الفرنسيون «يتقاسمون السيارة» لتوفير استهلاك الوقود

منوعات

حسن الحسيني من باريس

لعبت الأزمة الاقتصادية التي تعيشها فرنسا دوراً كبيراً في سطوع نجم شبكة الإنترنت في تطوير الاقتصاد الاجتماعي، أو على الأقل في دفع الفرنسيين إلى البحث عن سبل لتخفيض نفقاتهم.

ويعد أحد أوجه الأزمة الاقتصادية تراجع استهلاك الفرنسيين لوقود السيارات خلال النصف الأول من العام الجاري، بنسبة 6 في المائة بالمقارنة بالفترة ذاتها من عام 2012، الذي سجل بدوره تراجعاً في استهلاك الفرنسيين للوقود بالرغم من تراجع سعر ليتر المازوت من 1.44 يورو إلى 1.38 يورو للفترة ذاتها، حيث يستخدم الفرنسيون بشكلٍ أساسي سيارات تعمل محركاتها على المازوت (80.6 في المائة).

وفيما أكد الاتحاد الفرنسي للصناعة النفطية أن التباطؤ الاقتصادي بات ينعكس على حركة النقل في البلاد، فإن تراجع استهلاك الفرنسيين لوقود السيارات ينبع بشكلٍ أساسي، من ارتفاع أسعار النفط في السنوات الأخيرة من جهة، ومن تفاقم الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ أكثر من خمس سنوات من جهة ثانية.

وبسبب ضعف القوة الشرائية للفرنسيين والأزمة الاقتصادية فقد تم تطوير مفهوم تقاسم السيارة، وهذه الظاهرة، كانت قبل عدة سنوات، تهدف بشكلٍ أساسي للحفاظ على البيئة. فمن خلال تقاسم عدة أشخاص للسيارة الواحدة يتم توفير استهلاك الوقود، وبالتالي حماية البيئة من الاحتباس الحراري من خلال عدم استخدام كل شخص لسيارته. ولكن في الآونة الأخيرة انفجرت مواقع الإنترنت بأعداد كبيرة من الزائرين الذين اقترحوا تنظيم تقاسم السيارة.

ويشير موقع بلا كار، وهو الرائد على شبكة الإنترنت، بالنسبة لعدد الزوار من الراغبين باللجوء لتقاسم السيارة، إلى أنه بات لديه ثلاثة ملايين مشترك، وأن كل يوم يشهد انضمام أربعة آلاف عضو.

ويؤكد فردريك مازيلا أن الموقع يؤمن انتقال 600 ألف شخص شهرياً في أوروبا. ووفقاً للوتيرة الحالية فإن العدد سيرتفع إلى 900 ألف شخص في نهاية العام، أي ما يعادل عدد ركاب قطار يوروستار، الذي يربط باريس بلندن تحت نفق بحر المانشت.

ويشير مازيلا إلى أن الأزمة الاقتصادية تلعب دوراً مهماً في تطور تقاسم الفرنسيين للسيارة في تنقلاتهم. فهم يتقاسمون سعر ما تستهلكه من الوقود. إضافة إلى تكلفة دفع استخدامهم الطرقات السريعة.

ويثير تطور تقاسم السيارات قلق شركة السكك الحديدية. فعندما يتقاسم أربعة أشخاص تكاليف الانتقالات بين مدينتي باريس واركاشون تخفض هذه التكلفة إلى 40 يورو للشخص. بينما سعر بطاقة القطار 120 يورو. وأكثر ما يقلق إدارة السكك الحديدية هو أن موقع بلا كار يعرض تقاسم السيارات على معظم الاتجاهات التي تقترحها الشركة للقطارات السريعة. وللتصدي لهذه المنافسة فإن الشركة سيرت حافلات على ذات الخطوط بتكلفة أقل بكثير من أسعار القطارات السريعة وبشكل يتساوى مع تكلفة تقاسم السيارة.

والأزمة الاقتصادية دفعت بالعديد من الفرنسيين للبحث عن حلول بديلة للنشاط الاقتصادي العادي لدفع ثمن السلعة أو بدل الخدمات أقل وفقاً لما يقوله ريمي أودجيري المدير لدى مؤسسة ايبسوس للأبحاث الاقتصادية والإحصاءات.

وسهل هذا التوجه الجيل الجديد من الهواتف النقالة التي تصل العرض بالطلب بسرعة فائقة، ومن هنا تطورت المواقع المختصة بتبادل الخدمات عبر الإنترنت.

إحدى المواطنات الفرنسيات وتدعى سونيا لا يكفيها راتبها حتى نهاية الشهر، تشارك في أوقات الفراغ في قطاف الثمار مقابل الحصول على كمية منها وذلك بفضل موقع الإنترنت.

وكان هذا النوع من المواقع، لفترة خلت، حكراً على مستخدمي الإنترنت الرافضين للنظام الاقتصادي الحالي، أو للذين يريدون الالتفاف عليه، ولكن هذه المواقع بدأت تزدهر وتنتشر مثل الفطر بسبب الأزمة.

فهذا الموقع يعرض على الجيران تبادل نشر الغسيل بالعدة الخاصة بأعمال صيانة المنزل. وذلك الموقع يقترح دفع بدل الخبرات في مجال التعليم الخاص للأطفال أو الأولاد.

وهناك المواقع المختصة بالاقتصاد التضامني في مجال بناء المنازل من خلال تقديم الخبرات المجانية. النجار يساهم في الشبابيك والبناء يشارك في المعمار.

وتشير صحيفة ”ليبراسيون” لوجود 215 ألف مؤسسة صغيرة تنشط في إطار الاقتصاد الاجتماعي أو التضامني. وهي تستخدم نحو 2.25 مليون شخص، وتنتج تقريباً نسبة 8 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

ويقول كلود الفانديري رئيس مختبر الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إن السوق الاقتصادية الخاضعة لسيطرة الرأسمال المالي تدمر فرص العمل أو تولد الأعمال الضعيفة الأجر وهذا يؤدي إلى مزيد من المستخدمين من أصحاب المداخيل الهشة والضعيفة، ولذلك هناك مجال لتطور قطاع أقل إنتاجية ولكنه قطاع تضامني.

وخصصت صحيفة ”لوفيجارو” بدورها ملفاً حول دور شبكة الإنترنت في تطوير الاقتصاد الاجتماعي، أو على الأقل في دفع الفرنسيين إلى البحث عن سبل لتخفيض نفقاتهم، مثل المواقع الاجتماعية، التي تدفع بعدد من الزبائن الذين يقصدون المحال المختصة ببيع كميات كبيرة بأسعار أقل وهم بذلك يتقاسمون فاتورة المشتريات الكل وفقاً لاحتياجاته التي طلبها.

وقالت راشيل بالمسان المختصة في المواقع الاقتصادية عبر الشبكة العنكبوتية إن وزن هذه الشبكات في الاقتصاد، وتحديداً في اقتصاد التقاسم في العالم بات نحو 100 مليار دولار، علماً بأنه من الصعب جداً إعطاء تقديرات حقيقية حول قيمة المبادلات التي تتم عبرها.

المصدر: الإقتصادية