الاســــتـقـرار الــســيـاســــي بـيـن الــشــــرطين الـــضـــروري والكــــــافــي د. محمد القنيـبط

أخبار

في المقابلة الأخيرة من لقائي مع الدكتور سليمان الهتلان في برنامج حديث الخليج في شهر يونيه 2012م، طرحت وجهة نظر لتصوُّر “شخصي” لأسباب أو شروط حدوث خلل في الاستقرار السياسي للدولة أو الحزب الحاكم، حيث أوجزته بأنه شرطين: شرط ضروري وشرط كافي. وهذا المنهج (شرط ضروري وشرط كافي) مشهور لدى العلوم البحته، خاصة الرياضيات؛ حيث نقلها الاقتصاديين إلى فروع علمهم العديدة.

وقد وصلني رسائل من مشاهدين للحوار استحسنوا هذا الطرح، لذلك رأيت أن أتوسع في هذا الطرح وكتابته بقليل من الإسهاب وإرساله لموقع الهتلان بوست، الذي وَعَدتْ “ولي أمره” الدكتور سليمان الهتلان بالمشاركة فيه بمقال. وأرجو المعذرة على التأخر في تنفيذ وعدي.


شـروط الاسـتقرار السـياسي

من وجهة نظري الشخصية، فإنَّ حدوث عدم الاسـتقرار السـياسـي لأي دولة يحتــاج إلى شـرطين مُهمين:

(1)      الشـرط الضــروري Necessary Condition.

(2)     الشرط الكــافي Sufficient .


أولاً: الشــرط الضــروري

الشرط الضروري أو الأساسي لحدوث عدم الاسـتقرار السياسي للدولة (أو الحزب الحاكم) يندرج تحته العديد من العوامل أو الأسباب التي تتشابه بين كثير من الدول والمجتمعات مع وجود اختلافات بسيطة في دول دون غيرها (سيتم الإشارة لها في موقعها). ومن أهم الأسـباب أو المشاكل التي تندرج تحت الشرط الضروري ما يلي:

(1)      ارتفاع نسبة البطالة.

(2)      طوفـان من العمـــالة الوافــدة النظـامية وغير النظـامية (هذا السبب خاص بدول الخليج العربي فقط).

(3)      تكوين سـُكَّاني يَغلُب عليه الشباب (في السعودية 75% من السكان أعمارهم دون 30 سنة).

(4)      شــــــبه انعدام الطبقة الوسطى من السكان.

(5)      إنتشــار الفســاد في القطاع الحكومي وشبه الحكومي.

(6)      فساد المتنفذين بالسلطة وهدر واضح للمال العام.

(7)      التعدي على المال العام والملكية العامة للدولة بصور أو طرق مفضوحة.

(8)      خلل في سيادة القانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء.

(9)      كثرة التذمُّر بين المواطنين على جميع المستويات والطبقات الاجتماعية (في السعودية: ظاهرة التذمُّر وصلت مرحلة خطيرة جداً كونها متواترة على جميع طبقات الدخل والمستويات الاجتماعية، يضاعف من خطورتها وسرعة إنتشارها وسائل التواصل الاجتماعي من تويتر وفيسبوك، حيث تفيد الإحصاءات أنَّ 40% من تغريدات تويتر في العالم العربي كانت من السعودية).

(10)     احتكار السلطة وعدم مشاركة الشعب في صنع القرار.

(11)     امتلاك نسبة صغيرة جداً من السكان لغالبية ثروات البلد.

(12)     استفحال نفوذ رجال الأعمال بدعم من السلطة الحاكمة.

(13)     عدم تكافؤ الفرص.

(14)     اتساع دائرة الفقر.

(15)     تفاقم أزمة السكن.

(16)     تدهور المستوى المعيشي لشريحة كبيرة من المواطنين نتيجة التضخم وتدني مستويات دخلهم.

(17)     تزايد عدد المعتقلين أو الموقوفين، سواءً في قضايا الرأي أو القضايا الأمنية والإرهابية، وتأخُّر محاكمتهم لسنوات طويلة.

(18)     جـرأة المواطنين في التصريح بمطالبهم (في السعودية: مظاهرات أو احتجاجات الطلبة والطالبات في بعض الجامعات السعودية، ومظاهرات سياسية ضخمة في الكويت والبحرين).

(19)     تدني خطير في مستوى هيبة الدوله وأجهزتها الأمنية (في السعودية: تدهور خطير جداً في إلتزام السائقين بأنظمة المرور، وشبه اختفاء دوريات المرور من الشوارع والطرق، إضافة إلى تكرر حوادث الاستهتار وأحياناً التعدي على رجال المرور).

(20)     إرتفــاع وتـيرة النعـرَة القَبَليِّــة (في السعودية بسبب مسابقات مزاين الإبل، وفي الخليج مسابقات الشعر النبطي).

(21)     إرتفــاع وتـيرة النعـرَة الطَبَقيِّـة (في السعودية دخل القضاء في قضايا عدم تكافؤ النسب).

(22)     تزايد التفـاخر العائلي (في السعودية رعى بعض كبار الأمراء بعض الاحتفالات العائلية).

(23)     إنتشـار الجـريمـة بجميــــع أنواعهـا، واكتظاظ السجون (في السعودية: غالبية السجون مزدحمة بضعف طاقتها الاستيعابية على الأقل).

(24)     إنتشــار الـمخـــدرات (28% من ضبطيات حبوب الكبتاجون في العالم تمت في السعودية).

(25)     ضعف أو شـبه إنعـــدام التعــاون بين الأجهزة الحكومية.

(26)     تدهور خطير في مستوى الخدمات العامة من صحية وتعليمية وبلدية وخلافها.

(27)     إنخفـــاض خطـير في مستوى الأمن الشخصي.

(28)     التضييق على حرية التعبير واضطهاد أصحاب الرأي.

(29)      ضعف الجهاز القضائي، والقصور في استقلال القضاء ونزاهته (في السعودية: نقص خطير في عدد القضاة مقارنة بعدد السكان).

(30)     كــثرة المشــاكل الاجتمـاعية مثل: جرائم عائلية، إنفلات المراهقين، الطلاق (الكويت 36%، السعودية 33%)، …..

(31)     عــلاج مشـــاكل الحـاضـر بسـياسـات الـمــاضي (الزمن عــلاج لكل أزمة، عدم الاستجابة لتوقعات الشارع في إحداث تغييرات في مسئولين تعرضوا لنقد عنيف بسبب إخفاقاتهم).

(32)     الخلل في استقلال القرار الوطني وسيادته.

(33)     بطء السلطة التنفيذية في ملء شواغر الوظائف القيادية (خاص بالسعودية).

(34)     إسـتفزاز بعض المسئولين لمشــاعر المواطنين بتصريحاتهم الغريبة (في السعودية: تعليق وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف بشأن مساحة منزل الإسكان، تعليق وزير الزراعة الدكتور فهد بالغنيم بشأن قدرة المستهلك على أسعار اللحوم الحمراء، أو تصريح رجل الأعمال صالح كامل بشأن دعوته الشباب السعودي للعمل في سوق الخضار).

(35)     مجـاملـة الوزراء والمسئولين التنفيذيين لبعضهم البعض على حساب المصلحة الوطنية (خاص بالسعودية).

(36)     إنتشـار خطير للنفـاق الممجوج والكـذب والدجل العلني وأحياناً من كبار المسئولين وعلى وسائل الإعلام المحلية والإقليمية.

وعلى الرغم أنَّ بعض عوامل أو أسباب الشرط الضروري هذه لم تتوفر في دول الربيع العربي، إلاَّ أنَّ الاستقرار السياسي، أو بالأحرى الحزب الحاكم لتلك الدول تعرَّض للتغيير، والسبب في ذلك هو تحقق “الشرط الكافي” في تلك الدول، حيث حَدَثَ تَغيُّر سياسي جذري، بل وبسرعة البرق في مصر وتونس. فما هو الشـرط الكـافي لحدوث القلاقل السياسية !؟ 


الشــرط الكـافي

الشرط الكافي لحدوث خلل في الاستقرار السياسي للنظام الحاكم هـــو “إنعدام أو تزعزع الثقـة بين الحـــاكم والـمحـكــوم”.

فالتغـيُّر أو الإضطراب السياسي للدولة أو الحزب الحاكم سيتحقق بتحقق الشرط الكـافي (تزعزع ثقة الشارع بالقيادة السياسية). بمعنى آخر: التغـيُّر أو الإضطراب السياسي في أي دولة سيتحقق بتحقق الشرط الكـافي، حتى ولو لم تكتمل الأسباب أو المشاكل العديدة التي تندرج تحت الشرط الضروري، كما ذكرنا سابقاً. ومن الأمثلة على هذه الحقيقة ما حَـدَثَ لنظام زين العابدين بن علي في تونس، ونظام حسني مبارك في مصر، ونظام  معمر القذافي في ليبيا، ونظام علي عبدالله صالح في اليمن، وما يحدث حالياً من مآسي بشرية وإنسانية في نظام بشار الأسد في سـوريا.


قبل فوات الأوان !؟

لا يختلف إثنان على تأثُّر دول الخليج العربي برياح الربيع العربي، ولو بنسب أو بدرجات متفاوتة جداً؛ مما أدى إلى استجابات أيضاً متفاوته على المستوى الرسمي لكل دولة خليجية بعينها.

فقد قامت بعض هذه الدول الخليجية بعلاج “أعراض” بعض أسباب أو عوامل الشرط الضروري علاجاً مؤقتاً من خلال تبني سياسات أو إستراتيجيات “الإدارة بالأزمات” CRISIS MANAGEMENT. وينَدرِج تحت هذه السياسات ما صَدَرَ من قرارات في بعض تلك الدول الخليجية، مثل: إحداث آلاف الوظائف الحكومية من مدنية وعسكرية، زيادة مرتبات موظفي الحكومة، توزيع الهبات المالية لموظفي الحكومة، التوسع في مشاريع الإسكان العام، وغيرها من القرارات العاطفية اللحظية. كل هذه “المُهدِّئات” في غالبية الدول الخليجية سيزول مفعولها في المستقبل القريب جداً، لأنها لم تقم بعلاج “جوهر” الأسباب أو العوامل والمشاكل المنضوية تحت الشرط الضروري.

إلا أنَّه في ظل “متانة” العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الدول الخليجية (حتى الآن)، والذي يُضيف نوعاً من “الحزام الأمني” يَحولْ دون تحقق “الشرط الكافي” بصورة مفاجأة أو على الأقل تحييده على المدى القصير أو المتوسط، وهذا “الحزام” لم يتوفر للأنظمة السياسية في دول الربيع العربي حينما فاجأها “فصل” الربيع العربي على حين غفلة. وبالتالي فإنَّ الطريق لازال مفتوحاً أمام القيادة السياسية في دول الخليج العربي للقيام بالإصلاحات الحقيقية التي تُعالِج أسباب أو عوامل ومشاكل الشرط الضروري السابق الإشارة إليها مُعالجةً فعليِّة لجوهر المشكلة، والتوقف عن استخدام استراتيجيات الإدارة بالأزمات أو المُهدِّئات اللَحظيِّة. إنَّ بدء الحكومات الخليجية بالإصلاحات الحقيقية من سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها، سيضمن استمرار الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه الدول التي بدأت منذ أكثر من نصف قرن، وبالتالي ثانية مُبتعدةً عن أيَّة “مَطبَّات” سياسية خطيرة لا تحمد عُقباها كالتي تمُر بها حالياً دول الربيع العربي.

فهل تستطيع دول الخليج العربي استغلال “رياح” الربيع العربي لمساعدتها في “إســتحلاب” ســُحُبْ الربيع العربي لتَهطـِلْ الأمطار على أراضيها الصحراوية، وبالتالي تُجنِّبُها أية “عواصف تُرابية” مؤكَّدة إذا استمر إنحسـار “الأمطـار” عن أراضيها الصحراوية القاحلة الخالية من الأنهار والبحيرات !؟

خاص لــ (الهتلان بوست)