هالة القحطاني
هالة القحطاني
كاتبة سعودية

للبطالة حل واحد

الأحد ١١ فبراير ٢٠١٨

التوطين، مصطلح وإجراء عالمي، تطبقه كثير من الدول حول العالم، وتسعى أخرى إلى تحقيقه في منطقة الشرق الأوسط والخليج. فكل دولة تطمح للوصول إلى مرحلة الاكتفاء بمواردها البشرية، في تقديم أغلب الخدمات والأعمال المشغلة للاقتصاد محلياً، ومنذ الأزمة الاقتصادية، والعالم يستهدف تقليل التكلفة والسعي وراء تطوير وتنمية الأيدي العاملة المحلية.  وما حدث في دول الخليج، من تكدس للعمالة الوافدة، دول أوروبا وأميركا ليست ببعيدة عنه، ففي أغلب تلك الدول تجد أن «بعض» الوظائف والخدمات المحدودة جداً، يشغلها الوافدون والمهاجرون، ففي أميركا مثلاً تتوزع العمالة اللاتينية والإفريقية ومن دول المغرب العربي، على وظائف تتنوع بين سائقي أجرة، وعمال بلدية، وصيانة الطرق والمنازل، وخدمات الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية، وحتى عربات الطعام المتنقلة. وتُقدر نفس تلك الدول أي جنسية أخرى حسب إنجازها العلمي، فكثيرا ما تمنح الولايات المتحدة الجنسية الأميركية، للعلماء والباحثين، وتحاول إبقاءهم على أراضيها للاستفادة من علمهم، من بينهم عرب وسعوديون وخليجيون تمت الإشارة إليهم في أخبار سابقة. ولأن حجم الولايات المتحدة ونظام (الحلم الأميركي) يسمح بذلك، فهذا لا يعني أن تنجح هذه التجربة في الدول العربية والخليجية، لاختلاف الجغرافيا والمساحة. مع أن الذين تركوا بلدانهم وهاجروا، كانوا يستطيعون تعميرها وتحويلها إلى أميركا وأوروبا أخرى. ومهما تغرّب الإنسان وابتعد، لا جنة له على الأرض سوى وطنه. فلا يبني الأمم إلا أيدي…

الثورة الصناعية وفُرص الإنسان

الأحد ٠٤ فبراير ٢٠١٨

كلما كبُر هذا العالم وتوسع، ورُدمت بحار أو شُقت طرق جديدة نتيهُ فيها ونحيا، يعتري الإنسان أمر غريب. فمهما بدت تلك الأراضي الجديدة صلبة، توخزهُ دبابيس الشك، لتوقظ الخوف النائم داخله. وتبدأ موجة من التساؤلات، هل تلك الأراضي آمنة، أم ما إن يُبنى فوقها، حتى تغرق ويبتلعها البحر الغاضب، الذي حتماً سيحاول الانتقام، والعودة لاسترجاع مكانه الطبيعي. وهل تلك الطرق الجديدة الجذابة، ستوصله إلى غايته، أم ستأخذه إلى مصير غامض! ومنذ زمن هابيل وقابيل، والإنسان عبر التاريخ، يسرد لنفسه وللأجيال دروسا وحكما، عن تأثير وجوده إيجابياً وسلبياً في المكان حوله. وأثبت لنا التاريخ أيضاً، أن الإنسان إن لم يتوف وفاة طبيعية، أو يذهب ضحية للكوارث الطبيعية، يقتله إنسان آخر إما طمعاً أو إهمالاً أو بالعلم. والعلم الذي يقتل لا يصبح علمًا، بل أداة جريمة. وشاهدنا في كثير من الأفلام الخيالية، أن فكرة استخدام العلم في الشر، لإلحاق الأذى بالآخرين أو للسيطرة عليهم، فكرة واردة كانت تلح على الإنسان في أكثر من سيناريو. وإذا مر هذا على عقل الإنسان، فتأكدوا أن في أماكن مختلفة لا نعلمها، تدور الكثير من الأبحاث العلمية، الذي يتم تسخيرها الآن من أجل الشر والجريمة. وهذا التقدم العلمي، أحدث ثورة تقنية ضخمة، نمت بشكل سريع وغير متوقع، أسرع من أن يمنح نظام التعليم فرصة لتدريسه للطلاب، فغيرت…

ستبقى لمجد العُلا منبرا

الأحد ١٠ ديسمبر ٢٠١٧

نعتز بأننا بدأنا من البادية ونشأنا في الصحراء القاحلة، التي نفخر بالانتماء إليها. ونفخر أيضاً بتحويلها إلى واحة غناء، في أكبر تحدّ ممكن أن يواجه الإنسان، فترويض خشونة الصحراء أمر ليس بالهين أبداً. ومع ذلك نجحنا ولله الحمد في هذا التحدي. فاليوم صحراء مثل الربع الخالي، لم تبق كالصحراء التي يعرف العالم بالأمس، بل تحولت إلى صرح صناعي وآلي ضخم، يضاهي بقوته وتفرده مثيلاته حول العالم. فالإصرار والعزيمة والتعطش للنجاح، الذي ينبع من نفوس شعب هذا الوطن، لا يستطيع أن يفهم حجمه وعمقه إلا نحن. فكل يوم يثبت أبناؤنا، في أماكن متفرقة حول العالم، كفاءة وقدرة عالية، في خوض تحديات جديدة، من تبنّ لأنظمة وبرامج متطورة ومبتكرة، تواكب ما تتطلب المرحلة، وتتوافق مع احتياجات العصر الذي نعيش. فكثير من أبناء وبنات هذا الشعب الوفي، يعمل بشغف وحب متناهيين. فينجز ويبتكر بهدوء وبشكل مستمر، لتغيير الصورة الذهنية والنمطية، التي ضلل بها ثلة من المجرمين والإرهابيين، الرأي العام، لتشويه الإسلام، والإنسان السعودي والعمق الاجتماعي والثقافي داخل المملكة. انطلقت قافلة السعودية بعدتها وعتادها، لتشق طريقها رغم قساوة الظروف، نحو القمة. ففيما تكفل الأمير محمد بن سلمان، بتمهيد الطريق الوعر أمام القافلة، أخذ بقية شبابنا على عاتقهم في الداخل والخارج، زرع هذا الطريق ببذور العلم والحب والسلام، لإيصال الصورة الحقيقية عن المملكة وشعبها. ففي…

ليلى والضبع

الإثنين ٢٢ مايو ٢٠١٧

كانت الطفلة ليلى تلهو أمام بيتهم مع فتيات أخريات، في تلك الضيعة المتواضعة، الواقعة على أطراف المدينة الصاخبة، تلعب بأحجار صغيرة جمعتها من بين التراب، الشيء الوحيد الذي كانت توفره لهن الطبيعة دون تكلفة. ودون أن تعي الصغيرات أن ذلك الرجل الملتحي، الذي كان يتجول يوميا على الطريق أمامهن، كان قد أخذ على عاتقه مهمة البحث عن «بيضاء الثلج» التي لا تهرم سريعا، بل يكون أمامها سنوات طويلة قبل أن تغزوها أول تجعيدة. فبعد أن جاب الكرة الأرضية يتفحص بنات الناس، مطالبا بحقه الشرعي في رؤية من يتقدم لخطبتهن، وهو في الأساس لا يكترث بحقوق الآخرين الشرعية، وجد بيضاء الثلج أخيرا، كما رسمها في مخيلته، ولا يهم إن لم تكتمل هويتها الأنثوية بعد، المهم أن حجمها ووزنها جاءا على هواه، كمن يشتري دجاجة من المزرعة وليس إنسانة. فقرر أن يمتلكها على الفور، وبعد أن تأكد في فترة مراقبته لبيت الأسرة، أنهم يعيشون على الكفاف، تودد لوالديها، وقضى بضعة أشهر في استدراج فريسته كالضبع، ملوحا بالطُعم، لتبتلعه الأسرة بأكملها. تزوج ذلك الكائن البيدوفيلي بيضاء الثلج وأخذها إلى بلده، وبعد عدة أشهر شاءت الأقدار أن تحمل، فجن جنونه لأن حملها أفسد عليه خطته، حيث كان هدفه أن يجعلها سُخرة، بين المتعة والخدمة فقط، فإذا ما أتى عليها، ألقاها واستبدلها بفريسة أخرى. فالزواج…

كُن أنتَ

الأحد ٠٩ أبريل ٢٠١٧

لا تستطيع أن تدلي برأيك، وتقول ما يختلج في صدرك بكل صدق، بل بدلا من ذلك تردد ما يقول الآخرون، وتوافقهم الرأي، حتى لو كنت غير مقتنع، فقط كيلا تبدو غريبا أو شاذا عنهم. وحين تواجه بنظرة استنكار من أحدهم، تدّعي أن ما قلت لم يكن سوى دبلوماسية، وأنت تعرف جيدا أنك ضُبطت متلبسا بالمداهنة، وإن كنت تتمنى لو أدليت برأيك الصحيح، بدلا من أن تخذل من كان يؤمن بنزاهتك ويتوقع منك الصدق. ومع ذلك تنافح بأنك لم تحترف الكذب، بل أقنعت نفسك بأنه ذكاء، مع أنك تعرف أن صمتك وتجاهلك عن قول الحق مرارا وتكرارا، كان سببا لتحول من كنت تتملقه إلى طاغية بطش بمن كان حوله بجهل، ولم يستثنك منهم.  حين لا توافق على المعتقدات والأفكار الخاطئة، تسهم بذلك في تصحيح مفاهيم كثيرة، وتصبح من الذين يحدثون تغييرا إيجابيا في المجتمع، بدلا من أن تثقله، وتسحبه إلى الوراء بخوفك من أن تُنعت أو تُتهم بمسميات ترفضها. هل مؤلم أكثر أن يوصمك الآخرون بمسمى من تلك المسميات البغيضة، وأنت على حق، أم تفضل أن تبقى مثالا للجبن الذي لا يهمه سوى أن ينال رضاء شخص واحد، من أجل مصلحته؟ فتستمر في خداع نفسك طويلا، كي تسلم من ألسنة الآخرين، لأنك ترتعد من فكرة أن يتحدثوا عنك، أو لا تبدو…

اغتيال الأنوثة وصناعة البويات

الأحد ٢٦ فبراير ٢٠١٧

كان المجتمع النسائي لفترة قريبة، مجتمعا غامضا، لا يعرف شيئا عن أسراره ومشكلاته، أو جزءا مما يدور داخله معظم الأوقات. وذلك الغموض لم يكن صدفة، بل فرضته ثقافة العيب التي كانت تحاصر كل تحريكة و تسكينة تتعلق بالأنثى، حتى داخل مجتمعها المغلق، سواء كانت سيدة راشدة أو طفلة بريئة. وفي كل فترة من الزمن، كانت تُغرق بكمية من الممنوعات التي تحسب عليها كأكبر الموبقات، ثم تتغير تلك الممنوعات في زمن آخر، لتصبح بقدرة قادر من المباحات التي تظل مسموحة لزمن طويل، ثم يأتي عليها وقت آخر يعيدها إلى الممنوعات مرة أخرى. مر عليّ في زمن مثل كثيرات غيري في المدرسة عمليات تفتيش ومداهمة، بدأت في المرحلة المتوسطة واستمرت إلى المرحلة الثانوية. إذ كنا نُحذّر كثيرا من إبداء أي زينة أو استخدام مساحيق، حتى لو كانت من صنع الطبيعة، كان علينا أن نخفيها بأي وسيلة، وكنا نحفظ عن ظهر قلب أنها «عيب وقلة أدب وخلاعة»، وأهم شيء أنها جزء من الكبائر. في ذلك الوقت، كانت تمارس الإدارة المدرسية دورها البوليسي، باستخدام أسلوب المباغتة، بقطع الدرس في منتصف أي حصة، من أجل القبض على الأمشاط، كانوا يجعلون الصف بأكمله يقف في محل شبهة، فنضع حقائبنا المدرسية على الطاولات أمامنا، ونضع أيدينا خلف ظهورنا، كيلا نحاول أن نخفي سلاح الجريمة. فمن كانت تُضبط…

المسؤول وثقة المواطن

الأحد ٢٥ ديسمبر ٢٠١٦

القائد الحقيقي، هو من يتمكن بحنكته الإدارية، من كسب ولاء وإخلاص موظفيه، وتحويلهم إلى فريق منتج، مستثمراً طاقاتهم، وموجها لقدراتهم لإنجاح مشروع، يعملون فيه معاً. وليس ذلك المتخاذل، الذي مازال يعيش معتقداً بأن الرئاسة أن يجلس في مكتبه، يلقي بالأوامر من خلال الهاتف، ويبدي امتعاضه من كل عمل يقدم له. ثم يخرج فيما بعد ليتفقد، أين وصل المشروع، ويحث من كان يقوم به، على إنهائه سريعاً، وحين يفعل، "يلطشه" بكل سهولة، ليقدمه لرؤسائه التنفيذيين أو من أعلى منه. لحصد ترقية أو منصب جديد. ليس من السهل، أن يصبح كل مسؤول قائدا، عندما يتقلد المنصب بشكل تلقائي. فأحياناً كثيرة، يصعد للمنصب مسؤول، لا يملك اتخاذ أي قرار، أو تقديم أي تطوير جديد، لينفض العثة عن القطاع الذي يرأسه. بل يظل عقودا من الزمن، يدير قطاعا مُمرضا وكئيبا، كان أكبر دور له فيه، إنكار الأخطاء حين تقع. وحين تتعاظم، يتفنن في تقاذف المسؤولية وإلقائها على آخرين. صناعة القرار والتغيير، لا تحتاج لرئيس "بواسطة"، يعتمد على دهائه في المناورة. بل همة ونزاهة عالية، ودراية تامة بالأعمال التي يتولاها، فمهما كانت براعة الشخص غير المناسب، في تمثيل الدور، سيأتي عليه يوم بمصيبة، تكشف أهليته وقدراته. ولنا في متهمي سيول جدة مثال. شاهدنا من فترة قريبة، كيف اخترقت سيدتان، الوفد المرافق لوزير الصحة، لتلقنا المسؤولين…

النبلاء الأشاوس في الحد الجنوبي

الإثنين ٢٨ نوفمبر ٢٠١٦

حقيقة امتلاك القوات المسلحة السعودية ترسانة متطورة وعالية التقنية، حقيقة لا يستطيع المتابع في الداخل أو الخارج تجاهلها أو الاستهانة بثقلها في الشرق الأوسط. وعملية تطورها المستمر لا يفرضه فقط حجم وموقع المملكة، بل ونوعية التحديات التي تصاعدت مؤخرا، وأخذت تنمو بشكل متسارع في المنطقة. والأمر الذي ربما لا يعرفه الكثير خارج هذا الوطن، بأن المملكة تملك أغلى وأثمن ترسانة بشرية من ذهب، تضرب جذورها وتتغلغل في أعماق أرضنا الصحراوية، متشعبة بصلابة في باطنها، تتغذى على الحب الجارف للوطن وأبنائه. فحين أنعم الله على المملكة باحتضان الحرمين الشريفين، سخر لحمايتها أفراد شعبها، جنودا وقيادة. فضرب سياج الوطن المتين من جنودنا الأوفياء، وما زالوا يضربون دروسا وأمثلة للشجاعة والثبات والتجلد، قُدمت في أوقات عصيبة، وتحت وابل من الرصاص، بنبل وأخلاق الكبار المشبعة بالحكمة والإيثار والتضحية. فالأشاوس لا يحاربون أو ينجون بأنفسهم فقط، بل لديهم تلك الشجاعة لتعريض أنفسهم للخطر لمساعدة بعضهم البعض. وسلسلة الأعمال البطولية التي يخوضها أنبل الرجال في الحد الجنوبي تعجز الأقلام أحيانا عن تصويرها، كما حدثت تماما في الميدان، حين أخرجت بعض المواقف الصعبة أقوى وأجمل ما فيهم من إصرار وولاء وحب وسرعة تصرف وبديهة، من أصغرهم رتبة إلى أكبرها. فحين تعرض مجموعة من حرس الحدود لهجوم من قناصة الحوثي، على إحدى النقاط الحدودية، أصيب من بينهم الجندي…

عصر العلماء الجدد

الأحد ٢٠ نوفمبر ٢٠١٦

إذا كان أوائل العلماء المسلمين قد أبدعوا في بناء الحضارة العربية والإسلامية في عصور مضت، ساهمت في تطوير البشرية والحضارة في أوروبا، فذلك لأن علماء الغرب عرفوا جيدا كيف يستغلون تلك العلوم، ويستثمرونها من أجل إكمال مشروعهم العلمي والبحثي، فبدؤوا من حيث انتهى العلماء العرب. ثم إن شغف الإبداع والابتكار ليس حكرا على عصر أو جيل محدد، وإذا كان من باب الاعتراف بالفضل، أن نذكر العلماء القدامى، ونخلّد إنجازاتهم العظيمة لعصور قادمة. فإنجازات علمائنا الجدد تستحق أيضا الإشادة والتوثيق، لأنها أعادت مجد الحضارة العربية والإسلامية، ودورها الفعّال في تحسين حياة الإنسان على هذا الكوكب. فمن إنجازات علمائنا السعوديين في هذا العصر، على سبيل المثال وليس الحصر، اكتشاف المبتعثة "نهى الريس"، لطفرة جينية جديدة، تسبب بحدوث ضمور عضلي، وضعف في الأطراف ينتهي بشلل كامل، حيث اُعتبر اكتشافها نقلة مهمة في علم الأمراض الوراثية. كما حقق "ساير الفريدي" إنجازا آخر، حين اكتشف اختبارا تنبؤيا، يعمل على تحديد مستوى الاستجابة لدى مرضى سرطان الدم، قبل البدء بالعلاج الكيميائي، واُختير إنجازه ذلك ضمن أهم الاكتشافات العلمية لعام 2010، من ضمن مجموعة مختارة من أهم الاكتشافات البحثية التابعة لمنظومة كليفلاند كلينك. وتم تكريمه بمنحه جائزة الزمالة التي تعد أعلى جائزة بحثية تمنح لطلاب الدراسات العليا، ونُحت اسمه في لوحة الشرف الخالدة في المستشفى. ومن تلك…

العمل تحت إمرة جاهل

الأحد ٠٦ نوفمبر ٢٠١٦

تشتعل علاقة الكاتب مع الكتابة مثل أي قصة حب في لحظة، ثم تتوطد مع مرور الوقت، لتصبح علاقة حب عميقة ترتكز على التفاهم المتبادل، فما أن تشعر الأحرف بنوايا الكاتب، أو تلتقط ما يختلج في مشاعره، حتى تتسارع أمامه لتنثر عبارات متتابعة، يعود بعضها للوراء أحيانا بضع خطوات، ليصحح إحساسه أو فكرته. لا أذكر متى بدأت "فاتن منصور" بالكتابة، ولكن أذكر جيدا، كيف حصلت على أول عمود ثابت في بداية سنواتها الجامعية، في إحدى الصحف العربية. فبعد حصولها على بكالوريوس في إدارة الأعمال تخصص مستشفيات، عُينت في إدارة أحد القطاعات الصحية في بلدتها. فاعتادت أن ترسل لي يومياتها في العمل في نصوص مضحكة، فكنت أتابع معها قصة رئيسها "وليد"، الذي أُعجب بسرعة إنجازها للعمل، وبمهارتها في كتابة التقارير باللغة الإنجليزية. ومع كل ذلك، لم يستطع إخفاء عداءه لعمودها الصحفي. فكان كثير الانتقاد والتهكم على كل ما تكتب، مع حرصه الخفي على متابعتها، فوضعها كمساعدة تحت إمرته، وسخرها لكتابة جميع مراسلاته، وتقارير العمل التي كانت ترُفع باسمه. مع أن مهاراتها الإدارية كانت أكبر من ذلك. في أحد الأيام قرأ لها موضوعا عن الخيانة الزوجية، فشعر بحنق شديد لم يستطع مداراته. في اليوم التالي قدمت له تقريرا للاطلاع، فتوقف عند عبارة (to Put)، وأخذ يؤنبها بأن أخطاءها زادت، وعمليات التصحيح المتكررة تلك…

الرؤية في المنطقة العمياء

الأحد ٣٠ أكتوبر ٢٠١٦

مساحة تصعب فيها الرؤية حتى في وضح النهار، مليئة بتحديات، تصل إلى حد قد يفقد فيه المرء حياته، إن لم يأخذها على محمل الجد. وعادة لا يحتاط لها إلا القائد المسؤول الذي يدرك جيدا عواقب التقليل من شأنها، فلا يجزم مثلا بأن السيارة خلفه تراه بوضوح، وحتما ستتجنب الاصطدام به، ولا يعتمد على قراءة المرآة، أو يكتفي بصوت كاشف الحركة فقط، بل يحرص على القيام بتلك "الخطوة الإضافية"، بتوقيت النظرة الخاطفة التي عليه أن يأخذها من فوق كتفه، في الوقت المناسب، نحو المنطقة العمياء، ليقيسها بدقة، قبل أن يعيد نظره في الثانية نفسها على الطريق. فكم من كارثة تسبب فيها قائد "غير مسؤول"، أعمته عنجهيته عن اتخاذ تلك "الخطوة الإضافية"، معتقدا بأن مجرد حصوله على رخصة يؤهله للقيادة، أو سيحميه من الاصطدام في المنطقة العمياء. تسابق بعض الوزراء، إبان تسلمهم الحقائب الوزارية الأخيرة، إلى تسجيل حضور مثير على وسائل التواصل الاجتماعي، فتناولوا مواضيع كانت بعيدة كل البعد عن الملفات المعلقة التي كان ينتظرها المواطن طويلا، ولم تحقق أبسط طلباته، فبالغوا في نشر صورهم بـ"المشالح الوزارية"، وأكثروا من تفخيم أنفسهم، خاصة بعد إعلان الرؤية، بعبارات مثل "ناقشنا، درسنا، بحثنا، نوينا، أجرينا" وهكذا! وتجاهلوا حالة الخوف التي عبّر عنها المواطن من الظروف الصعبة التي تتوعد به. وللحق، لم أر نموذجا للوزير الجاد…

تصدير الرأسمالية الأميركية

الخميس ١٣ أكتوبر ٢٠١٦

يطلق على الشخص الذي يسرق عمل وأفكار الآخرين "حرامي"، فإذا أعاد تدويرها، ورتبها في خطوط ملونة وقدمها بكل مكر باسمه يصبح "حرامي ومحتال". فإذا حاولت التلميح لرئيسك بهذا الأمر، فقد تُعاقب بقسوة تصل إلى تجميد مستقبلك الوظيفي. لأن من يفعل ذلك في نظرهم "مستشار إداري" وظيفته أن يعلمك كيف تفكر. فيراقب طريقة عملك، ويدون جميع المعلومات منك، ثم يقوم بتحليل كمي للحسابات والبيانات بطريقة جذابة، بعد إعادة تدويرها، وفي النهاية يقدمها لرئيسك باللغة الإنجليزية. في سنوات الكساد طرأت على "جيمس ماكينزي" فكره جهنمية، تهدف إلى تقليص حجم شركته، بعد أن عانت من خسائر فادحة وكاد أن يخسرها. بدأت الفكرة حين أخذ يعيد جداول حساباته، مطوراً طريقة حسابية تركز بشكل كبير على التكلفة والربح فقط، حين طبقها في 1935، على "شركة مارشال فيلد" لمتاجر التجزئة، انتعشت المتاجر وعادت تربح من جديد، ولكن ذلك الربح، جعل 1200 موظف يخسرون وظائفهم. لتخسر على أثرها إدارة الشركة ولاء بقية الموظفين داخلها. وبعد الحرب العالمية الثانية، انتعشت شركة ماكينزي واشتهرت، بعد أن قدمت لشركات عديدة، كانت تحتضر آنذاك فكرتها القبيحة، التي تهدف إلى تجويع الإنسان لتوفير المال. ولأن أغلب موظفي ماكينزي كانوا من الشباب آنذاك، ساهمت الشركة بإنشاء برنامج ماجستير يرتكز على "فكرة" مؤسس الشركة، لإدارة الأعمال بجامعة هارفارد. لتصبح هارفارد فيما بعد علامة تجارية…