أفغانستان: دروس لعملية الانسحاب – بقلم: جاك ديفاين و ويتني كاسيل

ورلد بوليسي جورنال

(الصورة من موقع وورلد بوليسي جورنال نقلاً عن الجيش الأمريكي)

تصريح خاص وحصري للترجمة والنشر في “الهتلان بوست”

من المرجح أن تنشب حرب أهلية في أفغانستان في أعقاب انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان العام القادم، بين الأجهزة الأمنية – وغالبيتها من غير البشتون – من جهة، وقوات طالبان المدعومة من باكستان من جهة أخرى. وبينما نواجه هذا الواقع، من الحكمة أن نتأمل جيداً تجربة الاتحاد السوفيتي بعد احتلاله أفغانستان في أواخر الثمانينات من القرن الماضي. أهم الدروس المستفادة من تلك اللحظة المشؤومة هي: الحاجة إلى توفير الدعم الاقتصادي والعسكري المستمر للقيادة في كابول، والحصول على دعم باكستان، مع الاحتفاظ بقدر كافٍ من البنية الأساسية اللازمة للقيام بعمليات استخباراتية وسرية على جانبي الحدود المشتركة بين البلدين. الحفاظ على علاقة مستدامة مع باكستان أمر بالغ الأهمية اليوم بسبب الدور الأساسي الذي يلعبه ذلك البلد في أي حل سياسي في أفغانستان، والمخاطر الكبيرة التي يشكلها عدم استقرار باكستان على المجتمع الدولي.

في أعقاب الانسحاب من أفغانستان في عام 1989، نجح الاتحاد السوفيتي – الذي كان يتهاوى في ذلك الحين- في توفير التمويل والدعم العسكري لمساندة الرئيس محمد نجيب الله لمدة ثلاث سنوات. سيكون من الضروري توفير مثل هذا المستوى من الدعم وأكثر منه للحفاظ على نظام كرزاي ولو لمدة سنة واحدة بعد رحلينا، سواء كان ذلك النظام تحت قيادة حميد كرزاي نفسه أو خليفة موالٍ لأمريكا. وعلى الرغم من نقاط ضعف الرئيس كرزاي، إلا أن بقاءه يجب أن يكون بالضبط هو هدفنا على المدى القصير، فاستمراره في الحكم سيساعد المجمتع الأفغاني على شراء الوقت اللازم لتحقيق الاستقرار والحيلولة دون إعادة تأسيس ملاذ آمن للقاعدة في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة القضاء على ذلك التنظيم في جميع أنحاء العالم. للأسف، فإن مغادرة أفغانستان وهي دولة ديمقراطية قابلة للحياة، كان ولايزال أمراً غير ممكن، على الأقل حتى ترغب الغالبية العظمى من الشعب الأفغاني في ذلك ويكون لديها الاستعداد للقتال من أجل تحقيق هذا الهدف.

الرغبة في القتال

فقد الاتحاد السوفيتي الرغبة في القتال في أفغانستان في عام 1986، بعد أن أدخلت وكالة المخابرات المركزية (سي آي ايه) الصاروخ “ستينغر” الذي مكن المجاهدين المدعومين من الولايات المتحدة على إسقاط المروحيات الروسية “هند”. ومع ذلك، تراوحت القوات السوفيتية في مكانها لأكثر من عامين في صراع طويل أُنهكت خلاله وتعرضت للعديد من الضربات، وتحولت أفغانستان إلى ما أسماه ميخائيل غورباتشوف “جرح نازف” للاتحاد السوفيتي. وعلى الرغم من ذلك، وحتى بعد عبور آخر جندي سوفيتي للجسر ما بين أفغانستان وأوزبكستان يوم 15 فبراير 1989، لم يكن الكرملين مستعداً للتخلي تماماً عن نفوذه في الزاوية الشرقية لآسيا الوسطى، وهكذا استمر في دفع الرواتب وتوفير الأسلحة والتمويل لتلك الدولة التابعة. وبين عام 1989 وتفكك الاتحاد السوفيتي في 1991، زودت موسكو الأفغان بما يقدر بنحو 300 مليون دولار شهرياً إضافة إلى كمية ضخمة من الأسلحة، وطائرات ميغ-27 المقاتلة، بالإضافة إلى غالبية المعدات العسكرية التي كانوا قد جلبوها إلى البلاد في إطار حربهم ضد المجاهدين.

لم يكن محمد نجيب الله، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الأفغانية (KHAD)، يتمتع بشعبية كرئيس دولة، ولقي نهاية اعتبرها الكثير نهاية مروعة يستحقها، فقد قام جنود طالبان في عام 1996 بإخصائه قبل شنقه على الملأ، وذلك بعد أربع سنوات من لجوئة إلى مجمع الأمم المتحدة في كابول. يرجع السخط الشعبي على نجيب الله في معظمه إلى علاقته مع جهاز الاستخبارات الأفغانية، والتي كانت معروفة باستخدامها أساليب التعذيب، وزرع عدم الثقة والخوف في جميع أنحاء البلاد خلال الحقبة السوفيتية. ومع ذلك، شهدت فترة حكمة نوعاً من الاستقرار النسبي مقارنة بالحرب الأهلية التي بدأت في أعقاب الإطاحة به.

إلا أن نظام نجيب الله لم يبدأ في الانهيار إلا بعد أن جف الدعم السوفيتي في عام 1991، لتكتسح طالبان أخيراً طريقها إلى السلطة في شهر إبريل 1994. وفي الوقت الذي خسر فيه نجيب الله رعاية الكرملين، كان المجاهدون وحلفاؤهم من حركة طالبان يحظون بدعم المملكة العربية السعودية عن طريق الاستخبارات الباكستانية (ISI)، بما في ذلك تزويدهم بالأسلحة والتمويل، ما ساعدهم في النهاية على إسقاط النظام الماركسي الضعيف. في ذلك الوقت، شكل هذا الأمر بالطبع انتصاراً للولايات المتحدة حيث كان نجيب الله ما يزال في الجانب الخطأ من الحرب الباردة. ولكن بالنظر إلى تلك الأحداث، نجد أنه لو استمر الاتحاد السوفيتي أو أي قوى خارجية أخرى، في تمويل نجيب الله وتسليح قواته بشكل كافٍ، كان من الممكن تأجيل استيلاء طالبان على السلطة وظهور ملاذ آمن للقاعدة في البلاد لعدة سنوات أخرى.

الانزلاق إلى الفوضى

نحن الآن أمام مأزق خطير مشابه مع الرئيس كرزاي. فلو ثبت أننا غير راغبين في توفير الموارد اللازمة للحفاظ عليه أو على حلفائه في كابول، فمن المحتمل أن نشهد انزلاقاً سريعاً إلى حالة من الفوضى. الرئيس كرزاي مكروه بشدة بسبب إخفاقاته في العديد من القضايا من بينها الفساد، وسوء الإدارة، وتزوير الانتخابات. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، عدم رغبته في التعاون بشكل كامل في عدد من القضايا المهمة مثل المعتقلين، ومكافحة المخدرات، وتشكيل القوات التي قد تبقى من الناتو.

بمرور الوقت، لا بد من معالجة هذه المشكلات إذا كان الهدف هو تحويل أفغانستان ببطء إلى نظام أكثر استقراراً يمثل جميع الأطياف، مع توفير مستوى معيشة أفضل للشعب الأفغاني. أما إذا وجدت البلاد نفسها في خضم حرب أهلية، لا يمكن تحقيق هذه التغييرات.

من شبه المؤكد أن ما سيتبع هزيمة نظام كرزاي سيكون أسوأ مما هو عليه الحال اليوم. ليس مرجحاً أن تتمكن طالبان من التغلب على الجيش الأفغاني سريعاً حتى لو سحبت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي دعمهما. ولكن، إذا لم يتم وضع الترتيبات المناسبة، فمن الممكن جداً أن تشمل الحكومة التالية قادة موالين لطالبان، بعضهم على استعداد لإيواء القاعدة وأنصارها. وإذا سمح لهذا النوع من القادة بالعودة إلى السلطة مرة أخرى، فمن المرجح أن يتعرض الشعب الأفغاني لمستويات من الأعمال الوحشية والقمع تماثل مستويات ما قبل عام 2001. لقد أدى سحب الدعم من نجيب الله إلى سقوطه في غضون شهور. ولا يوجد سبب للاعتقاد أن الأمر لن يتكرر مرة أخرى مع الرئيس كرزاي. وإذا حدث ذلك، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها أن يعتبروا السنوات الاثنتي عشرة الماضية وما يقارب الـ 2200 ضحية الذين سقطوا خلال تلك الفترة، فشلاً ذريعاً ذا تكلفة عالية.

لا يعني هذا عدم وجود بعض الأدوار للجماعات أو الأشخاص المرتبطين بطالبان بصورة أو بأخرى ضمن الحكومة الأفغانية في مرحلة ما بعد الانسحاب، فمن الضروري استيعاب بعض عناصر ما نعتبره “العدو” حالياً لتحقيق قدر من النظام في البلاد. ولكن كما قال الرئيس باراك أوباما في تقرير حكومي رسمي في عام 2009، لا بد أن يكونوا على استعداد “لإلقاء أسلحتهم، ورفض تنظيم القاعدة والقبول بالدستور الأفغاني”. ولا ينبغي أن تقبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بأقل من هذه الشروط، ناهيك عن الحكومة الأفغانية التي أظهرت بالفعل خطوطها الحمراء من خلال الانسحاب من محادثات مبدئية مع ممثلي طالبان في الدوحة في شهر يونيو.

من حسن الحظ، أن كرزاي قد يكون قادراً على التفاوض بشأن هذه الشروط إذا وفرّ له المجتمع الدولي الموارد اللازمة، فأفغانستان بلد يمكن للأموال أن تحقق فيه الكثير. وكما استطاع نجيب الله استخدام الأموال لإبعاد خصومه، يمكن لكرزاي بالمثل استغلال مثل هذا التمويل لمنع العناصر المتعددة التي تعمل ضده من إسقاط نظامه، حتى وإن تم توجيه بعضه لمشروعات أخرى أقل أهمية. بالإضافة إلى ذلك، فالمعدات العسكرية التي نمتلكها والتي من المرجح أن نستمر في توفيرها، سوف تساعد الجيش الأفغاني على صد أي مجموعة تختار طريقاً آخر غير طريق التفاوض. كما يجب علينا كذلك دراسة أمر التخلي عن كمية كبيرة من المعدات التي أدخلناها إلى البلاد أثناء الحرب كما فعل السوفيت في عام 1989، مع الأخذ بالاعتبار أن بعض التقنيات قد تكون حساسة جداً أو غير متوافقة مع الإمدادات الأفغانية.

وبعد ذلك، هناك باكستان

شبكة حقاني مثال مهم لمجموعة لم تتمكن العمليات العسكرية المكثفة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والقوات الأفغانية طيلة 11 عاماً من سحقها ، ولكن ثبت أنه يمكن تطويعهاعن طريق الحوافز المالية، كما تبينت من ذلك وكالة الاستخبارات الباكستانية خلال مفاوضاتها الخاصة مع المجموعة. خلال الحرب الأفغانية، أثبت أفراد شبكة حقاني استعدادهم للتعاون مع باكستان، في تنفيذ هجمات في أفغانستان لصالحها مقابل الحصول على ملاذ آمن وموارد. في الواقع، في سبتمبر 2011، أصبح التحالف بين باكستان وشبكة حقاني واضحاً جداً حتى أن رئيس هيئة الأركان المشتركة في ذلك الوقت الأدميرال مايك مولين وصف شبكة حقاني علانية بأنها “ذراع فعلي لوكالة الاستخبارات الباكستانية”. ولو قدم الرئيس كرزاي أو من يخلفه حوافز مالية كافية، وبالأخص لو تم إقناع باكستان بالاشتراك في ذلك الأمر، سيكون من الممكن التوصل إلى هدنة مؤقتة بين شبكة حقاني والحكومة الأفغانية تلبي المتطلبات التي ذكرها الرئيس أوباما في تقريره عن السياسة في 2009.

وكما شهدنا في أعقاب الانسحاب السوفيتي، وما تلاه من صعود نظام طالبان بدعم باكستاني، فطالما استمرت باكستان في تمويل المتمردين الأفغان، سيستمر العنف في تقويض أي جهود لحكم البلاد. التوصل إلى تفاهم واضح مع باكستان أمر ضروري لضمان أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها قادرين على الحفاظ على حكومة مستقرة غير معادية في كابول. الأمر الأكثر أهمية، أن هذه الحكومة بدورها ستكون ضرورية لتحقيق هدف الولايات المتحدة على المدى الطويل وهو أن تكون أفغانستان خالية من تنظيم القاعدة إلى حد كبير. مثل هذا التفاهم مهم كذلك لاستمرارنا في القيام بعمليات ضد الإرهاب في المنطقة، بما في ذلك داخل باكستان نفسها، حيث يختبئ معظم أفراد تنظيم القاعدة.

مبادرات الرئيس الباكستاني نواز شريف الأخيرة بخصوص أفغانستان تمثل صورة أكثر تفاؤلاً عما شهدناه في الماضي. ومع ذلك، فإن موقف باكستان الحالي يبدو غير راغب إلى حد كبير في لعب دور للوصول إلى نتيجة عبر التفاوض بينما تستمر الهجمات عبر الحدود ويستمر تمويل المجموعات العاملة في أفغانستان. وهكذا، فبالإضافة إلى الحفاظ على خطوط الدعم لكرزاي أو خليفته، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها إيجاد وسيلة لإقناع باكستان بأن التوصل إلى تسوية عبر التفاوض في أفغانستان يصب في مصالحها الحقيقية على المدى الطويل. بالطبع كان هذا هدفاً للسياسة الأمريكية في باكستان منذ بدء الحرب الأفغانية في 2001، وأحد الأهداف التي استعصت طويلاً حتى على أعتى الدبلوماسيين الأمريكيين. وعلى الرغم من شعورنا بالإحباط، فإننا لا نملك ترف الابتعاد عن المنطقة. ومن حسن الحظ، فإن الانسحاب من أفغانستان قد يعزز موقفنا في التفاوض أكثر من السابق حيث أنه سينزع العديد من نقاط الارتكاز الحالية لدى باكستان.

لقد أثبتت باكستان عبر دعمها المتواصل للجماعات المتمردة في أفغانستان رغبة مزودجة في استمرار الاضطرابات في ذلك البلد لمنع حكومة أفغانية قوية من التحالف مع الهند ضدها، وكذلك لمنع عودة مركز قوى في كابول يسيطر عليه البشتون ومتحالف مع حركة طالبان. لا يدل أي من هذه الأهداف أن باكستان تدعم بشكل مباشر إعادة حكومة طالبانية في أفغانستان، على الرغم من أن بعض عناصر حكومتها قد يقوم بذلك. ولكن، من الواضح أن العديد من القادة الباكستانيين يعتبرون بعض الحركات المرتبطة بطالبان مثل شبكة حقاني، أنصارهم المدافعين عنهم في أفغانستان ضد تحالف قد يكون مناهضاً لباكستان بين العناصر غير البشتونية في الشمال وبين خصمهم الذين يخشونه بالأكثر – الهند. ويبدو أن هدف باكستان النهائي هو ضمان حصول تلك العناصر على أدوار رئيسة في حكومة ما بعد الانسحاب في كابول، بما في ذلك في أجهزة الدفاع والاستخبارات.

من جهة، هناك ما تعتبره باكستان النتيجة الأمثل في أفغانستان، ومن جهة أخرى، هناك السيناريو الأسوأ بالنسبة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وهو سيطرة حركة طالبان لتصبح أفغانستان ملاذاً آمناً لتنظيم القاعدة. فقط في تلك المساحة الضيقة ما بين الحالتين، قد تكون هناك فرصة لتسوية عن طريق التفاوض يمكنها أن تمنع حرب أهلية جديدة في أعقاب انسحاب الناتو. قد تكون باكستان مستعدة للدفاع عن مثل هذه التسوية مع جماعاتها المتمردة بالوكالة إذا جعلت الولايات المتحدة وحلفائها الأمر يستحق بالنسبة لهم، وذلك هو أحد الأسباب المهمة لكي نحافظ على علاقتنا مع باكستان على الرغم مما قد نراه اليوم على أنه تعارض في المصالح.

التوصل إلى اتفاق

السبب الآخر لحاجتنا للتوصل إلى اتفاق مع باكستان هو حقيقة أن استقرار ذلك البلد يصب في مصلحة الولايات المتحدة بشكل كبير سواء من منظور مكافحة الإرهاب، أو لتحقيق الاستقرار الإقليمي- وبخاصة في ظل سباق متوتر ونووي مع الهند. فمن منظور مكافحة الإرهاب، يتفق الكثيرون على أن معظم القيادات المتبقية من تنظيم القاعدة تقيم في باكستان، في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية (FATA).

حجم السيطرة التي يمكنها أن تفرضها الحكومة الباكستانية على تلك المناطق الخارجة على القانون حالياً أمر يهم الولايات المتحدة إلى حد كبير، ليس لتقليل مساحة الملاذ الآمن المتوافر حالياً للقاعدة ومجموعات طالبان أفغانستان مثل شبكة حقاني والقضاء على تلك المناطق في نهاية المطاف فحسب، وإنما لمنع الحركات المسلحة داخل باكستان نفسها، والتي تسيطر عليها جماعات طالبان باكستان مثل جماعة تحريك طالبان، من زعزعة استقرار البلد.

تاريخياً، أحجمت طالبان أفغانستان عن مهاجمة دولة باكستان، ربما بسبب دعم باكستان المستمر لحركتهم. ولكن من جهة أخرى، فإن طالبان باكستان تستهدف الحكومة الباكستانية بصورة خاصة حيث تعتبرها عدوها الأول، إضافة إلى وجود الناتو في أفغانستان. في السنوات الأخيرة، شهدنا جماعات طالبان باكستان مثل جماعة تحريك طالبان توسع من تطلعاتها لتشمل أهدافاً دولية بما في ذلك الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، فيصل شاه زاد، الرجل الذي حاول تفجير سيارة مفخخة في ساحة “تايمز سكوير” يوم 10 مايو 2010، لم يكن مرتبطاً بتنظيم القاعدة، وإنما كان مرتبطاً بشكل أساسي مع جماعات طالبان باكستان.

باكستان بحاجة ماسة إلى المساعدات الاقتصادية على الدوام، وهو ما يمكن أن تقدمه لها الولايات المتحدة مقابل نوع من الدعم السياسي المطلوب في أفغانستان. فبينما قدمت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لباكستان في شكل مساعدات عسكرية واقتصادية خلال السنوات العشر الأخيرة، فإن معظم هذه المساعدات كان يستند إلى دعم باكستنان المستمر للحرب في أفغانستان، وبصورة خاصة الحفاظ على خطوط الاتصال الجوية والبرية مفتوحة لإمدادات الناتو، وكذلك للمعركة الأشمل ضد الإرهاب. مع انسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو من أفغانستان، سوف يبدأ نفوذ باكستان في التلاشي سريعاً. وستقل أهمية خطوط الاتصال الأرضية والجوية التي كانت لا غنى عنها قبل ذلك لإيصال الأمدادات والأسلحة للقوات في أفغانستان مع تناقص أعداد القوات. إضافة إلى ذلك، فقد أنشأت قوات الناتو خطوطاً بديلة عبر آسيا الوسطى يصير الوصول إليها أكثر سهولة وأقل تكلفة يوماً بعد يوم.

تعاون باكستان في مجال مكافحة الإرهاب سيبقى نقطة قوة إلى حد ما، حيث أن القسم الأكبر من القيادة العليا لتنظيم القاعدة لا يزال موجوداً في المناطق القبلية وبنسبة أقل في إقليم خيبر بختون خوا (الذي كان يعرف باسم مقاطعة الحدود الشمالية). وعلى الرغم من الاحتجاجات المستمرة للحكومة الباكستانية ضد عمليات مكافحة الإرهاب على أراضيها، وخاصة الهجمات القاتلة للطائرات بدون طيار، إلا أن الولايات المتحدة في وضع أفضل بكثير للعمل بشكل فعال مع وجود مستوى معين من التعاون من الجيش الباكستاني. ولكن يتعين على الولايات المتحدة أن توضح لباكستان أن هذه العمليات سوف تستمر بغض النظر عن تعاونها. فطالما بقيت باكستان غير راغبة أو غير قادرة على التخلص من الأشخاص الذين يشكلون خطراً على الولايات المتحدة وحلفائها، فللولايات المتحدة الحق في القيام بذلك بنفسها في إطار الدفاع عن النفس.

إذا قررت باكستان عدم اختيار الطريق الأقل مقاومة ورفضت المعونة الأمريكية في محاولة منها لتأكيد سيادتها سواء على الجبهة الداخلية في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، أو في ما يتعلق بأهدافنا في أفغانستان، فلا بد لنا أن نرد بالقيام بعمليات سرية مناسبة، قد تشمل مهمات شبه عسكرية، وعمليات نفسية ودعائية، فضلاً عن استغلال النفوذ السياسي والاقتصادي. وبما أن باكستان دولة تمتلك السلاح النووي ويبلغ تعداد سكانها 200 مليون نسمة، يجب علينا فعل كل ما بوسعنا للحفاظ على استقرار ذلك البلد، على الأقل إلى الحد الذي لا تؤثر فيه على هدفنا الأساسي وهو هزيمة تنظيم القاعدة وقد أبدى الرئيس نواز شريف رغبته في التفاوض مع المتمردين المحليين مثل تحريك طالبان وحركة طالبان في أفغانستان، وكل منهما قد تكون سيف ذي حدين. شهدت اتفاقيات السلام السابقة مع طالبان باكستان تدفق أموال التسوية إلى تنظيم القاعدة – ولكن من الأفضل أن نكون جزءاً من المناقشات على أن تفاجئنا النتائج. ويمكن للولايات المتحدة – بل يجب عليها – أن تساعد باكستان مالياً وعسكرياً، بشرط القيام بدورها سواء في أفغانستان أو في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب.

دور العمليات السرية سيكون أكثر ضرورة في المنطقة مع انتهاء العمليات العسكرية في أفغانستان. على وجه التحديد، يجب علينا ضمان وجود المنصات الجوية الكافية التي يمكننا من خلالها القيام بعمليات في كلا البلدين، فضلاً عن امتلاك قدرات واسعة لتتبع ظهور تنظيم القاعدة والتيارات السياسية المناوئة مرة أخرى. إذا ظهر تنظيم القاعدة مرة أخرى، لا بد أن نكون على استعداد لاتخاذ إجراءات سريعة وعنيفة، ليس عبر الضربات الحركية فحسب، وإنما عبر تسليح وتمويل الجماعات القبلية التي تؤيد مصالحنا. وأخيراً، يجب علينا أن نكون على استعداد لتقديم الدعم المالي للقوى السياسية الصديقة في كلا البلدين لمساعدتها على تعزيز أدوارها في حكوماتها. هذه الأنماط من العمل السري ستكون حاسمة لحماية مصالح الولايات المتحدة.

السبيل الأفضل لدعم خارطة الطريق السياسية الأكثر واقعية هو القيام بعمليات سرية محكمة – في واقع الأمر من غير المرجح أن تنجح من دونها. تتمثل أهداف هذه الأنشطة في مراقبة سلوك أطراف أي تسوية سياسية وتعزيز جهود الحكومة الأفغانية لكسب ولاء قاعدة عريضة من المؤيدين. كما أن الدعم المالي للجماعات التي كانت معادية قبل ذلك، يجب أن يكون جزءاً من هذا البرنامج. في ما يتعلق بحملة مكافحة الإرهاب في باكستان، فإن جمع معلومات استخبارية قوية سيبقى ضرورياً لجهود تحديد الأهداف ذات القيمة الكبيرة وتحييدها من طرف واحد، لا سيما إذا تزايد عداء باكستان ضد العمليات التي نقوم بها.

لو أن الاتحاد السوفيتي قدر له النجاة بعد عام 1991، وقام بتطبيق هذه الأساليب – أي توفيرالدعم المالي والعسكري لكابول، والتماس الدعم السياسي من باكستان، والحفاظ على عمليات سرية نشطة، وحضور استخباراتي في المنطقة – لربما نجحوا في منع العنف والصراع الذي أتى بطالبان إلى السلطة عام 1994. الآن، لدينا فرصة لتجنب هذه الأخطاء وفي الوقت نفسه الحفاظ على باكستان من الانزلاق إلى مزيد من الفوضى. وهكذا نحمي هدف مهم آخر للولايات المتحدة وحلفائها ولمنطقة جنوب آسيا.

تمثل حكومة شريف الجديدة فرصة لتحسين العلاقات مع باكستان والمضي قدماً في التوصل إلى حل سياسي في أفغانستان. عبر الاستفادة من هذا وتجنب حدوث انخفاض حاد في الموارد التي تتدفق إلى المنطقة التي قدمنا فيها بالفعل تضحيات كبيرة في الأرواح والأموال، يمكننا دعم مكاسبنا والمساعدة في منع وقوع كارثة في المستقبل.

بقلم: جاك ديفاين و ويتني كاسيل


جاك ديفاين هو نائب مدير وكالة المخابرات المركزية للعمليات سابقاً، ورئيس قوة عمل المخابرات المركزية في أفغانستان خلال عامي 1986 و1987. يشغل حالياً منصب رئيس مجموعة آركين، وهي شركة خاصة للاستخبارات مقرها نيويورك. ويتني كاسيل، أخصائية الشؤون الخارجية لسياسة مكافحة الإرهاب في مكتب وزير الدفاع سابقاً، وقد عملت في باكستان وأفغانستان. وتشغل حالياً منصب المدير الإقليمي في مجموعة آركين.

ترجمة: الهتلان بوست

المقال باللغة الإنجليزية: http://www.worldpolicy.org/journal/fall2013/Afghanistan-withdrawal-lessons