سوسن الأبطح
سوسن الأبطح
كاتبة عربية

اغتيال متحف

الأحد ٠١ مارس ٢٠١٥

محزن أن يركل التاريخ بالأرجل، مخجل أن يجهز عليه بالمطارق والبلطات، أن يجز رأسه بالمناشير الكهربائية، أن ينهال مجموعة من الرجال الأشداء على متحف وكأنما هم في حالة ثأر وذعر من أمم اندثرت ومعتقدات بادت. الخوف حتى من الموتى وأشيائهم الصامتة الهامدة بات حالة مرضية، بعد أن أصبح كل حي في منطقتنا هدفا لعصابات متعددة الأسماء من مجرمين ومصاصي دماء. ليست الآثار أغلى من الأنفس البشرية، ولا متحف الموصل الذي تحولت محتوياته إلى غبار أهم من أهل المدينة المروعين والمنكل بهم، لكن «بروباغندا داعش»، التي استعرضت الذبح الجماعي بالسكاكين المسنونة وحرق البشر أحياء في أفلام التنظيم الهوليوودية، تبتكر لنا صدمة ترويجية جديدة، لتبقى أولى في نشرات الأخبار، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وتنجح لمرة جديدة. أخبار شبه مؤكدة، تقول إن غالبية القطع النفيسة في متحف الموصل سرق الأميركيون منها ما سرقوا مع دخولهم العراق عام 2003 ونقلوا باقيها إلى متحف بغداد حيث لا تزال هناك. تسع قطع ثمينة جدا أخرى، كانت قد بقيت في المتحف، معظمها لم يظهر في الشريط المصور، لا لأن «داعش» يحرص على الكنوز الأثرية، بل لأن الاتجار بها أجدى وبيعها يدر الملايين. وسواء كان ما شاهدناه تماثيل من الجص أو جداريات عمرها، فعلا، آلاف السنين، فإن رجال «داعش» الذين أوكلوا بمهمة التكسير، بلباس لا ينتمي للعراق، ولا…

الحلم «الداعشي»

الأحد ٢٢ فبراير ٢٠١٥

تقديرات مراكز الأبحاث الغربية متشائمة جدا حيال إمكانية وضع حد للتمدد السريع والمتواصل للتنظيمات المتشددة المتطرفة وقدرتها على انتزاع المزيد من الأراضي، وإعلانها ولايات جديدة، بانتظار تحقيق حلم قيام الدولة الإسلامية الكبرى. ليس فقط لأن عدد المتشددين المنخرطين في المعارك إلى تزايد، وأن الولايات المتحدة التي تقود تحالفا عريضا ضد «داعش» تفتقر إلى أي استراتيجية واضحة، أو صارمة، لكبح انتصارات التنظيم الذي يزداد تأقلما مع قصف الطائرات، بل ثمة اليوم من يتحدث عن تعاطف متصاعد بين الشباب الصغار في الغرب مع الظاهرة. وفي استفتاء للرأي أجراه «معهد الاستطلاع البريطاني» منذ أشهر، تبين، وهنا المفاجأة الكبرى، أن واحدا من بين كل أربعة مراهقين فرنسيين أبدى إعجابه بتنظيم داعش، وأن 27 في المائة من الفرنسيين عموما أظهروا رأيا إيجابيا أو حتى إيجابيا جدا، مقابل 6 في المائة من الإنجليز و4 في المائة من الألمان. والتمايز الفرنسي ليس عائدا لكثرة عدد المسلمين في فرنسا، فهؤلاء لا يتجاوزون 6 في المائة من عدد السكان، وإنما لأسباب أخرى يجهد المهتمون لفهمها. «السر في رأي الأنثروبولوجي سكوت اتران يكمن في قدرة هذه التنظيمات - ممثلة بشكل أساسي بـ«داعش» رغم كل ما يرتكبه من جرائم مروعة - على إثارة إحساس بـ«السمو» و«النبل» ولو كان وهميا وزائفا، في لحظة بنت فيها الآيديولوجيات من «رأسمالية» أو «شيوعية» مجدها على…

«شارلي إيبدو» والآتي أعظم

الأحد ١١ يناير ٢٠١٥

أن تتعرض فرنسا أو أي من الدول الأوروبية لهجمات إرهابية، أمر كانت ترصده الأجهزة الاستخباراتية الغربية وتتوقعه. المفاجأة جاءت من حجم العمليات في باريس وخارجها، وطول نفسها، وقدرة مرتكبيها على الحركة بسهولة، وعدد الضحايا الكبير الذي أوقعته. اعترف رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بأن «قتل 17 فرنسيا في 3 أيام، وبـ3 هجمات متوالية، هي صدمة لم نتلقها منذ عشرات السنين». تحولت باريس بذلك إلى عاصمة أوروبا لمحاربة الإرهاب. المسيرة الضخمة التي يشارك بها اليوم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إلى جانبه ديفيد كاميرون، وأنجيلا ميركل ومسؤولون أوروبيون بارزون، هي أهم وأكبر احتجاج شهده العالم ضد الإرهاب، لكنه لا يعني، في أي حال، براءة الغرب من تهمة التغاضي أو حتى تشجيع المتشددين، حين كان الأمر يخدم مصالحه، إنما قد ينذر بدخول العلاقة مع المسلمين، لا سيما الموجودين في الغرب، منعطفا جديدا. مساجد في فرنسا تعرضت بعد هجوم «شارلي إيبدو» الدموي إلى انتهاكات بوسائل مختلفة، نبرة الغضب ضد المسلمين وتجريمهم نتيجة ما حصل جاءت أعلى من أي وقت مضى، إدانة من يدافع عن التسامح وعدم المغالاة صارت أسهل ومغلفة بنبل وطني جارح. الأصوات تتعالى لاتخاذ إجراءات قانونية أوروبية مشابهة لتلك التي لجأت إليها أميركا بعد 11 سبتمبر. «شارلي إيبدو» منعطف، ليس لفتح الأعين على ما يمكن للإرهاب أن يحققه في واحدة من أكثر…

«اليوم العالمي للعربية» ليس للبكاء!

الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠١٤

لم يسبق للعرب أن ذرفوا دموعا فياضة في رثاء لغتهم، كما فعلوا بمناسبة يومها العالمي. بدا وكأنهم وجدوا في هذه المناسبة متنفسا لينفثوا خيباتهم، وحزنهم ويأسهم كله دفعة واحدة في «لغة الضاد». مقال عن «المصريين الذين دمروا العربية»، آخر عن اللغة التي أصبحت «كالأيتام على مائدة اللئام»، وغيرهما عن «الفصحى التي تتعرض لأزمة غير مسبوقة»، هذا غير الحديث عن «التراجع المفجع» و«التحديات الكبيرة» و«وسائل الإعلام التي تدق إسفينا في نعش العربية» وانعدام مبادرات تبسيط النحو و«الهجرة العربية إلى لغات بديلة»، حتى ظننا أن العربية دفنت وأهلها انقرضوا. شحيحة الكتابات التي رسمت بارقة أمل، أو أضاءت على مبادرات عملية تسعى لسد الأبواب التي تأتي منها الريح. كانت لافتة، في هذا الخضم السوداوي أرقام مفرحة نشرها برنامج «أيام الإنترنت العربي»، ومن هذه البوارق السعيدة يجب أن نبدأ. فرغم كل النكران الذي يلقاه الحرف العربي، وعشق الشباب للأحرف اللاتينية وإصرارهم على استبدال أبجدية أجدادهم، ولجوئهم للكتابة بمختلف اللغات التي تعلموها، ها هي العربية السابعة على الشبكة الإنترنتية من ضمن اللغات الـ10 الأكثر استخداما، وهناك توقعات بأن تصبح الرابعة، خلال عام 2015، بل إن استخدام العربية نما بنسبة 2500 في المائة خلال عامين فقط، مما يعني أن العربية هي من بين اللغات الأكثر نموا رقميا. ومع ذلك فضلت إحدى الصحف أن تعنون تعليقا على…

من هم الإرهابيون في «باب التبانة»؟

الأحد ٠٢ نوفمبر ٢٠١٤

الفقر وحده لا يصنع إرهابا، ولنا في الهنود - الذين لا تزال غالبيتهم الساحقة توسم بأنها من أفقر أهل الأرض – عبرة، لأنهم بقوا من أكثر الشعوب سلاما وسكينة. واحتمل الصينيون الصابرون مع الفقر المدقع الديكتاتورية، وقبضة الحكم الحديدية، ولم يتطرفوا ويتشددوا ويهددوا بتفجير البسيطة وتحويلها إلى خراب، بل جاهدوا وثابروا، كما النمل الجرار، وهم ماضون في حربهم السلمية، الصامتة لإخراج بلادهم من محنتها.ما تدفق على منطقة «باب التبانة» في طرابلس اللبنانية، وحدها، من مئات ملايين الدولارات في السنوات الست الأخيرة، وهي في مساحتها وعدد سكانها لا تعدو أن تكون زقاقا صغيرا في بكين أو دلهي، لا يحلم بفتاته فقراء تلك البلدان الآسيوية القابضة على جمر العوز. لكن أهل المعروف قدموا أموالهم في غالبيتها سلاحا مدمرا ورشاوى متفرقة لشراء الذمم وسواعد رجال المنطقة وفتيانها، بدل أن يجعلوها مدارس ووظائف وخلاصا للمعذبين. كان بمقدور سياسيي الخير، بربع المبالغ التي أهدروها ونذروها للموت والدمار، أن يبنوا مصنعين كبيرين، وعددا من المدارس، لتنشغل التبانة ومعها جبل محسن عن فتنتها وتنصرف عن غلها وبغضائها.تكمن أهمية «باب التبانة»، التي طبقت شهرتها الآفاق، بأنها نموذج، له ما يشبهه وقابل للتفجير، في مناطق لبنانية عدة. منطقة مهمشة، تراكمت عليها المظالم، وأنهكتها الحروب والضغائن، وأبقيت بعد انتهاء الحرب الأهلية جرحا مفتوحا، رغبة في استغلالها حين تحين الحاجة.منذ ثمانينات…

هل من سيرولنيك عربي؟

الأحد ١٩ أكتوبر ٢٠١٤

«يوم تخرجت، كنت ببغاء يحمل شهادة جامعية، لكنني بمرور الوقت تمكنت من تحرير نفسي بنفسي»، يقول بوريس سيرولنيك، الذي يعتبر اليوم واحداً من أشهر المحللين النفسيين، بعد أن طور نظريته حول «الولادة الإنسانية من رحم الألم». والرجل الذي صدر له منذ أيام الجزء الثاني من سيرته الذاتية، يستحق القراءة لفهم كم أن المعاناة الذاتية حين تتسلح بالمعرفة العميقة، كفيلان معاً بإنبات العشب في قاحل الصحراء. وسيرولنيك يقول بأنه شاهد بأم العين في ستينات القرن الماضي، كيف أن المريض النفسي كان يهمّش ويعامل بازدراء واحتقار في المستشفيات الفرنسية، ويستكثر عليه النوم في سرير، فيمدد على القش أرضاً. ومن أجل كسر حلقة عذابه الشخصي وتحرير الآخرين، بحث هذا الإثنولوجي المتخصص في الأعصاب، في كل علم لتحرير الإنسان، ولم يوفر الشعر ليستوحي من غموضه، ولا الرواية ليستكنه من شخصياتها ما لا يتاح له معرفته بعلاقته المباشرة مع مرضاه. هكذا تبدو المعرفة العلمية وهي تجسّر، مع الإنسانيات بفروعها وتشعباتها، هي السبيل لفتح آفاق جديدة للمعنى. سيرولنيك هو أحد النماذج العلمية الموسوعية التي باتت شائعة في العالم، ونفتقدها بيننا، وبالتالي نخسر بالتأكيد، قدرتنا على الخروج من دوامة الحلقة المفرغة التي ندور فيها. في كل مرة أقرأ فيها تحليلاً للمجازر القائمة في بلادنا يستند إلى العداوات التاريخية التي قسمت أهل المنطقة إلى سنة وشيعة وخوارج ومسيحيين…

العرب لا يستحقون «جائزة نوبل»

الأحد ١٢ أكتوبر ٢٠١٤

غضب بعض المثقفين العرب على لجنة جائزة نوبل للآداب، بعد اختيارها للروائي الفرنسي باتريك موديانو، يوحي وكأنما كل الظروف كانت مواتية للشاعر أدونيس كي ينالها، ومع ذلك حُرم منها وأُبعد. أحقا، في مثل هذه الظروف التي ينقسم فيها العرب على أنفسهم، ويتشظون دويلات، ويتناحرون قبائل وطوائف، يمكن أن يُكلل شاعر من قبل «نوبل»، هو نفسه موضع خلاف حاد بين أهل لغته، إن في إبداعه أو مواقفه السياسية أو آرائه الدينية؟ عتاب ولوم وهجوم بالجملة على جائزة غربية فضّلت، منذ ولادتها، أبناء جلدتها، وشملت بفضائلها، في أحيان قليلة، أبناء العوالم الأخرى، من باب الاستثناءات التي تثبت تلك القاعدة الذهبية التي تقول: «إن أهل الدار أولى بالتكريم من غيرهم». لم تُمنح نوبل للآداب خلال 103 سنوات من عمرها إلا لصينيين اثنين فقط، ومع ذلك فإن أمة المليار و300 ألف مواطن لا تسأل تكريما لأدبها، ولا تقذف حارميها بالتهم الشنعاء. العزة الصينية تأبى الذل على أعتاب أكاديمية سويدية، استجداء للاعتراف بأدبائها، فهذا مما لا يليق بالقامات الكبار، بل يدلل على دونية تزداد إيغالا في الروح، وتأكيدا على أن العرب لا يزالون يعتبرون أن قيمتهم تشرق من الغرب، لا من ذواتهم المعذبة. الغيرة على أدونيس والأدب العربي من ورائه، لا تبرر الهجوم على الفائز باتريك موديانو الذي استحقها بجدارة، وإن لم يكن الأفضل والأروع،…

أي سيناريو يحضّر للبنان؟

الأحد ٢١ سبتمبر ٢٠١٤

واحدة من عورات المعارضة السورية، أنها تمارس إسقاطاتها على الحالة اللبنانية، ظناً منها بأن لبنان محكوم بمنطق بعثي. فكلما اختطفت المعارضة مجموعة من المواطنين اللبنانيين، دخلت في مفاوضات تعجيزية، مفترضة سلفاً ان فئة لبنانية بمقدورها أن تكسر أخرى وتملي عليها ما تريد. هذا ما فعلته مع مختطفي «أعزاز»، وهو أيضاً ما مارسته طويلاً، قبل أن تطلق سراح راهبات «معلولا» بوساطة قطرية، متنازلة عن شروطها الأولى، مما ينمّ عن جهل فادح يدفع ثمنه مخطوفون أبرياء، أو نازحون سوريون، باتوا في الفترة الأخيرة، في وضع شديد الصعوبة، لاستغلال الإرهابيين لتجمعاتهم، والإيواء إليها، وتعريض لاجئين مستضعفين، لمداهمات واعتقالات وصل عددها، أحياناً، إلى المئات، حتى بات كل نازح موضع شبهة في لاوعي المواطن العادي. طلب خاطفون سوريون في الماضي من الشعب اللبناني أن يخرج في تظاهرات جامعة، لإجبار حزب الله على سحب عناصره من سوريا، مقابل إطلاق سراح المعتقلين، قياساً، طبعاً، على المظاهرات التي يدعو إليها النظام السوري فتأتيها الجحافل ملبية. وهم لا يعلمون أن الأحزاب اللبنانية تؤمّن الباصات، وتدفع بدل الأتعاب، وتقدم الوجبات كي يتحرك المحازبون بضع خطوات، حين يطلب إليهم ذلك. هذه المرة، خاطفو الجنود اللبنانيين في جرود عرسال من «داعش» و»جبهة النصرة»، يرفعون السقف، لتصبح الاستجابة لطلباتهم، مستحيلة. مبادلة الجنود بخمسين موقوفا إسلاميا في السجون اللبنانية، أو حتى فتح المعابر للمسلحين…

حرب العراق الثالثة بالـ«ريموت كنترول»؟

الأحد ١٤ سبتمبر ٢٠١٤

3 سنوات على الأقل، ستستغرق الحرب الأميركية على «داعش»، بحسب مستشارين للرئيس باراك أوباما. وكالة الاستخبارات الأميركية بدأت تتحدث عن 30 ألف مقاتل داعشي، بعد أن كانت التقديرات تحصرهم بـ10 آلاف، فيما المرصد السوري لحقوق الإنسان يتحدث عن 80 ألفًا موزعين بين العراق وسوريا. الحرب الأميركية التي دشنت بغارات محدودة بالطائرات على مواقع في العراق ستتوسع لتشمل سوريا، وربما مناطق أخرى تستدعيها الحاجة. «لا شيء يمنع توسيع البقعة الجغرافية»، يقول العارفون بخبايا ما تخطط له الإدارة الأميركية. النقاشات كثيرة وساخنة، حول مفاجآت عديدة ومؤلمة، قد تحملها هذه الحرب التي كشف جزءا من استراتيجيتها الرئيس الأميركي، بالتزامن مع ذكرى أحداث 11 سبتمبر (أيلول). مصادفة بالتوقيت، تذكّر بأن الحرب الأميركية على الإرهاب بدأت رسميًّا قبل 13 سنة، ولن تجد خواتيمها على المدى المنظور، فيما التطرف يتفاقم بجنونية مقززة، وبعد أن كان مقتصرًا على «القاعدة»، تشظى هذا التنظيم وتكاثر، وصارت له وجوه وأسماء وفروع تتقاتل وتتصالح، ودولة تكسر الحدود، وولايات، وطموحات، ومجندون من أكثر من 87 دولة. أوباما يصرّ على أنه ليس كسلفه جورج بوش في شيء، معتمدًا على أن أقدام جنوده لن تطأ أرض العراق وتتورط في لعبة الموت. بعض الخبراء العسكريين الأميركيين سيرسمون الخطط ويقودون المقاتلين المحليين من سوريين وعراقيين عن بعد، وسيتم التنسيق بين الضربات الجوية والهجومات الأرضية بالريموت كنترول.…

«داعش» يفلت من يد صانعيه

الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠١٤

بات بمقدور «داعش» أن يحتل مناطق شاسعة بمجرد إثارة إشاعة. هذه ليست مبالغة لفظية. الجرائم المروعة التي يرتكبها التنظيم معتمدا على الذبح، والصلب، والسبي، والتدمير الذي لا يستثني أضرحة أو بيوتا أو أماكن دينية، ويكاد لا يميز وهو يوزع جرائمه، بين طائفة وأخرى، يلقي الذعر في القلوب. أن يعرف أهالي أي منطقة بأن التنظيم آت وبأنه بمجرد فرض سيطرته، سيسد عليهم المنافذ ويمنعهم من الخروج، وينكل بهم، دون معرفتهم المسبقة بلائحة أعدائه المفترضين، يجعل الهرب المسبق وسيلتهم للخلاص من جحيم لم يعرفوا له من قبل اسما أو شكلا. لم يعد «داعش» بحاجة لقتال شرس، أو جحافل جرارة لينتصر، فهو يسجل فتوحاته، قبل أن يصل مقاتلوه، بأشرطة الفيديو التي تسبقه ويبثها «عمدا» متضمنة قطع رؤوس وحشيا بالسكاكين، وإعدامات جماعية للمئات دون أن يرف لمقاتليه جفن، هذا غير النساء المكبلات بسلاسل الذل مساقات إلى سوق النخاسة، وإعلان عن أسعار لجوار إيزيديات، وغيرهن مسيحيات. مشاهد صارت، من الصنف الكلاسيكي المتكرر حتى فقد المتفرج قدرته على تصديق أن ما يرى، يحدث على مبعدة كيلومترات منه. ثمة من لا يزال يتساءل إن كان في كل ما ينشر ويتداول مبالغة ما؟ وهناك أيضا من يستغرب أن يكون ما يراه حقيقة، يرتكبها بشر على مثاله؟ وغيرهم يتندر تهكما واستهزاء.بالأمس انتشر على صفحات الـ«فيسبوك» شريط لبناني لشبان وشابات…

السلاح أهم من الخبز

الأحد ١٧ أغسطس ٢٠١٤

أظهر تقرير لـ«معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام» نشر في باريس، أخيراً، أن بيع الأسلحة في العالم ارتفع، في السنوات الخمس الأخيرة، بما يقارب 14 في المائة، وأن غالبية هذه المنتجات القاتلة تذهب إلى أفريقيا وآسيا، في مقدمتها الدول العربية طبعاً وباكستان والهند وكوريا الجنوبية. وإذا علمنا أن غالبية مصانع الأسلحة في العالم، وأكثرها نشاطاً هي تلك الموجودة في أميركا، تليها روسيا، ربما نجد إجابات على بعض الأسئلة المحيرة، حول أنهار الدماء التي تتدفق في المنطقة العربية. فالكل يتسلح ويطلب المزيد: الجيوش النظامية، الميليشيات التخريبية، الأفراد المروعون في منازلهم. مشاهد الذبح والقتل بالسكاكين والسيوف والطعن بالخناجر (في المنطقة الأكثر تسليحاً في العالم) التي يصرّ على بثها «داعش»، لا بد رفعت، نسبة الراغبين في اقتناء الكلاشنيكوفات والبومب أكشن والقنابل. وبسبب جرائم «داعش» واكتساحاته المرعبة، وللرد عليها، سلمت أميركا الجيش العراقي، أخيراً، كدفعة أولى، 15 مليون قطعة ذخيرة. قوات البيشمركة ستحصل بدورها، وعلى وجه السرعة، على كميات كبيرة من الأسلحة من أميركا والاتحاد الأوروبي، بعد أن قتل «داعش» وشرد مئات آلاف الإيزيديين والمسيحيين وأصبح على مقربة 50 كيلومترا من أربيل. وبعد أن كان التركيز على تسليح الميليشيات، صار الاهتمام اليوم بالرد عليها بتسليح الجيوش. ليس مهماً عدد القتلى الذين يتساقطون، جراء لعبة تسويق الأسلحة وتوزيعها بالعدل والقسطاسً. ولإعطاء فكرة صغيرة عما تدره المعارك…

إسرائيل وهزيمة الـ«هاشتاغ»

الأحد ٠٣ أغسطس ٢٠١٤

منذ الانتفاضة الأولى عام 1987، لم تتلق إسرائيل ضربة إعلامية مفصلية وقاسمة، كالتي تنزل عليها اليوم، دون أن تتمكن من ردها. الجيش الإلكتروني، الذي رعته برموش العين، بهدف الترويج وبث المعلومات، وتفنيد آراء المنتقدين، كما فبركة الشائعات عبر الصور والأفلام، بقي عاجزا، أمام فداحة جريمة حي الشجاعية، ونحر الأطفال بالصواريخ وهم يلعبون على شاطئ البحر. تلك اللحظة التي ظهرت فيها جثث الصبية عارية، وممددة ووحيدة وهامدة، كانت حاسمة، برأي مراقبين، في كشف الجنون المتمادي لإسرائيل في استهداف المدنيين عمدا، ثم كرّت سبحة المشاهد المروّعة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ترهيب الصحافيين، تطويع الأقنية التلفزيونية، تحريك مراكز النفوذ في كل من أميركا وأوروبا، لم يكن فعالا ولا مجديا. المقال الذي نشره رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان جاء مدويا. لم يكن سهلا، قبل أيام فقط، أن يصرح الرجل علنا بأن «الجيش الإسرائيلي يمارس إرهابا منظما وممنهجا في فلسطين والضفة الغربية»، واصفا ما تشهده غزة بـ«المجازر»، مطالبا بلاده «المنحازة إلى القوة» بـ«صحوة ضمير» و«رفع الصوت» قائلا: «حان وقت كشف الادعاءات والأكاذيب ونشر الحقائق الكاملة لا أنصافها فقط». ولا يرى دوفيلبان حلا غير «وضع الأراضي المحتلة تحت الوصاية الدولية، وإرسال قوة سلام يمكنها حماية المدنيين». أسوأ من ذلك بالنسبة لإسرائيل أن يؤيد كلام دوفيلبان القاسي جدا، سرب من السياسيين اليساريين، معتبرين أن الرجل ينطق…