عبدالله النعيمي
عبدالله النعيمي
كاتب وروائي إماراتي

قلوب تنتظر!

آراء

أثناء خروجي من صلاة الجمعة توقفت لدقائق مع صديق قديم, لم أره منذ زمن, وأخبرني خلال حديثه معي عن رغبة والده في بناء مسجد في منطقتنا يتسع لقرابة خمسمئة مصلِ. فقاطعته قائلاً: جزاه الله خيراً, لكن ألا تلاحظ بأن المنطقة تزدحم بأكثر من ثمان مساجد, وعدد المصلين في معظمها لا يتجاوز أصابع اليدين في الصلوات الخمس؟

فأجابني بثقة قائلاً: ولكن لا تنسى بأنها صدقة جارية, يتجدد أجرها في اليوم خمس مرات, وتستمر في توليد الأجر لعشرات السنين.

فاقترحت عليه أن يفكر في مشاريع أخرى أكثر ندرة, بحيث تولد منفعة أكبر للمجتمع, وتنطبق عليها شروط الصدقة الجارية. فأجاب: لا توجد مشاريع أخرى تناسب ميزانيتنا, فالمدارس والمستشفيات تكاليفها باهظة للغاية, لذلك تبقى المساجد هي الخيار الوحيد المتاح أمامنا.

حاولت إقناعه بالتكفل بعلاج مرضى أو تسديد فواتير أو كفالة أيتام, لكنه كان يعتذر عنها لأنها ( حسب وجهة نظره ) لا تنطبق عليها شروط الصدقة الجارية, وبالتالي لن تولد أجراً دائماً يتجدد في اليوم خمس مرات, كما هو الحال في مشروع المسجد. عندها توقفت عن مجادلته وتمنيت له التوفيق, ونصحته أن يستشير جهات الاختصاص في الدولة, لعلها تدله على مشاريع أكثر أولوية وتخدم المجتمع بصورة أكبر.

 ركبت سيارتي عائداً إلى المنزل, وأنا أتساءل: هل يعقل أن نحصر إنفاقنا الخيري في مشاريع محددة, فقط لأنها تولد أجر مستمر؟

 أعتقد أن هذا الأسلوب من التفكير يشوبه شيء من عدم الفهم, وأتمنى من علماؤنا الأفاضل توضيح هذه المسألة. فالمتبرع هنا يفكر في الأجر الأخروي الذي سيحصل عليه, ولا يفكر في البعد الإنساني للصدقة أو مردود مشروعه على المحتاجين. واعتقد أن أسلوب التفكير هذا يتعارض جذرياً مع الغاية التي شُرعت من أجلها الصدقة والزكاة وغيرها من وجوه الإحسان, وهي التخفيف من معاناة الآخرين.

فإذا جاءك مسكين يطلب مساعدته في علاج أحد أفراد عائلته, وتأكدت من صدق كلامه وصعوبة ظروفه, فأعتقد أنه حالته تكتسب أولوية مطلقة على ما سواها من الحالات, سواءً من الناحية الدينية أو الإنسانية, حتى وإن كان الأجر فيها منقطع وغير دائم, أو بعبارة أخرى حتى وإن كانت لا تنطبق عليها شروط الصدقة الجارية.

فالأولوية يجب أن يحددها المردود الناتج عن المشروع قبل أي معيار أخر, والله ( سبحانه وتعالى) كريم, يعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور, ولن تخفى عليه نوايا عباده, ولن يبخس المحسن أجره, بل سيعطيه وسيضاعف له العطاء ما دامت نيته طيبة, وتهدف إلى تحقيق أكبر منفعة للمحتاجين.

لو فكرنا بهذا الأسلوب, ولو رتبنا أولويات الإحسان حسب حاجة المجتمع إليها, لن نرى هذا التكرار السلبي والمُخفض للعوائد. بل سنرى إنفاق خيري رشيد, يستهدف الحالات الأكثر أولوية, وعندها فقط سنحقق الغاية التي شرع الإسلام وجوه الإحسان من أجلها.

المصدر: صحيفة الرؤية