إيمان الحمود
إيمان الحمود
إعلامية ومهتمة بالشأن الثقافي

لمأساة اللجوء وجه مشرق

الخميس ١٠ سبتمبر ٢٠١٥

سأواصل هذا الأسبوع الكتابة عن مأساة اللاجئين السوريين، لكنني هذه المرة سأحدثكم عن الوجه المشرق لهذه المأساة، فقبل عدة أسابيع كنت أتصفح ما تيسر بين يدي من صحف؛ لأقرأ خبرا عن لاجئ سوري في ألمانيا يدعى نجيب ورد وشقيقه كريم، تلميذان تفوقا على زملائهما الألمان في اللغة والمواد الدراسية، وذلك بعد ثلاثة أشهر فقط على التحاقهما بالدراسة، ما دفع مسؤولي التعليم هناك إلى تحويلهما فورا إلى مدرسة للمتفوقين. خلدون حميشة متفوق سوري آخر وفي ألمانيا أيضا، تغلب على ظروفه الصعبة ونال جائزة الهيئة الألمانية للتبادل العلمي للطالب الأجنبي؛ نظرا لجهوده العلمية والإنسانية في مساعدة أبناء بلده من اللاجئين، للحصول على قبول دراسي داخل الجامعات الألمانية. تلك القصص الملهمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة للنجاحات التي يحققها عدد كبير من السوريين، ممن اضطرتهم ظروف الحرب إلى ترك بلدهم وطلب اللجوء، ففي فرنسا احتفى الإعلام قبل عدة أشهر بالطالب السوري هيثم الأسود الذي جاء من درعا مهد الثورة السورية، ليتم قبوله في أهم المدارس الفرنسية، علما أنه قبل ثلاثة أعوام فقط لم يكن يتحدث كلمة فرنسية واحدة. هيثم انتقد في تصريحه لإحدى الصحف وبشدة مناهج التعليم في سورية، لا سيما مادة التربية القومية التي تزرع في نفوس الطلاب كما يقول ثقافة الخضوع والتبجيل لبشار الأسد ووالده، فضلا عن تلك المقررات التي تعتمد الحفظ والتلقين فقط؛…

طلعت ريحتكم!

الخميس ٢٧ أغسطس ٢٠١٥

من كان يظن أن يتغلب اللبنانيون على لعنة الأحزاب الطائفية التي لاحقتهم منذ نهاية الحرب الأهلية، ليرفعوا الصوت في ساحة رياض الصلح، تنديدا بمن حوّل "ست الدنيا" إلى مكب مفتوح للنفايات   إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، كنت أجلس مع عدد من الزملاء الصحفيين في أحد المقاهي القريبة من ميدان التحرير في وسط القاهرة، وتساءل عدد منهم عن سبب عدم هبوب نسائم هذا الربيع المنسوب لبلاد العرب على دول هي بأمس الحاجة إليه، لاسيما العراق الذي عاش منذ سقوط نظام صدام حسين سنوات عجاف من الفساد السياسي والتنازع على السلطة، والأمر نفسه ينطبق على لبنان هذا البلد الذي تلاطمته أمواج الأحزاب المؤدلجة سياسيا ودينيا وأبحرت به بعيدا عن بر الأمان. الإجابة كانت حاضرة في أذهان البعض، وغائبة عن أذهان البعض الآخر، إنها الطائفية المقيتة التي لم تسمح للعراقيين أو اللبنانيين يوما بالارتماء في أحضان أوطانهم، والنهوض كرجل واحد في وجه الفساد والمفسدين، لأن هؤلاء وقبل أن يمارسوا فسادهم على واقع الناس وحياتهم، امتهنوا فسادا فكريا طائفيا لتلويث عقول المواطنين وضمائرهم، فبات المسيحي يخشى المسلم، وأضحى السنة والشيعة خصوما بمباركة سياسية. لكن ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، فمن كان يتخيل أن يستيقظ العراقيون يوما، ويخرجوا في مظاهرات تندد بفساد الطغمة الحاكمة، وتطالب بفتح ملفات المسؤولين عن سرقة…

على رائحة دمائنا يتراقصون!

الخميس ٢٠ أغسطس ٢٠١٥

تابعت باهتمام قضية الكاتب الصحفي الأردني جهاد المحيسن، الذي فصل من عمله وأوقفته السلطات في مطار الملكة علياء الدولي عائدا من بيروت، بعد أن أعلن تشيعه على مواقع التواصل الاجتماعي، منتقدا ما وصفه بـ"تخاذل" الحكومة الأردنية، وداعيا إلى إنشاء جيب للمقاومة في جنوب الأردن على الحدود مع إسرائيل.  منذ تسعينات القرن الماضي، برعت إيران في التغلغل داخل بعض الدول، رغبة منها في نشر مشروعها بطريقة سلمية، إثر فشل فكرة تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية عن طريق العنف بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وفي سبيل ذلك طرقت طهران أبوابا كثيرة للولوج إلى المجتمعات العربية، لا سيما تلك التي تعاني مشكلات اجتماعية وسياسية.  في المجتمع الأردني الذي أزعم أني أعرفه عن كثب، حاولت إيران استغلال العواطف الجياشة لدى المواطنين -والذين يرجع عدد لا بأس به منهم إلى أصول فلسطينية- فكانت قضية القدس هي المفتاح ومحور معظم الفعاليات والأنشطة التي تشرف عليها سفارة طهران في عمان، فضلا عن التعاطف مع حزب الله اللبناني والذي برز خاصة بعد حرب ٢٠٠٦، باعتباره شوكة قد غرست في عنق إسرائيل بمباركة إيرانية، كل ذلك كان سببا رئيسيا في الدفع بوهج المخطط الإيراني داخل أوساط الشباب الأردني، وأعتقد أن إيران آنذاك قد نجحت في مسعاها إلى حد ما، فظهرت حركة تشيع في الأردن أعلنتها فئة قليلة، وأضمرها كثيرون.  داعش…

رحلة الموت.. بحثا عن الحياة!

الخميس ١٣ أغسطس ٢٠١٥

قبل بضع سنوات وفي يوم باريسي ممطر، اخترت دخول إحدى صالات السينما لمشاهدة فيلم فرنسي استأثر باهتمام الجمهور والنقاد في ذلك الوقت إلى درجة أنه شجع البرلمان بعد أن عرض تحت قبته، على إعادة النظر في قانون كان يعاقب بالسجن أو الغرامة على أي شخص يتستر على مهاجر غير شرعي داخل الأراضي الفرنسية، حتى لو كانت دوافعه إنسانية.  قصة الفيلم باختصار تدور حول شاب كردي عراقي يدعى "بلال" تمكن من الوصول إلى مدينة "كاليه" الفرنسية التي تعد أقرب نقطة للعبور إلى الأراضي البريطانية، ويتجمع فيها سنويا المئات من الراغبين بالوصول إلى هناك، هذا الشاب طلب من مدرب سباحة محلي أن يعطيه دروسا في السباحة؛ أملا في أن يتمكن من عبور المسافة الفاصلة بين النقطتين الفرنسية والبريطانية والبالغة نحو خمسة وثلاثين كيلومترا بحرا، غير مكترث ببرودة مياه "المانش"، ولا بالمخاطر التي قد تصادفه أثناء قيامه بمغامرته غير المحسوبة.  لم أصدق حينها أن سيناريوهات الأفلام يمكن أن تتحقق على أرض الواقع، وبشكل أكثر قسوة، إلا وأنا أقرأ الأسبوع الماضي قصة المهاجر السوداني الذي تمكن وبأعجوبة من عبور النفق الفاصل بين فرنسا وبريطانيا تحت مياه البحر مشيا على قدميه، متفاديا كل كاميرات المراقبة، فضلا عن القطارات التي تسير بسرعة ١٦٠ كلم في الساعة، وأسلاك الكهرباء الشائكة التي يعج بها المكان، وعلى الرغم من…

عاشق الإسلام.. مؤمن بعيسى

الخميس ٣٠ يوليو ٢٠١٥

في ربيع عام ٢٠١٣ كنتُ في مدينة مرسيليا جنوب فرنسا لحضور فعاليات منتدى لحوار الحضارات لدول المتوسط، وتشرفت بلقائه، إنه "الأب باولو دالوليو" أيقونة من أيقونات الثورة السورية. قبل أكثر من ثلاثين عاما اختار الأب باولو الاستقرار في سورية كوطن بديل لوطنه الأم إيطاليا، فأتقن العربية واختارها لغة لجماعة "أبناء إبراهيم الخليل" التي أسسها، وهي جماعة تهدف إلى عقد مصالحة وحوار بناء بين أبناء إبراهيم عليه السلام من مسلمين ومسيحيين ويهود. وأكبر شاهد على ذلك هو دير مار موسى الحبشي بالقرب من مدينة النبك، والذي أصبح محجا لكل زوار سورية في العقود الماضية، إذ قام هذا الرجل الخمسيني بلحيته البيضاء وشعره الأشعث بترميم هذا الدير المهجور العائد إلى القرن السادس الميلادي، وجعله ملتقى روحيا وثقافيا لكل أبناء هذا البلد. يقول الأب باولو في إحدى مقابلاته الصحفية: "هناك عنصر وحيد فاجأني في الثورة السورية، ألا وهو الشباب. هؤلاء الشباب أدهشوني بنضجهم السياسي والإنساني، وباستعدادهم للتضحية بحياتهم في سبيل استردادهم كرامتهم وحقوقهم، وفي سبيل قيم الأخوة والمساواة التي يؤمنون بها. أنا في حياتي كلها لم أتعلم عن كرامة الإنسان، بمثل ما تعلمت من الشباب السوري مؤخرا". كانت آراؤه تلك كفيلة بجعل النظام السوري راغبا في إبعاده إبان انطلاق الثورة، وفعلا تم الإيعاز للكنيسة التي يتبعها بإنهاء خدماته، وترحيله قسرا إلى بيروت، ظل…

المعجزة الروسية!

الخميس ٠٩ يوليو ٢٠١٥

هذا هو الوصف الذي أطلقه عليها وزير خارجية النظام السوري بعد زيارته الأخيرة إلى موسكو. زيارة جاءت بعد أخرى تاريخية قام بها ولي ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان، ويبدو أن تقارب موعد الزيارتين دفع بأقلام الكتاب والمحللين للحديث عما يطبخ سرا داخل المطبخ الروسي، حول مقاربة جديدة لحل الأزمة السورية. فبعد سلسلة من المحادثات الفاشلة في جنيف تبعتها أخرى لا تقل فشلا في موسكو، يبدو أن الروس قد وجدوا في فزاعة تنظيم الدولة الإسلامية ما قد يدفع أطراف النزاع في سورية إلى التوحد والانضواء تحت مظلة تحالف يهدف للقضاء على طموحات "داعش" التوسعية داخل الأراضي السورية ودول الجوار. هذا التحالف "المعجزة" سيضم بحسب دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أربع عواصم إقليمية هي الرياض وأنقرة وعمان ودمشق، ويستثني بشكل يدعو إلى الريبة طهران، التي اعتبرت نفسها دوما اللاعب الرئيسي في الملف السوري، وساعدها في ذلك الموفد الدولي لحل الأزمة السورية ستيفان دي مي ستورا، كما فعلت أيضا موسكو نفسها طيلة سنوات الأزمة السورية، ولا ننسى الخطبة العصماء لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر جنيف مطلع العام الماضي وهو يتهم العالم بارتكاب خطأ فادح لعدم دعوة إيران للمشاركة في المؤتمر! ورغم أن هذه المبادرة قد تصدرت مباحثات وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة مطلع هذا الأسبوع في فيينا، إلا…