مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

ريشة .. وربيع

آراء

1

قبل زمن «الكيبورد، وقبل زمن القلم الجاف وما سبقه من أقلام حبر ورصاص وغيرها، وقبل توظيف القصب للانطلاق بروائع الخط العربي .. قبل كل ذلك كان لريشة الطير حضور كتابي في عصور أحسب أن أهلها اعتبروا من يكتب بالريشة بعد غمسها بدواة الحبر متطوراً وحداثياً. وعلى الرغم من التطور الكتابي وابتكار ريشة معدنية مصنوعة من الفولاذ، استمر الناس يسمونها ريشة، حتى قلم الحبر العادي فإن الجزء الأمامي منه الذي يلامس الورقة مازال اسمه ريشة.

لم ينحصر استخدام الريشة لدى العرب قديماً في الكتابة، بل كانت تثبت في آخر السهم لينطلق في الفضاءات برشاقة فيصيب مرماه.

2

يقولون في اللغة:

رَاشَ الطَّائِرُ رَاشَ رَيْشاً: نبَتَ رِيشُهُ. ورَاشَ فلانٌ: استَغْنَى. ورَاشَ السَّهْمَ: رَكَّبَ عليه الرِّيشَ، فهو مَريشٌ. ورَاشَ فلاناً: قَوَّاهُ وأعانَهُ وأصَلَحَ حالَهُ.

ويقال: رَاشَه اللَّه: أنْعَشَهُ. وراشَهُ اللَّه مالاً: أَعطاهُ إياه. ورَاشَ السُّقْمُ فلاناً: أضْعَفهُ .

ويقال: لا تَرِشْ عَلَيَّ: لا تعترضْ لي في كلامي فتقطعَهُ عَلَيَّ. وفلانٌ لا يَرِيشُ ولا يَبْرِي: لا يَضُرُّ ولا ينفعُ .

3

ريشة جناح طير الإوز هي الأفضل للكتابة بحسب الروايات لكون أشكال الحروف المرسومة بها أجمل، وإذا تعذر وجودها يتجه الكتاب إلى ريش الصقر والعقاب، وربما الديك الرومي أو الغراب. ومع تدبيبها وبري رأسها وغمسها بالدواة يتدفق قليل من الحبر إلى التجويف الصغير داخلها، فيدوّن الكاتب ما يريد.

4

ورُوي أيضاً أن محترفي الخط ممن يكتبون باليد اليمنى يأخذون ريش الجناح الأيسر للطير لأن زاوية الكتابة تكون متناسبة مع ميلان الريشة إلى الجهة اليمنى، أي متوافقة مع اتجاه حركة اليد ما يسهل حركتها. فينال على سبيل المثال خط الثلث حقه من ميلان الزاوية، وهي مختلفة عن زاوية الخط الديواني أو النسخ أو التعليق.

والأرجح في هذه الحال أن خطاطي اليد اليسرى يأخذون ريشة الجناح الأيسر.

5

الأمتع في حكاية ريشة الكتابة المأخوذة من أجنحة الطيور أن أفضلها على الإطلاق تلك التي تؤخذ خلال فصل الربيع من الطيور الحية، وهنا يكمن سر إلهي أدركه الخطاطون بحكم ممارسة الكتابة جيلاً بعد جيل.

6

سر «الربيع» لم يتوقف عند حد الريشة والخطاطين العرب، بل انتقل إلى الشعوب فـ «راشت» سهامها، وأطلقت ربيعاً أطاح بأنظمة شمولية وزلزل الأرض تحت الطغاة.

7

ثمة وطن هناك يئن، وإنه زمن الكتابة .. زمن الريشة والربيع.

المصدر: صحيفة الرؤية