الإنفاق الحكومي وخلق الوظائف

آراء

ما هو المقياس لتحديد مدى تدخل الحكومة في اقتصاد الدولة عن طريق الإنفاق الحكومي؟ لاحظوا هُنا أنني لست ضد نظريات ماينارد كينز، ولكن ما جعلني أفكر بهذا الموضوع هي مجموعة من الأحداث التي أخذت مجراها على الساحة الاقتصادية العالمية في السنوات الخمس الماضية. لا أحد يهتم بالنمو المؤقت أو بخلق الوظائف المؤقتة، إذا أرادت حكومة ما التدخل في سوق الوظائف فعليها أن تحرص على أن يكون هذا التدخل على أقل قدرٍ ممكن وأن يكون ذا فاعليةٍ عالية باتباع أفضل الإجراءات في استقطاب وتوظيف الكفاءات العالية في كافة مؤسسات الدولة. لا يمكن لأي حكومة أن تخلق وظائف كافية حتى وإن كان النمو السكاني فيها بطيئًا، كما لا يمكن لأي حكومة أن تستمر في خلق الوظائف في وقت الأزمات المالية.

دائمًا ما يتم تناول خبر إعلان السياسات التقشفية للحكومات بسلبية خاصةً وأن معظم دول أوروبا ربطت هذه السياسات بإنهاء خدمات العاملين في القطاع الحكومي، ويتم إنهاء خدمات المزيد من العاملين في القطاع الحكومي إن لم ترضِ المرحلة الأولى متطلبات البنك المركزي الأوروبي، أو أسوأ من ذلك، متطلبات صندوق النقد الدولي. إن خلق الوظائف في وقت الأزمات أشبه بالدوران في حلقة مفرغة لا نهاية لها؛ فحين يتعثر الناس في دفع التزاماتهم تجاه القروض البنكية، تواجه الشركات خطر الإفلاس، وحين تكون الشركات على وشك إعلان إفلاسها، ماذا على الحكومة أن تفعل؟ إن كانت تلك الشركات “أكبر من أن تفشل”، لا تملك الحكومة خيارًا سوى أن تقوم بدعم هذه الشركات عن طريق منحٍ أو قروضٍ توفر لها، أو أن تقوم بتأميمها الشركات. إذا تم اعتماد الخيار الأخير، سيسهم ذلك في إبقاء العاملين بتلك الشركات على وظائفهم مبدئيًا ولكن سيكون الوضع أسوأ مما كان عليه سابقًا إن حلت بالاقتصاد العالمي أزمةٌ جديدة وكان جدول دفع الرواتب الحكومي أضخم مما يُفترض به أن يكون. أما بالنسبة لباقي الشركات التي لم تتلقَ أي مساعدة، ستبدأ بخفض تكاليفها التشغيلية بالتخلص من العمالة الزائدة لمحاولة تجنب الإفلاس أو لتكون خيارًا مغريًا للشركات الكبيرة لتقوم بالاستحواذ عليها. قد تقوم الشركة الجديدة على أي حال بإعفاء المزيد من الموظفين من خدماتهم متى ما صار زمام الأمور بيدها.

في اليونان، تم إعفاء ما لا يقل عن 2000 موظف حكومي في يونيو الماضي كجزء من خطة اليونان لخفض عدد العاملين بالحكومة بما لا يقل عن 15000 وظيفة بحلول عام 2015. نتيجة لهذه السياسة التقشفية، ارتفع معدل البطالة إلى 27% ومعدل البطالة بين الشباب إلى 62%، ولأن هذه الأرقام متقاربة في كل الدول الأوروبية التي تعاني تبعات الأزمة؛ إذًا ما هي الرسالة المستشفَّة من معدلات البطالة المرتفعة؟ لو كان القطاع الحكومي ملتزمًا بعدم توظيف إلا العدد الذي يحتاجه لإدارة مؤسساته ووزاراته، هل كنا سنواجه هذا النوع من البطالة المتزايدة بسبب تزايد أعداد من يتم إعفاؤهم من الخدمة؟ تكمن المشكلة بعدها في أنه على الناس أن تصبر وأن تكون متفهمة تجاه هذه السياسات التقشفية حتى تقوم الحكومة بالتوظيف من جديد أو حتى يبدأ القطاع الخاص بالاستثمار وتوفير فرص عمل جديدة، أو كخيارٍ أخير، أن تقوم الحكومة بخصخصة الشركات المملوكة لها باجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

يجب على الحكومات أن لا تكون اللاعب الأساسي في خلق الوظائف وإنما أن تقوم بدعم القطاع الخاص للنمو وخلق معظم الوظائف بينما تحرص الحكومات على أن يكون تدخلها في سوق العمل لرعاية مصالحها الوطنية ووضع معايير وأهداف تختص بتوطين بعض الوظائف، كما يجب أن تختلف هذه المعايير والأهداف بحسب القطاعات المختلفة. ثم على الحكومات أن تستثمر ما يتم توفيره من نفقات حكومية متمثلة في رواتب كانت تُدفع في السابق بتطوير برامج تدريبية لمواطنيها حتى يتمكنوا من المنافسة بشكلٍ طبيعي في سوق العمل. على الحكومات كذلك أن تشجع الاستثمارات الأجنبية باستصدار قوانين تحمي هذه الاستثمارات وقوانين لتجنب الازدواج الضريبي وعلى الحكومات أيضًا أن تلتزم بتوفير وظائف إضافية فقط لتعويض ما تم فقده نتيجةً لتباطئٍ في حركة العجلة الاقتصادية التي أثرت بدورها على القطاع الخاص لا أن يكون هدفها توظيف مواطنيها. في ختام المقال، كيف يمكن للحكومات ان تبقي على الوظائف التي تنتج عن مشاريع الإنفاق العام بعد انتهاء هذه المشاريع؟

أترك الجواب لكم.

المصدر: ترجمة عن Gulf News