د. أحمد يوسف أحمد
د. أحمد يوسف أحمد
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

هدية الإرهاب لإسرائيل

الثلاثاء ١٤ يوليو ٢٠١٥

نشرت صحيفة «الوطن» القاهرية يوم الخميس الماضي مقالاً بالغ الأهمية للكاتبة نادين سعد بعنوان «الصفقة المحرمة: إسرائيل وجماعات الإرهاب» حول تلقي قيادات وأعضاء «جبهة النصرة» الإرهابية العلاج في إسرائيل اعتمدت فيه على تقرير بثته الشهر الماضي القناة الثانية الإسرائيلية بعنوان «يعبرون الحدود» وذلك في أعقاب قيام مواطنين دروز يسكنون إحدى قرى الجليل الأعلى برشق سيارة عسكرية إسرائيلية بالحجارة كانت تقل بعض الإرهابيين من جرحى الحرب في سوريا لتلقي العلاج في المستشفيات الإسرائيلية. والتقرير عبارة عن شهادات بعض هؤلاء الجرحى الذين تعالجهم إسرائيل، وتنقل الكاتبة قول أحد الجرحى وقد أخفيت ملامحه: «قالوا لي إسرائيل عدوة سوريا جيت هون لقيت أحسن معاملة»! ويتكلم آخر بالعبرية عدة جمل فيبدي معد التقرير إعجابه قائلاً: «سوري بيحكي عبري... منيح»، ثم يطرح هذا المعد على أحد الجرحى سؤالاً هو من تقتل: الشيعي أم اليهودي؟ فيرد: الشيعي. الدرزي أم اليهودي؟ فيرد: الدرزي، وهنا يختم معد التقرير برنامجه قائلاً: «يبدو أن إسرائيل عرفت كيف تحول عدو الأمس إلى صديق»! ماالسر يا ترى في هذا الحنان الدافق الذي تبديه إسرائيل تجاه الإرهابيين الذين يحيلون حياتنا جحيماً؟ إن إسرائيل ببساطة شديدة ترد الجميل للإرهاب. منذ سنوات وصف حاكم عربي سابق بأنه «كنز استراتيجي» لإسرائيل، ولم نكن ندري في حينه أن كنزه هذا يتوارى خجلاً أمام الكنز الذي يمثله الإرهاب لها.…

الإمارات ومستقبل مصر

الثلاثاء ١٧ مارس ٢٠١٥

لقد مثل مؤتمر «مستقبل مصر» الذي انعقد في الأيام الماضية حدثاً استثنائياً بكل المعايير ليس فقط لنتائجه الاقتصادية وإنما أيضاً لما دل عليه من أهمية مصر ومكانتها بحيث يهرع العالم للوقوف إلى جوارها من أجل تجاوز العقبات الاقتصادية الكؤود التي تعوق مسيرتها. كما أن المؤتمر كان فرصة لتبديد أي سحب عالقة في سماء العلاقات المصرية- الخليجية، فلقد حضرت دول مجلس التعاون الخليجي كافة والتزمت الكويت والسعودية والإمارات وعمان باثنتي عشر ملياراً ونصف المليار من أجل دعم الاقتصاد المصري. غير أن ما أود التركيز عليه هو الحضور اللافت لدولة الإمارات في المؤتمر الذي مثلها فيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي. وكانت الكلمة التي ألقاها سموه في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر هي الأقرب وصولاً لقلوب المصريين وعقولهم والتي استهلها بقول المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد منذ أكثر من أربعين عاماً: «لن يكون النفط العربي أغلى من الدم العربي»، ونقل تحيات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، وذكر بالراحل الكريم عبدالله بن عبدالعزيز، الذي كان له فضل المبادرة بالدعوة إلى المؤتمر في وقت شدة حقيقية مرت بها مصر. كانت الكلمة سيمفونية رائعة في حب مصر والتدليل على مكانتها وقوة علاقتها بشقيقتها الإمارات، وكانت مقولته الصحيحة عن علاقة مصر…

قمة استثنائية لمواجهة الإرهاب؟

الثلاثاء ٢١ أكتوبر ٢٠١٤

يتصاعد خطر الإرهاب في الوطن العربي يوماً بعد يوم، ويمتد إلى مناطق أوسع في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن وغير هذه الحالات، ولا يبدو حتى الآن أن ثمة نجاحاً حاسماً في مواجهة هذا الإرهاب حتى بعد أن بدأ التحالف الدولي غاراته على موقع «داعش» في العراق وسوريا، ولأن كثيرين يؤمنون بأن مواجهة الإرهاب لابد وأن تكون عربية فإن البعض من هؤلاء بدأ يطرح فكرة ضرورة الدعوة لقمة عربية استثنائية تنظر حصراً في هذا الخطر، وتضع خطط المواجهة وآليات التنفيذ. صحيح أن المجالس الوزارية العربية سواء على مستوى الجامعة ومجلس التعاون لدول الخليج العربية قد اتخذت قرارات مهمة وشاملة في هذا الصدد، وصحيح أيضاً أن مؤسسة القمة الخليجية قد فعلت الشيء نفسه، لكن قرارات آخر قمتين عربيتين في الدوحة (2013) والكويت (2014) لم تتضمن شيئاً يتعلق بمواجهة الإرهاب، وفي كل هذه الأحوال لم يُوضع أي من القرارات التي اتخذت موضع التنفيذ على النحو الذي يحقق النقلة النوعية المطلوبة في مواجهة الإرهاب. ومن هنا يأمل البعض في أن تحقق قمة عربية استثنائية هذه النقلة، وخاصة أن الأمور قد أصبحت أكثر تعقيداً بعد تكوين ما يسمى بالتحالف الدولي لمواجهة الإرهاب واختلاف المواقف تجاهه. وفكرة عقد قمة عربية استثنائية للتصدي لتفاقم خطر الإرهاب تحتاج إمعاناً للنظر ونقاشاً مستفيضاً لعدة اعتبارات أولها أن عقد قمة…

الحوثيون و«حزب الله»

الثلاثاء ٠٧ أكتوبر ٢٠١٤

يلفت النظر في التطورات الخطيرة الأخيرة التي شهدها اليمن التشابه الواضح بين حركة الحوثيين التي تسمى نفسها الآن «أنصار الله»، وبين «حزب الله» في لبنان مع فروق في التفاصيل بطبيعة الحال، ولذلك فإن المقارنة بينهما قد تكون مفيدة في فهم ما جرى في الماضي القريب وما يجري الآن، وكذلك في استشراف المستقبل والتحسب لما هو آتٍ، وبداهة، فإن أول وجه للشبه بينهما أن قاعدة القوة لكل منهما شيعية، وأن توجهات قيادتي الكيانين تتبع مذهب الإثني عشرية، وولاية الفقيه السائد حالياً في إيران. ومع أن الحوثيين من أتباع المذهب الزيدي المتبع من شيعة اليمن الذين يسمون بالزيود -وهو أكثر فروع المذهب الشيعي اعتدالاً وقرباً من المذهب السني- فإن مؤسس الحركة الحوثية بدر الدين الحوثي من أتباع الفرع الجارودي (المنسوب لأبي الجارود العبدي) من المذهب الزيدي، وهو الأقرب للإثني عشرية. وقد ترتب على ما سبق أن إيران تدعم كلاً منهما على نحو علني كما في حالة «حزب الله» أو ضمني نسبياً كما في حالة «أنصار الله»، ويعني هذا أن الصعود السياسي لأي منهما في بلده يمثل إضافة للنفوذ الإيراني في الوطن العربي، مما ستكون له تداعيات خطيرة على تماسك النظام العربي وأمنه، خاصة على ضوء ما يجري في سوريا والعراق، وما يعني أيضاً أن أياً من الكيانين يمكن أن يقوم بفعل خارجي…

معضلة الدولة العربية

الثلاثاء ٠١ يوليو ٢٠١٤

عقد المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، حلقة نقاشية في 25 يونيو الماضي بعنوان «موازين متحركة: المسارات المحتملة للتفاعلات الداخلية والإقليمية في الشرق الأوسط». شارك في الحلقة عدد من كبار الخبراء والأكاديميين والدبلوماسيين في مصر والوطن العربي، فضلاً عن مجموعة من الشباب المتميز المتخصص في قضايا مصر وإقليمها سواء العربي أو الشرق أوسطي. وخصصت الجلسة الأولى للحديث عن «تصحيح المسار: إعادة بناء الدولة الوطنية في الشرق الأوسط» وتحدث فيها ثلاثة مشاركين عن الأنماط المختلفة لعملية إعادة البناء هذه، وأطرافها الفاعلة، والتحديات التي تعوقها، وبدأ رئيس الجلسة -وهو واحد من أبرز علماء السياسة في مصر والوطن العربي- بتمهيد لموضوعها تضمن أفكاراً بالغة الأهمية للتحليل والنقاش، وأبدى في سياق إحدى هذه الأفكار تحفظه على تعبير «إعادة بناء الدولة الوطنية»، لأنه يعني ضمناً أن الدولة الوطنية قد انهارت بينما واقع الحال أن هذا لم يحدث. ربما يعاني بعض هذه الدول أو حتى كثير منها من عدم استقرار ظاهر ومتزايد، ولكن حالة الانهيار لم تصبه بعد. وقد أثار هذا الرأي عندي شجناً قديماً أخذ يلح عليّ منذ الغزو الأميركي للعراق في 2003 ويعاودني كلما وقع حدث جلل في إحدى الدول العربية، وعندما حل دوري في النقاش تحدثت عن هذا الموضوع تحديداً. بدأت مداخلتي بسؤال استفزازي: هل لدينا في المنطقة العربية دولة وطنية أصلاً تماثل الدولة-…

أزمة مجلس التعاون المقدمات والاحتمالات

الثلاثاء ١١ مارس ٢٠١٤

فوجئ البعض وربما كثيرون بقرار السعودية والإمارات والبحرين القاضي بسحب سفرائها من الدوحة، غير أن المتابع للسياسة القطرية الخارجية والتحول اللافت فيها وكذلك ردود الفعل الخليجية، لن يجد في هذا القرار أدنى مفاجأة، وقد ذكّرنا البيان الصادر عن الدول الثلاث بهذه المناسبة بالقمة الخليجية المصغرة التي عُقدت في نوفمبر الماضي التي تم الاتفاق فيها على «الالتزام بمبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد سواء عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي وعدم دعم الإعلام المعادي»، وعبرت الرياض وأبوظبي والمنامة عن الأمل في أن «تسارع دولة قطر إلى اتخاذ الخطوات الفورية للاستجابة لما سبق الاتفاق عليه ولحماية مسيرة دول المجلس من أي تصدع». ويلاحظ أن بيان الدول الثلاث قد أعقب الاجتماع الدوري لوزراء خارجية دول المجلس في الرياض في 4 مارس، الذي ذكرت التقارير أن محاولات جادة قد تمت فيه لإقناع قطر بأهمية وضع اتفاق نوفمبر 2013 موضع التنفيذ، إلا أن كافة هذه المحاولات لم تفض إلى التزام قطر بالاتفاق. لم يكن القرار مفاجئاً إذن لأن مقدمات سبقته لا تعود فحسب إلى القمة الخليجية أو اجتماع وزراء الخارجية المشار إليهما وإنما ترتبط بالتحول اللافت الذي طرأ على السياسة الخارجية القطرية في عهد الشيخ…