشام»… مقدمة لرسم الخرائط

الأربعاء ٢٢ أكتوبر ٢٠١٤

عين العرب - أو كوباني كما يسمّيها الأتراك والأكراد - صارت في حسابات السياسة الشرق أوسطية أهم من حلب. لقد استدعت البلدة الصغيرة، ذات الغالبية السكانية الكردية، تحرّكا أميركيا ودوليا لم يتيّسر على امتداد ثلاث سنوات لحلب، الحاضرة السورية الكبرى، وثاني أقدم مدن العالم، وعاصمة المحافظة التي تتبعها عين العرب. حلب تواجه في هذه الساعات الصعبة تصعيدا خطيرا لهجمات النظام. وتشير التقارير المحايدة إلى أن النظام يسعى الآن ليس فقط إلى رفع حصار قوى الثورة والجماعات الإسلامية عن الأحياء الحلبية والبلدات المجاورة التي ما زال يُحكم قبضته عليها، بل يعمل بكثير من الثقة - مدعوما بالميليشيات الطائفية التي تدعمه - على استعادة زمام المبادرة في شمال غربي سوريا. وهو في ذلك يستفيد من صرف المجتمع الدولي الأنظار عن إجرامه، وتركيزها على تنظيم داعش في غياب استراتيجية واضحة لمرحلة «ما بعد داعش». واشنطن حتى اللحظة لم توضح مصير المناطق التي يؤمل أن تنجح الغارات الجوية للتحالف الدولي في إبعاد «داعش» عنها. ولكن من المُستبعد أن تكون العواصم الغربية على الأقل، وواشنطن بالذات، تعيش هاجس مصير المناطق «المحرّرة مستقبلا»، لا سيما بعدما صدر عن مسؤولين أميركيين كلام يفهم منه أن إسقاط نظام بشار الأسد لم يعُد من أولويات الإدارة الأميركية. وفي هذا اختلاف جوهري عن مواقف معظم العواصم العربية المشاركة في التحالف،…

الشك المبرر أقل ضررا من السذاجة المفرطة

الأربعاء ١٥ أكتوبر ٢٠١٤

مرة أخرى رفضت واشنطن المناشدات المتكررة بإنشاء مناطق حظر طيران وقطاعات عازلة على الحدود السورية. لقد أحجمت عن الإجابة عن سؤال جوهري هو: إذا كانت حقا تؤمن بأن «لا مكان لبشار الأسد في مستقبل سوريا»، ما الخطوات العملية التي ستتخذها لمنع ميليشيا الأسد، وحليفاتها الميليشيات الطائفية غير السورية، من استغلال عمليات التحالف العسكرية لإعادة السيطرة على المناطق التي تعدنا بتحريرها من وجود تنظيم داعش وأمثاله من الجماعات المتطرفة؟ وتكرارا، لم توضح واشنطن، في سياق التعامل المُلتبس مع تطوّر «السيناريو» العراقي - السوري، ما إذا كان لديها حقا استراتيجية متكاملة للمنطقة.. تربط ما يحصل على الأرض مع الطموحات الإقليمية المعلنة والتغيرات السياسية والأمنية المتلاحقة. لم توضح عمليا موقفها إزاء منع حزب الله انتخاب رئيس لبناني جديد ما لم يكن هذا الرئيس دمية يضعها في جيبه، ولا استيلاء الحوثيين على الحكم في اليمن، ولا الوجود الميداني الإيراني الذي يشجع قادة نظام طهران على التباهي بأنهم اليوم يسيطرون على 4 عواصم عربية. ما يحدث في الحقيقة غريب تماما. داعش احتل مدينة الرقة ومعظم أجزاء محافظتها قبل أكثر من سنة. وفي يونيو (حزيران) الماضي، اجتاح مدينة الموصل، حاضرة الشمال العراقي ومحيطها، بعدما شدد قبضته على معظم شرق سوريا وغرب العراق، ومع ذلك لم تدق أجراس الإنذار إلا بعد تسارع الإعدامات الوحشية بحق أبرياء أميركيين…

هل دخلنا العصر الإيراني؟

الأربعاء ٢٤ سبتمبر ٢٠١٤

خلال هذه الفترة التي تشهد تطوّرات متلاحقة بالكاد يمكن استيعابها، أحسب أن السؤال المهمّ الذي يستحق أن يطرح على مستوى الشرق الأوسط، هو «هل لدى الولايات المتحدة، ومن خلفها المجتمع الدولي، تصوّر جدّي لما يمكن أن تؤول إليه الأمور؟». ما شهدناه خلال الأيام القليلة الفائتة، ونشهده اليوم في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، يؤشر إلى أن الشرق الأوسط الذي عرفناه انتهى.. وبتنا على مشارف حقبة مختلفة تماما. وبعيدا عن الخطابات النارية والتهديدات والتهديدات المضادّة، لا بد من الإقرار بأن ثمة جدول أعمال فُرض على المنطقة، وأن ميزان قوى يتجلّى الآن بدفع دولي ورضوخ - أو قلْ تقبّل - إقليمي. خلال السنوات العشر الماضية منذ الزلزال الجيو - استراتيجي الذي أحدثه احتلال العراق، عشنا تبدّلا جوهريا في ديناميكيات المنطقة على الأرض بينما ظل الخطاب السياسي على حاله. لقد ظل محور «الصمود والتصدي» السابق، الذي تحوّل بعد هيمنة «الحالة الإيرانية» على العراق إلى محور «ممانعة ومقاومة»، يحافظ لفظيا على شعارات العداء لأميركا، وطبعا «الموت لإسرائيل».. يضاف إلى ذلك زيادة جرعات التخوين والإدانة بحق كل مَن يخالفه أو يحاول وقف زحفه. كذلك برز دورٌ غريبٌ عجيبٌ للاعبين إقليميين يحارُ المراقب في تصنيفه، يتراوح بين الحماسة الشديدة لفرض نهج «الإسلام السياسي» وجعله عنوانا للشرعية السياسية في المنطقة، وفي الوقت نفسه الاندفاع باتجاه علماني مناقض له…

المنطقة.. بين مواجهي المخطَّط الإقليمي ومتجاهليه

الأربعاء ١٠ سبتمبر ٢٠١٤

سذاجة ما بعدها؛ التخيّل أن أولويات الإدارة الأميركية الحالية متوافقة تمامًا مع هواجس أبناء منطقة الشرق الأوسط. غير أن الواقعية تقتضي بتقبّل حقيقة أن دول المنطقة عاجزة بقواها الذاتية عن تغيير توجّهات إدارة يبدو أنها رسمت خارطة أولوياتها الإقليمية. في الزمن الجميل كنا أبرياء نصدّق شعارات واشنطن عن الحرية، ودعاوى موسكو وبكين عن حق الشعوب في تقرير مصائرها. كنا نصدّق أيضا أن الغاية من زيارات ساسة القوى إلى المنطقة «الاطلاع» و«التشاور»، كما كنا نسمع، وينتظر منا أن نقبل ونتفاءل. إلا أننا بعدما نضجنا أدركنا أن تفاصيل تاريخنا وخلجات حاضرنا وهمساتنا حتى داخل بيوتنا محفوظة في «أرشيفات» العواصم والمدن الغربية الكبرى. كذلك، كنا نصدّق إبّان حقبة الحرب الباردة عبارة «المحافظة على التوازن» بين الدول العربية وإسرائيل، غير أن مثل هذه العبارات اختفت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وما عادت واشنطن في عهد الأحادية القطبية تتردّد في قول الحقيقة التي هي «المحافظة على التفوّق النوعي الإسرائيلي». اليوم نحن أمام مرحلة بالغة الحساسية في علاقات العرب والغرب محورها «مكافحة الإرهاب». أصلاً المعنى السياسي لكلمة «إرهاب» اعتمدته الدول الغربية الكبرى، وعلى رأسها، الولايات المتحدة، التي كانت أول من ميّز بين «الإرهاب»، أي العنف عندما يستخدمه خصومها ضدها.. و«النضال من أجل الحرية»، أي عندما تستخدم هي أو يستخدم حلفاؤها العنف ضد خصومها. ومن هذا المنطلق،…

نعم.. الشرق الأوسط أمام تحدٍّ وجودي

الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠١٤

تعبير «الربيع العربي»، الذي يمجّه كثيرون من الأصدقاء.. أطلقته وسائل الإعلام الغربية. وأقدَم «ربيع» أتذكّره جيدا كان «ربيع براغ» عام 1968 عندما أطلق الزعيم التشيكوسلوفاكي (آنذاك) آلكسندر دوبتشيك - وهو سلوفاكي - موجة إصلاحية تتحدى النهج الشيوعي التقليدي الذي سارت عليها تشيكوسلوفاكيا بعد الحرب العالمية الثانية، ولا سيما في عهد أنطونين نوفوتني بين 1953 و1968. وبعد تجربة إصلاحية قصيرة دخلت دبابات حلف وارسو براغ، بموجب «شرعة بريجنيف» فأسقطت دوبتشيك وسلّمت الحكم لغوستاف هوساك... وقُضي على براعم ذلك «الربيع». وتيمّنًا بالموجة الليبرالية التي عاشتها براغ، أطلق الإعلام الغربي أيضا تسمية «ربيع بكين» بين 1977 و1978 على النزعة الإصلاحية الليبرالية التي انتهجتها القيادة الشيوعية الصينية حينذاك. غير أن الزعيم المخضرم دينغ هسياو بينغ، الذي صدمته اعتصامات الجماعات المتعجلة تطبيق الديمقراطية في قلب العاصمة بكين، تحفّظ عن السير بسرعة في إجراءات التحرّر الاقتصادي والسياسي على وقع تصفيق الغرب، فأمر وحدات الجيش المرابطة في منشوريا بفض الاعتصامات بالقوة. ومجدّدا قضي على براعم التغيير الإصلاحي. القصد من هذه الرجعة التاريخية أن «الربيع العربي» كتسمية يعني محاولة تغيير فاشلة، أساسا، لأن الظروف الموضوعية للتغيير الضروري ما كانت مواتية. فالقيادة السوفياتية ما كانت مترهلة عام 1968، وأرياف الصين حيث يعيش السواد الأعظم من الصينيين ما كانت على تواصل مع نبض نخب المدن التوّاقة إلى الانفتاح على الغرب.…