أحمد أميري
أحمد أميري
كاتب اماراتي

أيها الإماراتيون… أرجوكم!

آراء

لا يغيب عن بالي وجه مستثمر روسي قدم إلى الدولة في التسعينيات بقصد مزاولة نشاط تجاري، وأقنعه شخص يرتدي كندورة بتسليمه آلاف الدولارات، ثم اختفى ذلك الشخص. وبسؤال الروسي في التحقيقات عن ضمانات تسليم النقود، قال إن الضمانة كانت الكندورة، فمن يرتدونها معروفون بالشرف والأمانة.

يبتعد عن الصواب من يعتقد أن عجلة الازدهار والتنمية في الإمارات ما كانت لتدور لولا النفط، فماذا جلب النفط لدول، ستخطر ببالنا الآن، إلا الدمار والاقتتال؟ أو من يختصر نجاح الإمارات بقوة الإرادة، والكفاءة، والتخطيط، فمن يسوقون شعوبهم للحروب ويصبّون على رؤوسهم البلاء لديهم قوة إرادة أيضاً، وكفاءة، وتخطيط، لكنها تستخدم حطباً لنيران الطمع والعدوان.
وواهم من يتصوّر أن الأيدي الخفية هي التي تدفع الدول إلى الهاوية، وأن دولاً تحدد مصير دول أخرى بقرار واحد، أو أن قوة الجيوش هي التي تضمن الاستقرار، أو أن القدرة على مواجهة التحديات تكون بعقد التحالفات مع الدول الكبرى، أو أن دوام النعم من كثرة دور العبادة وانتشار التديّن، فكلها مهمة، لكنها لا تغني شيئاً ما لم يكن أهل البلد في عمومهم خيّرين.

لكن للأسف، في قوانين السياسة، لا يُذكر الخير والشر، بحجة أن طبيعة السياسة متغيرة، وربما يخجل المتخصص في العلوم السياسية من ذكر الخير والشر على لسانه، لئلا يصبح «درويشاً» وساذجاً مغفلاً، فالاعتبارات الأخلاقية عندهم تخص البشر وليس الدول، لاختلاف الغايات، واختلاف طبيعة العلاقات.

لكن الذي نراه بأعيننا، وما نقرأ عنه في كتب التاريخ، أن نظرة «الدراويش» هي الصحيحة، والدول الخيّرة تذهب في طريق، والشريرة في طريق آخر، لأنه ببساطة ووضوح شديدين، الدولة الخيّرة ناسها خيّرون، والعكس بالعكس. والأرض تتعهد بإعطائك الرطب إن زرعت النخيل، ولن تجد عناقيد العنب تتدلى منها، فهي قوانين الأرض، وهي التي تسود في النهاية. وتقرّ نفوسنا أن الإنسان الخيّر سيجد مخرجاً إن تحداه الزمن بجدار من المصاعب، وتقرّ أيضاً بأن الشرير لابد سيهلك خلف الجدار. والنهايات رهن البدايات، على مستوى الفرد أو المجموع.

في سباق التتابع، ينطلق العدّاء بأقصى سرعته وهو يحمل عصا صغيرة ليوصلها لزميله الذي يقف على بُعد مسافة ينتظره، ثم يحمل عنه العصا ويتابع السباق بدلاً منه ويجري إلى العدّاء الثالث في الفريق، وهكذا، إلى العدّاء الرابع والوصول إلى خط النهاية.

وصورة ما يجري في الإمارات في مخيلتي قريبة من هذا المشهد، لو لم يكن عموم الناس هنا، في الثاني من ديسمبر من سنة 1971 خيّرين، لما كنا نحن الآن ننعم بالعيش في دولة حديثة، آمنين مطمئنين مستقرين مرفّهين. هم خاضوا التحدي وأدّوا ما عليهم وعند مرحلة معينة حمّلونا الأمانة، وعلى طريق المستقبل، ينتظرنا أبناؤنا.

اللباس، حسب أحد الباحثين، نص قابل للتأويل، ولم يكن تأويل الروسي للكندورة بأنها زي الرجل الخيّر عبثاً أو غباء منه، وعلينا كإماراتيين واجب عدم تخييب ظن الآخرين فينا، ليس حباً فيهم، وإنما حباً لأنفسنا، وأولادنا. فنحن كأفراد عاديين أجزاء في صورة كبيرة، نحن من يشكّلها بمجموعنا في النهاية، فيا أيها الإماراتيون، أرجوكم، لنزرع الخير ليحصده أبناؤنا، كما زرع الآباء في الثاني من ديسمبر.

المصدر: جريدة الاتحاد