المتفوّقة «أميرة»… بتونس الفلسفة حيّة

الخميس ٢٥ يوليو ٢٠١٩

أثارت الطالبة أميرة النموشي الجدل في تونس، بعد أن حصدت معدل 20 من 20 في اختبار البكالوريا بمادة الفلسفة، الفتاة ابنة التسعة عشر ربيعاً اجتازت الامتحان بعد أن كتبت ست عشرة صفحة بظرف أربع ساعاتٍ، وقد شاهدتُ عدداً من اللقاءات التي أجريت معها ومع عائلتها، من الواضح أنها نشأت على المطالعة والسؤال، وقد اتضح ذلك من نصها الذي نشر في الصحف والمجلات، وأخذ أصداءه المستحقة نسبة إلى سنّ الطالبة، والظرف الذي هو امتحان تقليدي، والزمن المتاح للإجابة عن السؤال الفلسفي. معلوم سبق النظام التعليمي في تونس وتصدره القوائم على المستوى العربي، وبخاصة في التدريس الفلسفي في الثانويات والجامعات، وقد درج على أرض تونس الكثير من الفلاسفة الذين درّسوا فيها من بينهم ميشال فوكو؛ ولذلك فإن الحيوية الفلسفية في بلدٍ مشعّ كتونس إنما يعبر عن عدم الاستسلام للأزمات السياسية، ولا للاضطرابات المحيطة به من دولٍ منهارة، وكرة ثلج الانحطاط تكبر في محيطه وعلى مقربة منه. أجابت النموشي عن السؤال التالي: «قيل (بقدر ما يُنشئ الإنسان الرموز تتوسّع دائرة ما هو إنساني) - حلل هذا القول وناقشه مبرزاً منزلة الرمز في تحقق ما هو إنساني». ومن ضمن إجابتها الطويلة (الوزارة نشرت ورقة الطالبة كاملة) قالت: «الفلسفة التي نخوض بها بحثنا إنما هي فلسفة الوظائفيّة لا فلسفة الماهية وإنسان الجوهر بل الإنسان الذي…

الصحوة بالسعودية… وقائع مدوية

الجمعة ١٠ مايو ٢٠١٩

أثار الداعية السعودي عائض القرني الغبار في حوارٍ استثنائي يعتبر حدثاً في تاريخ الحركة الإسلامية بالسعودية، وأهميته تأتي من الموقع الذي تمركز فيه القرني منذ أوائل الثمانينات في أبها جنوب السعودية، أدى أدواراً مهمة في الحشد للصحوة الإسلامية، وأمسك بزمام قوة جماهيرية ضخمة، كان مع ثلّة من مجايليه يهرعون نحو التغيير في الداخل، وشكّلوا جبهة معارضة راديكالية بالتوقيع على مذكرة «النصحية»، ولهم صوت مجلجل ضد التحالف العسكري الذي شكلته السعودية عام 1990 أثناء حرب الخليج. استمر التصعيد السياسي للحركة الإسلامية الداخلية منذ حرب الخليج وحتى قامت الدولة بإجراءات قوية بعد العدوان الذي مارسه المتظاهرون في بريدة عام 1994 حين قام المئات بالمسيرة من حي النازية مروراً بشارع الشاحنات وإلى مبنى الإمارة القديم، وقد تهور المتطرفون حين قاموا بالاعتداء على باب الإمارة، حينها جاءت القوة الضاربة لوضع حد لهذا التمرد الطائش. وكانت تلك الضربة الأولى للتمرد المنفلت والذي كان لرموز الصحوة دورهم في الدعوة إليه وتنسيقه بهذا الشكل العنيف. أطلق سراح عدد من رموز الصحوة عام 1999 وتدريجياً بدأوا استئناف عملهم الدعوي الصرف، بدا وكأن السجن لخمس سنواتٍ كافٍ لرسم تحولاتٍ فكرية، أو تدشين مراجعاتٍ عميقة تؤثر على تيار الصحوة الذي تعرض لانكسار، وانحسر عن المجتمع لصالح تياراتٍ أخرى مثل «الجامية»، ولكن أحداث 11 سبتمبر (أيلول) أشعلت الفتيل ما بين مؤيدٍ…

عن أول المقاتلين ضد «الظاهرة الصوتية»

الخميس ٢٨ ديسمبر ٢٠١٧

يمكن للمتابع العربي أن يحصي بشكل دقيق الأسماء التي تتعامل بعقلانية وحذرٍ مع القضايا والتحولات السياسية، ذلك أن طوفان الحدث يجعل الغرائز أقوى من الحسابات المنطقية، ومن ذلك التعامل التاريخي مع القضية الفلسطينية، التي لم يتم فهمها بطريقة سياسية بقدر ما استخدمت لأغراض آيديولوجية، استخدمتها الناصرية وحزب البعث في العراق وسوريا، والميليشيات الإرهابية الشيعي منها والسني، كما نجحت تلك التيارات المتطرفة في جعل القضية معياراً أخلاقياً على مشروعية الثورة أو الانقلاب أو النظام، وهذا عزز من المزايدات السياسية، ورفع سقف الصراع على فلسطين باعتبارها الممحاة لأخطاء أي نظام سياسي مهما كانت مجازره وجرائمه وكوارثه.. لنقرأ تفاصيل استخدام صدام حسين للشعارات العربية من أجل تعزيز قوة نظامه في كتاب صدر مؤخراً بعنوان «استجواب الرئيس» من تأليف المحلل في الاستخبارات الأميركية جون نيكسون. أخذت قضية فلسطين منذ أواخر الأربعينات حضورها الطبيعي باعتبارها تشكل نقاشاً ضمن التاريخ والسياسة حول الحق والأرض، ولكن كان لعبد الناصر دوره الأساسي في جعل القضية معياراً أخلاقياً للمثقف بوصفه إما مع شعارات القضية أو هو من الخونة والعملاء الصهاينة، وضع فسطاطين للأنظمة والأفراد لأغراض آيديولوجية بحتة تفهم - فقط - بسياق صراعاته مع دول المنطقة، وقعت معظم الدول في الفخ، انتقلت القصة من الرأي السياسي إلى المعيار الأخلاقي. ثمة صوت كان منفرداً بغنائه، كان يعزف تقريباً لوحده، يعارض…

العتيبة والعلمنة والصخب الآيديولوجي

الخميس ٠٣ أغسطس ٢٠١٧

لطالما شكا الراحل محمد أركون من ضبابية مفهوم العلمانية بالترجمة إلى العربية، موضحاً أننا إذا قلنا laïcité بالفرنسية فإن المعنى للمفهوم أكثر إشعاعاً وسطوعاً ودلالةً من ترجمته إلى العربية بـ«العلمانية»، وآية ذلك أن المفهوم علاوةً على الضلال الآيديولوجي في تفسيره وحمولة الشحن بوجه العلمانية باعتبارها تسحق الدين وحضوره بالمجال العام، فإن مناحي أخرى من الدلالات لا تتضح كفايةً بالشرح العربي. فالمفهوم لا يضع الدين مقابل الدنيوة، بل وظيفة المفهوم متعددة، ومجالات فعله أكبر من تفاسير الفصل بين الدين والدنيا، بل يحمل فضاءً من الترتيب للمجال العام لتحريره من القيود التاريخية وجعل الحياة أكثر تشبّعاً بحضور الإنسان وازدهار واقعه، ليست وظيفة العلمانية أن تتدخل بأي تفسير ديني، ولا أن تصحح أي مفهوم عقائدي، بل يعمل على ترتيب واقعٍ أقل كارثيةً، بدليل أنه انبجس بعد عهودٍ من الحروب والنزاعات الأهلية وقصص الدماء. ضمن هذا المجال ثار الآيديولوجيون على تصريحات السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة والذي تحدث عن المفهوم ضمن إجابة عن المقاطعة مع قطر، معتبراً الدول التي تتجه نحو المستقبل ترنو إلى تعزيز العلمانية، بينما قطر تريد للعالم أن يبقى ضمن أغلال الماضي والإرهاب، وهو تصريح موفق وبالغ الدلالة، ذلك أن العلمانية صنو أي نموذج للتقدم، ويستحيل بناء دولة حديثة ضمن أسس تنموية، وصيغ حضارية، ومتانة اقتصادية من دون ترتيب الواقع…

دوران الأرض.. وحالات «الاغتباط بالجهل»!

الخميس ٢٦ فبراير ٢٠١٥

طوال تاريخ البشرية الحديث، أخذت كل حالة اكتشاف علمية، أو اختراق نظري لمسلمة قديمة صيغة الانشقاق عن القناعات المثبتة، والتي أريد لها أن تكون أبدية الصواب. قناعات تم توارثها حيال الكون والطبيعة، المناخ وأصل الحياة، تكوين الأرض التي نعيش عليها وشكلها، ومستقر هذا الفضاء وغموضه وألغازه. استجابت الفلسفات اليونانية لطبيعة هذا المجال، تحدث طاليس عن أصل الماء في التكوين، وطرح المذهب الذري في التفسير لدى ديموقريطس، وأخذ هيراقليطس من النار والصيرورة أرضا بنى عليها تصوراته لوجود الكون، وسواها من الإحالات والمقاربات. بالطبع هذه طروحات قديمة وتأملية بدأت منذ المائة الخامسة قبل الميلاد، بيد أنها كانت شاحذة للأذهان التي تلتها، وامتد التأثير مع تغيرات الحالة البشرية بعد حالات التمرد مرت محاولات حثيثة تمركزت في أوروبا طوال القرون من الخامس عشر وإلى يومنا هذا، هناك ضربات تلقتها القناعات التقليدية على يد غاليليو وكوبرنيكس وديدرو وهولباخ وصولا إلى أسبينوزا وكانط ومن تلاهم على ما هو مطروح في الكتب الكلاسيكية حول تاريخ الحضارة الغربية وقصص الخروج نحو الأنوار سواء لدى ول ديورانت أو هولغين أو ماريو انفليزي، أو سواها من الأسفار. كانت الإشكالية الكبرى التي تخلصت منها أوروبا تدريجيا حال العلاقة بين «العلم» وبين «الدين»؛ فالأول متحول أما الدين فثابت. العلوم الطبيعية تتحول باستمرار، بل كل تاريخ العلم - كما يعبر الفيلسوف غستون باشلار…

أي ديمقراطية تبنى على الجماجم؟!

الخميس ١١ سبتمبر ٢٠١٤

شكّلت الاضطرابات التي وقعت في المنطقة بآثارها المدمرة والدماء النازفة ميدانا للنقاش الأخلاقي والسياسي والاجتماعي، وهي نقاشات صارخة في تعدد معانيها وتنوع مشاربها وتشعّب مقاصدها، بيد أن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه رموز ذلك التغيير، أو ما يسمونه السعي نحو الحرية والعدالة والمساواة وغيرها من الشعارات، تمثّل في استبعاد السؤال الديني بل ومجاملة التطرف الديني، الأمر الذي ارتدّ على المناخ العربي كله. وقد كتبتُ في مايو (أيار) 2012 أن الربيع العربي هو «ربيع تنظيم القاعدة»، وآية ذلك أن مناخات التغيير هيمنت عليها رموز الأصولية وامتُطيت من التيارات المتطرفة الاستئصالية، وحتى الذين لديهم انتماءات ليبرالية وعلمانية باتوا يجاملون هذا الخط الديني ويتحالفون معه بغية إزاحة وهمٍ يسمونه الاستبداد واستبدال استبداد أشد وطأة وأكثر تنكيلا به. حين انتصر صوت الناشط على تأمل الكاتب، وزعيق الخطيب على تحليل الخبير، وشعارات الشوارع على إمكانيات الواقع، فجّرت الأحداث مكنوناتها، إذ سرعان ما ظهر المضمر والمطمور في تلك المجتمعات. فتحت المظاهرات كوّة واسعة على أنفاقٍ كبيرة مليئة بكل جروح الطائفية والتلذذ بالدماء، والسعي نحو الحرب، وقتل الآخرين، واستيقاظ الأحاسيس القبلية واستذكار النزعات التاريخية.. كل تلك الأمراض لم يكن أي متحمس يظن أنها ستنبعث. وأخطر ما أنتجته هذه الاضطرابات الاستجواب الشخصي لكل إنسان، فإن لم يكن مع الثورة فهو غير إنساني! بينما الأصوب أن الامتناع عن تأييد…

خطابات مجرمة.. ولا معتدلون لها!

الخميس ٢١ أغسطس ٢٠١٤

لو أنّ أحدا في التسعينات الميلادية تطرّق إلى الخطاب الديني نقدا أو تصويبا أو تخطئة لأجلبت عليه الخطب والفتاوى التكفيرية بخيْلها ورجلها، ولأصيب الناطق بمقتل. كان الرموز للتيار الديني يتحصّنون بالمدينونية الأخروية التي يروّجونها ويدبّجونها بمحاضراتهم وندواتهم، وفي زعيق خطبهم، وحين أراد مجموعة من العلماء والمفكرين تناول هذه الأرضية التي تنطلق منها تلك الخطابات تم تكفيرهم ونفيهم، وآية ذلك أن المؤلف الفذّ الراحل نصر حامد أبو زيد حين طرح كتابه «نقد الخطاب الديني» عام 1995 على أثره شكّلت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة يتزعّمهم عبد الصبور شاهين الذي اتهم في تقريره أبو زيد بالكفر، ومن ثمّ ذهب إلى منفاه في هولندا التي درّس فيها وأقام واستمر في مؤلفاته وضرباته الموجعة والمدوّية. شكّل الخطاب الديني ودوره وتقصيره ومسؤولياته حديث السعودية تحديدا والمنطقة عموما، خلال الأسبوعين الماضيين، الورطات التي وقع في فخاخها الخطاب الديني ليست قليلة؛ على إحدى الكراسي الموجودة بالحرم المكي والمخصصة بالوعظ والإرشاد وحلّ مسائل المعتمرين والزائرين، والسعاة والطائفين، تمكّن أحد الدعاة من إلقاء خطبة سياسية تتناول تخطئة من أيد النظام الجديد بمصر، ومن دعمه، مؤيّدا نظام التطرف والاستئصال ممثلا بأنموذج محمد مرسي الرئيس المعزول، وحين حُمّل هذا الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تم تدويره وطرح التساؤل حول الرقابة على مثل هذه الكلمات المسيّسة التي تتدخل بما ليس من اختصاصها…

من قصورهم… يدعون إلى الموت

الأحد ٠٩ فبراير ٢٠١٤

على وقع صوت أم فجعت بابنها الذي يمم وجهه شطر سوريا، هبت موجة من السجال في المجتمع السعودي. دقيقة ونصف الدقيقة من مذيع سعودي حولت بياض الصفحات إلى سواد، ولولا أن ما قاله في تلك اللحظات اليسيرة صادم ومهم وقاس على البعض لما كان للحدث السوري وانعكاسه على الخليج أن يكونا موضع نقاش. تورط أولئك الدعاة في التهييج والتحريض ليس خافيا على كل من استمع إليهم، والمقاطع التي عرضتْها لهم قناة «MBC» واضحة وبالغة الدلالة، غير أنها ليست الإدانات الأخيرة، ثمة عبارات مدفونة في كتيباتهم ومطوياتهم، ولو أن مجموعة من المتخصصين أفرغوا وقتهم لنبشها ورصدها لكانت أدلة دامغة. يكفي أن أحدهم، وفي كتاب له طبعه بعد «الربيع العربي»، قال إن الاستعانة بالقوات الأجنبية مستساغ في حال ثورة الشعوب ضد الحكام حين تكون القضية عادلة. وهو نفسه الذي وقف ضد رأي هيئة كبار العلماء حول الاستعانة بالقوات الأميركية إبان حرب الخليج عام 1991. لكن، بعبارته الأخيرة يقصد استعانة الشعوب لإسقاط الحكام الذين كرر في الكتاب نفسه أنهم مخلوعون، وأنهم يفتقرون إلى المشروعية. حين ينفي داعية محرض من دعاة الموت أي تورط له في الدعوة إلى الجهاد مباشرة، فإنه وعلى فرض صحة هذا القول إلا أن التحريض ليس شرطا أن يكون ضمن مخطط عسكري أو ضمن شرح لصنع سلاح، ولو قرأنا إرث…

الحدث المفاجئ.. أزمة الرؤية أم أزمة المنهج؟!

الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠١٣

لكل حدث مخاتلته وغموضه، وإذا أخذنا أنموذج الهياج العربي الأخير ضمن الفرح والاغتباط بالمفاهيم التي تحولت إلى شعارات مثل الحرية والديمقراطية، فسنعثر على تهشم في أدوات القراءة التي يمارسونها باتجاه الحدث؛ إذ سرعان ما انضوت أسماء علمانية وليبرالية لتأييد الحدث المفاجئ والغامض والمباغت بذريعة التجرد والانتباه إلى أن الحرية ملك الجميع. لم يكن هذا التأييد بدعة عربية؛ بل تقع أحيانا لدى أسماء لها قيمتها كما حدث مع الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو الذي أيد الثورة الإيرانية، وحين تجلى له الوضع اعتزل الناس في شقته لفترة خجلا من الشامتين بموقفه؛ إذ كيف يؤيد حدثا أصوليا؟! كذلك الحال في المنطقة العربية؛ إذ كتب بعض المفكرين بعد الحدث مباشرة لتشخيص الحالة وتشجيعها، ومن هؤلاء المفكر اللبناني علي حرب في كتابه «ثورات القوة الناعمة في العالم العربي.. نحو تفكيك الديكتاتوريات والأصوليات» وذلك في عام 2011، وغاب عن ذهن حرب أن الأصوليات في زمن التركيب بتلك الفترة، لا في زمن التفكيك. تصح هذه المواقف المباغتة على أدونيس وموقفه من الحدث العربي؛ إذ كان مشجعا له في تونس، ومعارضا له بعد في القاهرة، ومن هنا كان انتباهه الأولي؛ إذ تحدث إلى قناة «العربية» رافضا تشجيع أي ثورة تلبس لبوس الدين وأنه سيقف ضد أي ثورة تخرج من الجامع، متسائلا عن رموز الثورات من العلمانيين؛ لماذا لا يفتتحون…