عبدالله المديفر
عبدالله المديفر
مقدم برنامج (لقاء الجمعة)على قناتي خليجية والرسالة وبرنامج (في الصميم) على روتانا خليجية كاتب في صحيفة اليوم

دلو الثلج

السبت ٣٠ أغسطس ٢٠١٤

حمى عارمة اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي حول العالم، يسكب منها المشاهير الماء المثلج على رؤوسهم، ويقومون بعدها بتحدي ثلاثة أشخاص آخرين لتكرار هذا العمل، وهذا كله تحت التفاعل مع أحد أمراض الخلايا العصبية الحركية، والذي يعرف باسم التصلب الجانبي الضموري ويرمز له بحروف ASL، وهو داء يصيب الخلايا العصبية التي تصل بين المخ والنخاع الشوكي، مما يؤدي إلى عدم القدرة على تحريك أي عضلة في الجسم، فيبدأ بالعضلات الإرادية المسيطر عليها من التفكير الواعي مثل عضلات الذراع والساق، وينتهي بالعضلات اللاإرادية والملساء مثل عضلات القلب والمثانة، وغالب المصابين بهذا المرض يموتون بين ثلاث إلى خمس سنوات من الإصابة، والأقلية قد تنجو من الموت كما هو حال عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ الذي لايزال على قيد الحياة. كان هناك محاولات تقليدية لجلب أنظار العالم لهذا المرض، إلى أن أتى الشاب كوري غريفين صاحب السبعة والعشرين عاماً بفكرة "دلو الثلج"، والتي يقوم بها الشخص بعمل غير اعتيادي بسكب الماء المثلج على رأسه، وتحدي أصدقائه للقيام بهذا العمل من أجل التعريف بالمرض، ومن المفارقات أن كوري غريفين مات غرقاً قبل أيام بعد ساعات من إطلاقه الحملة، وقام صديقه المصاب بمرض التصلب الجاني الضموري بيت فراتيس بنعيه، وقد كان تأثر غريفين بمرض صديقه الذي دله على هذه الفكرة. جورج بوش الرئيس الأمريكي السابق، وبيل…

في بيتنا متطرف

الثلاثاء ٢٦ أغسطس ٢٠١٤

بين كل فترة وأخرى ينشط الحديث عن «الفكر المتطرف» ومظاهره وأشكاله ودوافعه وعوامله ونحوها، وتتنوع كالعادة القراءات والتحليلات بل وتتباين وتتفاوت بمسافات هائلة ومتناقضة أحياناً، وأنا أضم صوتي هنا إلى القائلين بأن: «التطرف ليس فكراً.. بل هو طريقة تفكير»، والمرض عندنا في آليات التفكير، والعرض هو التطرف الذي يطل علينا بأشكال مختلفة سواء ارتدى العباءة الإسلامية أو غيرها ، وعند التأمل ستجد بيئتنا الاجتماعية هي بيئة حاضنة للتطرف والغلو، والآليات الاجتماعية والمتحكمة بصناعتها تجعل الفرد في منتهى القرب للاستجابة للانتماء المتطرف. «التطرف» كمنتج يتشكل بثلاثة قوالب رئيسة، فهناك التطرف في المعرفة، والتطرف في الشعور، والتطرف في السلوك، وهذه القوالب الثلاثة تتمازج فيما بينها وتتفاوت حسب شخصية وطبيعة وثقافة الشخص المتطرف، وكلها تعبر عن تربية حادة تتبنى رؤية أحادية تضيق بالخلاف مع الآخر الذي يجب أن يغتال وبأي طريقة. انخفاض هوامش التعبير، واحتكارها من قبل فئة واحدة يؤديان إلى احتقان متراكم يرفع من القابلية للتطرف، وإغلاق الأفواه يحول الألسن إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، وهذا النمط الاحتكاري للرأي الأوحد الموافق لرغبات المسيطر ينتشر بكثافة في مؤسساتنا الاجتماعية ابتداء من المنزل وليس انتهاء بوسائل الإعلام، وكل من يصل لمكان يريد فرض الرأي الموافق وإقصاء المخالف أو تهميشه وعرضه بأضعف حالاته. الإحساس بانعدام «الدور» وضعف التأثير يجعل الفرد يبحث عن…

هل ترتبك عندما تلقي كلمة؟

الأربعاء ١٦ أبريل ٢٠١٤

ما زلت أتذكر مدير مدرستنا الابتدائية صاحب الهيبة الكبيرة والشخصية القوية، كيف سقط من عيني وخفت هيبته عندما تكلم في الطابور الصباحي، وكان مرتبكاً وضعيفاً إلى حد مثير للشفقة والاستغراب، فقد كانت يداه المرتعشتان حديث الأطفال في حصتنا الأولى، وكنت أقول في نفسي: لماذا لا يتكلم بطلاقة وثقة كما يفعل مدرس القرآن؟. «الإلقاء» هو فن مشافهة الجمهور، وفي حقيقته وجوهره هو تعبير عن الذات أمام الآخرين، ويهدف الملقي لإثارة إعجاب الجمهور لحديثه واستمالتهم له، وكذلك يريد التأثير عليهم وتغيير قناعتهم نحو شيء معين، أو إخبارهم بخبر قد لا يعرفونه، وما منا من أحد إلا ووجد نفسه مضطراً لمواجهة جمهور يحدقون أعينهم فيه ويسبرون ماذا يمكنه أن يقول. وللذين يخشون أن يقابلوا الجمهور يمكنني أن أسليكم بأن أمير الشعراء أحمد شوقي لم يكن يتقن الحديث أمام الجمهور، وتشرشل لم يمنعه إخفاقه في الخطابة أن يكون قائدا عظيماً في بريطانيا، وقبلهما موسى - عليه السلام - الذي طلب من ربه الاستعانة بأخيه هارون؛ لأنه أفصح منه لساناً وغيرهم الكثير، ولكني أتذكر هنا الكلام المهم الذي قاله الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد: (لو رجعت إلى الجامعة مرة أخرى لركزت على أمرين: فن الكتابة وفن الخطابة، فلا شيء في الحياة أهم من القدرة على الاتصال بالآخرين)، وهذا كلام يستحق التوقف كثيراً لأن فورد وصل…

لماذا يهربون من الدور 13؟

الأربعاء ٠٩ أبريل ٢٠١٤

في أحد الفنادق وقفت بجوار شخص غاضب ويتجادل مع موظف مكتب الاستقبال الذي كان يكلمه بلطف بالغ دون أن يقدم له ماطلبه، وفهمت من النقاش الساخن أن هذا النزيل الجديد معترض على رقم الدور الذي سيسكن فيه حيث تحمل غرفته الرقم ١٣١٣، فهي الغرفة رقم ثلاثة عشر في الدور الثالث عشر وكان صاحبنا هذا يتشاءم من الرقم ١٣ بطريقة غير عادية والموظف يخبره أنه لا توجد غرف أخرى متاحة للتبديل، حاولت حينها التدخل وعرضت على الموظف أنه بإمكاني مبادلته الغرفة، ولا أستطيع وصف الفرحة الهستيرية التي حلت بهذا النزيل وكأنني رحمة مهداة نزلت عليه من السماء !!، وفي صباح اليوم بعد التالي التقينا في المطعم وسألني عن راحتي في الفندق فقلت له: كان سكني في الدور ١٣ من أكثر الليالي جمالاً، فرد قائلاً: هل تعلم أنه توجد فنادق في الغرب لا يوجد بها دور رقمه ١٣ لأنه شؤم، فبعد الدور ١٢ ستجد الدور ١٤، فأجبته بأن رسولنا الكريم سئل عن أناس يتطيرون، فقال: ( ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم). «التشاؤم» هو طريقة تفكير تقودنا للسلبية دائماً، بعكس المتفائل الذي يفكر بإيجابية دائماً، وكما يقول بايرون: (المتفائل يرى ضوءاً غير موجود، والمتشائم لا يصدق الضوء الموجود)، والخير بلا شك هو بالتفاؤل فرسولنا الخبير يقول: (تفاءلوا بالخير تجدوه)، وعلق…

فضيحة أخلاقية لشخصية شهيرة

الأحد ٠٢ مارس ٢٠١٤

مثل هذه العناوين هي مغناطيس جاذب لمتابعتنا؛ لأن "الشائعة" بطبعها تداعب شهوة الفضول وتشبع رغبة الإثارة، ويتبعثر الطهر الأخلاقي عندما نصدق الشائعة التي نشتهي تصديقها، ونتحول إلى ماكينة إعلامية مجانية لهذه الشائعة؛ لأننا وقعنا في مستنقع الشماتة، ولهذا فإننا نلغي عمل العقول في إعادة بث الشائعة، والمتأمل لقول المولى جل شأنه في إشاعة الفاحشة على أم المؤمنين عائشة حين قال: «إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم»، سيجد أن الله بين أن التلقي لم يحدث بالأذن -وهي مكان السمع والتلقي- بل باللسان مع أنه ليس مكاناً للسماع؛ لأنه أعاد بث الشائعة دون إدخالها لفلتر العقل والتمعن. وليتنا نقتدي بحكمة سقراط عندما جاء له رجل فقال له: أتعلم ما سمعته عن أحد طلابك، فرد عليه: هل أنت متأكد مما سمعت؟ قال له: لا، ثم سأله سقراط: هل هو خبر طيب؟ فأجابه الرجل بلا، وسأله سقراط ثالث أسئلته قائلاً: وهل يفيدني ما ستخبرني به، فكرر الرجل نفس الجواب: لا، فقال له سقراط: إذا كنت ستخبرني بخبر غير أكيد ولا طيب ولا ينفعني فلماذا تخبرني به؟!!. للشائعة جاذبية كبيرة؛ لأنها تخاطب بواعث: (الخوف والأمل والكراهية) عندنا، ولذلك نكون مهيئين لاستقبالها بكل غباء، فحتى الشائعات غير المنطقية قابلة للانتشار، ولا زلت أتذكر تلك الشائعة المدوية التي انتشرت في السعودية عام ٢٠٠٩،…

تقليد كفيف..

الخميس ٢٧ فبراير ٢٠١٤

على برنامج التواصل الشهير واتس أب وصلني مقطع يوتيوب لكفيف يملك قدرة مذهلة على تقليد الأصوات، حيث كان يقلد صلاة الراحل محمد السبيل -رحمه الله- مع تكبيرات المؤذن الجميل علي ملا في الحرم المكي، وبعدها دخلت في رحلة يوتيوبية مكوكية بحثاً عن مقاطع التقليد، فنحن معشر البشر نستمتع بمشاهدة من يقلدون الناس ويجيدون فنون المحاكاة، ولذلك لا عجب أن تجد البرامج الساخرة التي تعتمد على التقليد الرواج الواسع والتفاعل الكبير. عندما يكون الحديث عن «التقليد» فأنا اتفق مع من يقول إن: «الإنسان كائن مقلد بطبعه»، وهذه في الأصل تعتبر ميزة لأنها احدى مهارات التكيف الاجتماعي، فهو يقبل على «التقليد» لأنه اجتماعي بطبعه، ويريد أن يكون مقبولاً في محيطه ومجتمعه، والتقليد خيار اجتماعي آمن بغض النظر عن صحة محتوى التقليد من عدمه. عندما تبحث عن كلمة «تقليد» فإن أكثر كلمة مرادفة لها هي «أعمى»، والحقيقة أن التقليد قد يكون مبصراً في أحيان كثيرة، واختزاله في العمى والضعف وغياب الهوية والشخصية على طريقة ابن خلدون: «المغلوب يقلد الغالب» اختزال ظالم ومخل لأن «التقليد» بوعي يؤدي إلى الإبداع والتفوق، و«التقليد» اللاواعي يؤدي إلى التبعية ووأد الابتكار، وقليل من التأمل في التقليد الياباني للغرب والتقليد العربي للغرب سيبين لك أثر الوعي في المحاكاة والتقليد. البعض يسطح الموضوع بقاعدة التقليد يكون بالوسائل فقط والمحتوى لا…

طفلة مبدعة تريد فورد

الأحد ٠٥ يناير ٢٠١٤

كنت منهمكاً في قراءة مجموعة من الأوراق وبجواري طفلتي الصغيرة التي كانت تسألني عن أشياء كثيرة وأنا أحاول أجيبها بأقصر كلمات ممكنة وبتفاعل بارد، ثم قالت لي: بابا ما تبغاني أسأل؟، وعلى الفور أغلقت أوراقي وعدلت جلستي وقلت لها: بالعكس يا بابا الطفلة الحلوة تسأل على طول. الطفل يعيش بعقلية إبداعية جميلة لأنه يتمتع بالخيال الواسع والسؤال الحر والتفكير المفتوح، وعلينا مساعدتهم في الحفاظ على هذه الأشياء، وبعد دخوله للمدرسة نجد أن الطفل تنخفض نسبة الإبداع عنه من ٩٠٪ إلى ٢٪!!، لأن البيئة المدرسية تحارب الخيال بسلاح الواقعية، وتهمش التفكير المفتوح وتستبدله بقاعدة «احفظ تنجح»، وتغتال الحرية بقوانين الانضباط والصرامة، وتقتل ثقافة النقاش لأن الجو المدرسي يشعرك بأن السؤال ليس شيئاً محبباً ويدل على قلة الفهم!. المبدع مستقل عقلياً ولهذا علينا تطوير علاقتنا مع عقول أطفالنا وتساؤلاتهم، وتجنب سلوك الإكراه العقلي على ما نعتقده نحن، والمبدع خياله جامح عادة فلا تقمعوا خيال أطفالكم، فالخيال هو روح الإبداع. نحن بأمس الحاجة لبيئة غير تقليدية تحتضن المبدعين، والصناعي الأمريكي هنري فورد وصله تقرير عن الموظفين في مصنعه الشهير وكان مما كتب فيه أن الموظف س يبدد أموال الشركة ويجلس في مكتبه كل يوم ورجلاه مرفوعتان على طاولته لساعات طويلة دون أن يعمل شيئاً!، فعلق فورد على التقرير بالملاحظة التالية: (قبل سنوات جاءنا…