د. عبدالواحد الحميد
د. عبدالواحد الحميد
كاتب ومفكر سعودي

الحج وصخب السياسة

الثلاثاء ١٣ سبتمبر ٢٠١٦

فرض الله الحج إلى بيته على كل مسلم ومسلمة مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلا. وقد يمر العمر دون أن يستطيع ملايين المسلمين أداء هذه الفريضة بسبب ضيق ذات اليد أو المرض أو مشاغل الحياة، أما من يوفقه الله لأدائها فإنَّ غاية ما يتمناه ويتطلع إليه هو ألاَّ يحدث ما يعكر صفاء وجمال رحلة العمر، وأن تتهيأ له الأجواء الروحانية التي يتسامى فيها بمشاعره إلى أقصى درجات الخشوع، ثم يعود إلى بلاده سالماً غانماً وسعيداً ومتفائلاً بأن المولى قد تقبل برحمته صالح عمله. فالحاج الذي يأتي إلى الديار المقدسة ويتكبد المشاق وقد يستدين لكي يجمع تكاليف الرحلة أو ينفق كل ما ادخره على مدى سنوات طويلة لا تهمه المماحكات والألاعيب السياسية والتوظيف غير الديني للحج على النحو الذي تقوم به الحكومة الإيرانية، فهو أتى إلى الحج لغرض واحد لا غير وهو أداء فريضة دينية محددة ثم العودة من حيث أتى. أما حكومة إيران فهي تريد تحويل الحج إلى مظاهرة سياسية صاخبة تُرفع فيها صور فلان وعلان من رموز الدولة الإيرانية، وإذا ما أدَّى ذلك إلى حوادث مميتة وتدافع وجرحى وفوضى عارمة فذلك غير مهم، بل ربما هو مرغوب به في حسابات الحكومة الإيرانية لأنّها حينها سوف تتهم السلطات السعودية بالتقصير في حماية أرواح الحجيج وتجيِّش إعلامها وأبواقها لمهاجمة…

من يحمي حقوق المؤلف؟

السبت ٠٣ سبتمبر ٢٠١٦

صار بوسع محبي قراءة الكتب في العالم العربي الحصول على بعض أحدث الكتب بالمجان بعد أن وجدت هذه الكتب طريقها إلى المواقع والمكتبات الإلكترونية التي تتيح تنزيلها دون مقابل. وهذا من وجهة نظر القارئ أمرٌ جيد لأنه يتيح له العثور على ضالته من الكتب دون أن يدفع قرشاً واحداً، والأهم من ذلك دون أن يعبأ برأي الرقيب الرسمي الذي يحدد المسموح به والممنوع من الكتب! لكن الضحية هو المؤلف الذي تضيع حقوقه، فكتبه توزع وتُتَداول دون علمه ولا يتقاضى ما يعوضه على الأقل عن أتعابه المادية فضلاً عن حقوقه الفكرية والمعنوية، كما أن الناشر يخسر أيضاً لأنه لا يحصل على المردود المادي الذي يحقق له تغطية تكاليفه وقد يدفعه ذلك إلى الخروج من صناعة النشر. في معرض الرياض الدولي للكتاب سألت البائع في دار الآداب عن كتاب للراحل سهيل إدريس صاحب الدار المشهورة، فأخبرني أن الدار تعاني من سرقة حقوقها من بعض المواقع الإلكترونية التي تتيح تنزيل الكتب دون أن تدفع للناشر مقابل استخدام الحقوق، وبسبب ذلك فقدت الدار الحافز في بعض الأحيان لنشر بعض الكتب، بما في ذلك كتاب سهيل إدريس نفسه. وفي القاهرة هناك حديث بأن «هيئة الكتاب» الرسمية أصدرت مجموعة قصصية جديدةً لنجيب محفوظ لم يسبق أن أصدرها الأديب الراحل في كتاب، وهي تمثل بداياته حينما كان…

نهايات محزنة

السبت ٢٦ مارس ٢٠١٦

محزن أن تجد مواهب وطاقات بشرية مهدرة لا يستفاد منها في فعل إيجابي، بل العكس: يكرسها أصحابها في أعمال سلبية هدامة! يحدث أن يكون بعض اللصوص ومرتكبي الأعمال الإجرامية المتنوعة من أذكى البشر، ولو أنهم استخدموا ذكاءهم ومواهبهم بشكل إيجابي لخدمة أنفسهم ومجتمعهم لأضافوا الكثير من الخير والجمال إلى محيطهم وحجبوا الشر والقبح عن أنفسهم وعن غيرهم. إن من يستطيع أن يسرق بنكاً أو متجراً أو يقتحم الحسابات المصرفية للآخرين بعبور «النت» لمواقع محمية جداً من المؤسسات المصرفية أو من يخترق مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع لشركات كبرى ووزارات دفاع وأشخاص مشاهير، كل هؤلاء هم أناس شديدو الذكاء لكنهم يسيرون في الاتجاه الخاطئ لأسباب نفسية واجتماعية تتعلق بالتاريخ الشخصي لكل واحد منهم وظرف تنشئته ومحيطه الاجتماعي. ولو أن هؤلاء الخاطئين الذي يسخرون مواهبهم وذكاءهم في مجال الجريمة قد نشأوا في بيئة وظروف أفضل من تلك التي عبروها خلال السنوات الأولى من رحلة الحياة لربما تغيرت مصائرهم وربما لأصبحوا من الأشخاص البارزين النافعين لأنفسهم ومجتمعاتهم وللإنسانية! وقد ألقت الأجهزة الأمنية في المدينة المنورة قبل أيام القبض على شاب ثلاثيني قام بسرقة أربعين صرافاً في عدة مدن سعودية باستخدام أساليب تتطلب قدراً كبيراً من المهارة والاحترافية بدليل ما تم العثور عليه في سيارة الشاب من أجهزة وأدوات كان يستخدمها لتنفيذ جرائمه. وقد ظل…

طلبتنا المبتعثون والعودة للوطن

الإثنين ٠٦ يوليو ٢٠١٥

يقول الملحق الثقافي السعودي في أمريكا الدكتور محمد العيسى إن الطلبة السعوديين يتلقون عروضاً للعمل من جهات توظيفية أمريكية، وبخاصة طلبة الطب. الواقع ان الكثير جداً من الطلبة الأجانب الذين يدرسون في الجامعات الأمريكية، من مختلف الدول ومختلف التخصصات، يتلقون عروضاً للعمل في أمريكا إذا كانوا متفوقين أو من أصحاب التخصصات النادرة. وفي السنوات الأخيرة، هناك تركيز على تخصصات معينة مثل الطب والهندسة والحاسب الآلي. وغالباً ما تنتهي عملية استقطاب الطلاب للعمل بمنحهم الجنسية الأمريكية حيث يصبحون مواطنين أمريكيين لهم جميع الحقوق وعليهم جميع الواجبات مثل أي مواطن أمريكي آخر. وهذه العملية هي ما يُعرف بـ»نزيف العقول» حيث تخسر الدول النامية كل عام آلاف الكفاءات من طلبتها الذين يدرسون في الخارج ويستقرون هناك بسبب الإغراءات المالية والعلمية والبحثية ومناخات الحرية الشخصية والسياسية. فهذه الدول النامية تخسر مليارات الدولارات على تعليم أبنائها في مختلف المراحل التعليمية ثم يسافرون إلى الغرب لإكمال دراساتهم العليا ويستقر بهم المقام هناك، فيستفيد الغرب من كفاءاتهم وتفوقهم دون أن يتكبد تكاليف الإنفاق عليهم في مراحلهم التعليمية السابقة. وقد كان الطلاب السعوديون المتفوقون المبتعثون إلى الولايات المتحدة يتلقون على مدى العقود الماضية عروضاً للعمل في امريكا بعد التخرج منذ أن كان الابتعاث بأعداد محدودة. لكن القدرة الاستيعابية لسوق العمل السعودي، سواء الحكومي أو الخاص، كانت تحول دون…

هل الكِتاب عندنا تعايش!؟

الأربعاء ٠٤ مارس ٢٠١٥

تشهد مدينة الرياض هذا اليوم، الأربعاء، انطلاق فعاليات معرض الرياض الدولي الخامس للكتاب تحت عنوان «الكتاب تعايش»، وهو عنوان موفق يتماهى مع ضرورات الزمن الحالي الذي انفتحت فيه جميع المجتمعات والثقافات والحضارات في العالم على بعضها بعضاً، وصار من المهم أن يتعايش الجميع تحت قيم التسامح والاحترام المتبادل. وقد نجح معرض الرياض للكتاب في دوراته السابقة في إتاحة الفرصة لمحبي القراءة واقتناء الكتب للاطلاع على ما تقدمه دور النشر المحلية والعربية والعالمية من الكتب الرائعة التي لا تتوفر في أوقات أخرى في مكان واحد وزمن واحد، كما أتاح المعرض في دوراته السابقة للمثقفين والمهتمين فرصة حضور ندوات ثقافية متنوعة والتعرف على المفكرين والكُتَّاب والأدباء والعلماء من مختلف التخصصات والمشارب في لقاءات شخصية على هامش فعاليات المعرض. لا يمكن أن نصف أي عمل بأنه كامل ومثالي، فمهما اجتهد البشر وحاولوا الإبداع يظل العمل جُهداً بشرياً قابلاً للنقد. ومثل مئات الألوف من الناس، سعدت بحضور الدورات السابقة لمعرض الكتاب وشراء مئات الكتب التي طالما تمنيت اقتناءها، لكنني أستطيع أيضاً أن أتحدث عن العديد من الجوانب التي أرى - من وجهة نظري - أنها تمثل وجوه قصور واكبت فعاليات المعرض في دوراته السابقة دون أن يقلل ذلك من أهمية ونجاح المعرض الذي أصبح مناسبة ثقافية كبرى ليس على مستوى مدينة الرياض أو المملكة…

عرض المخدرات يخلق الطلب عليها

الأربعاء ١٧ ديسمبر ٢٠١٤

هناك قانون في علم الاقتصاد يسمى «قانون ساي» وهو منسوب إلى الاقتصادي الكلاسيكي الفرنسي جان بابتيست ساي الذي كان يقول إن «العرض يخلق الطلب». وعلى الرغم من الجدل حول دقة هذا القانون فإنني كلما قرأت عن حوادث القبض على مهربي ومروجي المخدرات في المملكة أتذكر ذلك القانون! في هذا اليوم الذي اكتب فيه هذا المقال قرأت خبرين في صحيفة المناطق الإلكترونية: * الخبر الأول هو أن دوريات أمن طرق الخماسين بوادي الدواسر ضبطت شخصين بحوزتهم كمية كبيرة من الحشيش المخدر كانت مخبأة في سيارتهما. * الخبر الثاني أن مركز أمن المثلث قد أحبط محاولة امرأة وافدة من الجنسية الإثيوبية كانت تستقل حافلة تابعة للنقل الجماعي حاولت تهريب كمية من الحشيش المخدر. وكل يوم، تقريباً، نقرأ أخباراً عن تهريب مخدرات إلى المملكة. بالتأكيد هناك طلب على المخدرات، ولكن من المؤكد أيضاً أن العرض يسهم في خلق الطلب. والعرض الذي نتحدث عنه يتم بطرق شيطانية! فالمروجون والمتاجرون بالمخدرات يتغلغلون في أوساط المراهقين والشباب ويغرونهم بتعاطي المخدرات بالمجان حتى يصلوا معهم إلى حالة الإدمان الكامل، ثم تبدأ بعد ذلك عملية الاستغلال البشع اللا إِنساني لهؤلاء المدمنين الذين يبدأون في البحث عن المخدرات بأي ثمن بما في ذلك كرامتهم وشرفهم أحياناً! ومن أساليب المروجين للمخدرات وضع الحبوب المخدرة في مشروبات يتناولها المراهقون والشباب في…

إلى متى العبث بأرواح المعلمات..!؟

السبت ٠٦ ديسمبر ٢٠١٤

في لقطة فيديو مؤثرة وثَّقها مواطن ونشرتها صحيفة عاجل الإليكترونية، شاهدنا حافلة لنقل معلمات تنطلق بجنون بين مدينة سكاكا ومركز عذفاء بسرعة لا تقل عن 200 كيلو متر في الساعة.. ومن أجل دقة التوثيق قام المواطن بتصوير عدَّاد سرعة سيارته التي تَتَتَّبع الحافلة وثبَّته على 180 كيلو متراً وحاول اللحاق بالحافلة دون جدوى!! لا نستغرب، بعد ذلك، أن نقرأ كل يوم في الصحف عن حوادث مأساوية على الطرق تتسبب في وفاة الكثير من المعلمات طالما أن مثل هذا السائق الأرعن لا يرى بأساً في قيادة حافلة مكتظة بالمعلمات بهذه السرعة الجنونية عبر طرق لا تتوفر فيها أحياناً إرشادات السلامة ولا الصيانة الضرورية لأنها طرق تخترق صحاري رملية وتكون أحياناً مزدحمة بسيارات النقل القادمة والمغادرة! وفيَّات المعلمات، للأسف، لم تحرّك ساكناً لدى الجهات المسؤولة التي تملك الحل للتصدي لهذه المآسي الإنسانية المروعة.. فالنقل المدرسي، سواء نقل الطلاب والطالبات أو نقل المعلمات، هو في أسوأ حال!.. فالحد الأدنى هو أن يكون السائقون على درجة من النضج والوعي والمعرفة بأصول قيادة الحافلات العامة.. فمن المعروف أن هناك شروطاً لا بد أن تتوفر في كل شخص تُناط به مهمة قيادة حافلات النقل العام.. أما عندنا فيمكن لأي عامل وافد لم يسبق له قيادة حافلة في بلاده أو حتى «هاي لوكس» صغيرة أن يمارس وظيفة…

أمراض الرفاهية التي تفتك بنا

السبت ١٣ سبتمبر ٢٠١٤

يبدو أننا ندفع ثمناً فادحاً للرفاهية التي نتمتع بها (أو نعاني منها) في هذا المجتمع، ويتجلى ذلك في الأمراض الفتاكة التي تنخر في أجسادنا الكسولة المترفة! لا فرق في ذلك بين النساء والرجال أو الأطفال والمسنين. الكل يشكو من الأمراض، ومعظم الأمراض هي أمراض المجتمعات المُرَفَّهة التي لا تُعاني منها معظم المجتمعات في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من البقع التي تُناضل لنيْل الحد الأدنى جداً من المعيشة. يقول الدكتور سامي محمد بادواد مدير عام الشؤون الصحية بمحافظة جدة إن إحصائيات منظمة الصحة العالمية تُؤكد أن المملكة تحتل المركز الثالث بين دول العالم في معدل الإصابة بمرض السكري.. ويقول الدكتور ناصر الجهني رئيس اللجنة التنفيذية للجمعية السعودية للغدد الصماء إن عدد المصابين بمرض السكري بالمملكة تجاوز خمسة ملايين مصاب! معروف أن مرض السكري هو من الأمراض التي تنتشر بشكل رئيس في المجتمعات التي يعاني أفرادها من السمنة وقلة الحركة واستهلاك الأطعمة المشبعة بالزيوت والدهون والسكريات والمقادير الكبيرة من النشويات واللحوم؛ وهذا هو الحاصل في مجتمعنا المُرَفَّهْ. هناك أمراض مزمنة أخرى تفتك بمجتمعنا مثل أمراض القلب والأورام والضغط، وهي كلها أمراض تنتشر في المجتمعات المُرَفَّهة لكنها تكثر في الشريحة المسنّة في تلك المجتمعات، بينما هي منتشرة لدينا في جميع الشرائح العمرية. ويمكن لنا أن نتخيل النتائج الفادحة المترتبة على انتشار هذه…

أيها السعوديون.. لوموا أنفسكم ولا تلوموا التشيك!!

الأربعاء ١٣ أغسطس ٢٠١٤

يعرف السعوديون والخليجيون الذين يقصدون جمهورية التشيك من أجل السياحة العلاجية مدينة تسمى تبليتسه، ففيها تلتقي أعدادٌ كبيرة منهم، إضافة إلى عرب آخرين من مختلف الجنسيات. ولأن السياحة العلاجية تدر عائدات مالية ضخمة تدعم اقتصاد المدينة وبقية المناطق التي تتوافر فيها مراكز العلاج الطبيعي، فإن هذه السياحة تعتبر من الأنشطة التي تحظى بالأهمية هناك، خاصة أن المشكلات والأزمات الاقتصادية في جمهورية التشيك وبلدان المنطقة جعلت البحث عن عوائد مالية إضافية لرفد الاقتصاد وتنشيطه أمراً مهماً. لكن على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من أن السياح العرب يملكون قدرة مالية عالية وينفقون بلا حساب فقد بدأ الامتعاض من هؤلاء العرب يرتفع ويتزايد لدرجة أن بعض مقاهي مدينة تبليتسه صارت تمنع دخولهم إليها، وقد نشرت صحيفة ضوء الإلكترونية نقلاً عن صحيفة القبس الكويتية خبراً عن امتناع بعض المقاهي عن استضافة السعوديين والكويتيين والليبيين والقطريين وبعض الجنسيات الأخرى!! نحن نتحدث عن أماكن ومناطق ليست حديثة عهد بالسياحة وعن ثقافة اجتماعية ترحب بالسائح وتنظر إليه على أنه مكسب اقتصادي وثقافي؛ ومع ذلك أصبحت لا ترغب في السائح الخليجي والعربي وتضحي بالعائد المالي الكبير الذي يأتي من هذا السائح العربي!! قد يأتي من يقول إن هؤلاء القوم يكرهون العرب بدوافع دينية أو عنصرية أو سياسية. وهذا المنطق الذي يعتمد على نظرية المؤامرة نسرف كثيراً في…

وداعاً.. عبد العزيز الخويطر

السبت ٣١ مايو ٢٠١٤

سمعت الكثير عن الدكتور عبد العزيز الخويطر قبل أن أتعامل معه، ثم عندما استلم زمام الأمور ـ بالإنابة ـ في الوزارة التي كنت أعمل فيها، عرفته من خلال التعامل الشخصي شبه اليومي. لقد كان، رحمه الله، راقياً في تعامله وفي أخلاقه. من الصور القريبة التي ترد إلى الذهن عن الدكتور عبد العزيز الخويطر، ما سجّله صديقه الدكتور غازي القصيبي في كتابه «حياة في الإدارة»، وهي صورة الإداري المحافظ الذي لا تمنعه محافظته من الموافقة أحياناً على أكثر الاقتراحات جرأة عندما يقتنع بصوابية تلك الاقتراحات، وهذا ما حدث مع القصيبي حينما كان عميداً لكلية التجارة في جامعة الملك سعود، وكان الخويطر هو الرجل الأول في الجامعة. عندما سافر الدكتور غازي القصيبي إلى الولايات المتحدة في رحلته المرضية الأخيرة التي طالت شهوراً، لم يَعُد بعدها للوزارة حيث توفّاه الله متأثراً بمرضه، رشّح الدكتور الخويطر كي ينوب عنه في تسيير أمور الوزارة أثناء غيابه الطويل. وقد كان طيلة تسلُّمه لمهام الوزارة أميناً على ما أراده الدكتور القصيبي، فلم يتدخل ولم تخذ قراراً لصالح أشخاص أو جهات، رغم الضغوط الشديدة التي كانت الوزارة تتعرض لها بشكل يومي. لقد كان طيلة إدارته للوزارة قمة في النزاهة والأمانة والوفاء لوطنه ولصديقه غازي القصيبي رحمهما الله. وقد يرى البعض أنّ النزاهة هي تحصيل حاصل، وأنَّ مَنْ هو…

جريمة الفقر..!!

السبت ٢٤ مايو ٢٠١٤

كل إنسان حرٌ في إنفاق ماله بالطريقة التي يراها مناسبة طالما أنه لا يخرق قانوناً. ويبقى بعد ذلك الوازع الديني والأخلاقي، لأن القوانين قد لا تُجرِّم بعض وجوه الإنفاق التي لا يقرها الدين ولا ترضاها الأخلاق. أحياناً قد يختار أحد الناس، مِمَّن لا يفرقون بين الريال الواحد والمليون ريال، أن ينفق مالَهُ بطريقة تحقق له إشباعاً نفسياً حتى لو اعتقد الآخرون أنها جنونية وبعيدة عن الرشد!! وقد ينفق أحدهم عشرات وحتى مئات الملايين في حفلات ومظاهر باذخة في بيئة اجتماعية تغرق في البؤس والحرمان، مثلما يحدث في الهند التي ينفق بعض أغنيائها ملايين الدولارات في حفلات الأعراس، بينما يموت الفقراء المشرّدون في الشوارع من الجوع والمرض! وقد قام أحد الأشخاص في الأردن مؤخراً بأخذ قطته البالغة تسعة أشهر، والتي كانت تعاني من عسر في الولادة نتيجة الحمل المبكر إلى المستشفى، حيث أجريت لها عملية قيصرية تحت التخدير الكامل لمدة ساعة ونصف بإشراف فريق طبي. وهذه الواقعة ليست مشهداً من فيلم، وإنما هي واقعة حقيقية نشرت تفاصيلها جريدة الدستور الأردنية. يتصادف نشر هذا الخبر مع وجود آلاف النساء الحُبْلَيات المريضات في المخيمات التي تأوي النازحين من سوريا، والفلسطينيين الذين شرّدهم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ عام 1948. لكن مالك القطة، بالتأكيد، لا يرى نفسه مسؤولاً عن المشردين الفلسطينيين والسوريين والعراقيين، وإنما هو…

البنوك.. والأرباح «المنشارية»..!!

السبت ١٢ أبريل ٢٠١٤

لا أعتبر نفسي من مبغضي القطاع الخاص، فالقطاع الخاص في أي بيئة اقتصادية سليمة هو القاطرة التي تقود التنمية. وكل من يعرف شيئاً في التاريخ الاقتصادي للدول يعلم أن البلدان التي سيطر عليها القطاع العام كانت مرتعاً للبيروقراطية والتخلف الاقتصادي بل وحتى الفساد. لكن حكاية البنوك في المملكة حكاية عجيبة لخَّصها سمو ولي ولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز عندما قال عن البنوك: «أنا أسميها بالمنشار، داخل ياكل طالع ياكل، وهي مقلة في أشياء كثيرة وعطاؤها قليل مقابل ما تستفيد به من المواطنين والدولة». لم يكن الأمير مقرن يتحدث من فراغ، فقد كان الحاكم الإداري لمنطقة حائل ثم لمنطقة المدينة المنورة، وعاصر التجارب التنموية في المنطقتين، بالإضافة إلى ما يعرفه من خفايا كثيرة بوصفه رجل دولة متابعاً ومسؤولاً. فالبنوك كانت ولا تزال تحقق أرباحاً خرافية! وحتى في أتعس الأوقات عندما كان مئات الآلاف من المواطنين يحاولون التعايش ما بعد صدمة انهيار سوق المال وإفلاس الأعداد الغفيرة من المواطنين إفلاساً دفع ببعضهم إلى المصحات النفسية وجلب للمتبقين منهم الجلطات والضغط والسكري وكل الأمراض المزمنة، كانت البنوك تعيش في بحبوحة من الأرباح وسط خراب البيوت وتحطم الآمال والأحلام. لن أذهب إلى القول إن البنوك لم تخدم الاقتصاد، ولكنني أعتبر ذلك تحصيل حاصل. بل إنها تخدم نفسها أولاً حين تخدم الاقتصاد. فبدون اقتصاد…