الخليجيون نحو توحيد أسعار المشتقات النفطية للحد من الاستهلاك ووقف التهريب

أخبار

الدمام: ميرزا الخويلدي

يسعى خبراء خليجيون لوضع دراسة موحدة لأسعار المشتقات النفطية، من المتوقع أن تجري مناقشها الشهر المقبل، لكن خبراء نفطيون يؤكدون أن المعني بهذه الدراسة هو السعودية، التي تتصدر القائمة العالمية في معدلات الاستهلاك المحلي الذي ينمو سنويا بمعدل 8 في المائة.

وأصبح انضمام المملكة لاتفاقية خليجية توحد أسعار المشتقات النفطية مسألة وقت، في ظل الصعود المتنامي في حجم الاستهلاك الفردي الذي يستنزف مخصصات الدعم الموجه لقطاع الطاقة. ويطالب خبراء نفطيون سعوديون باعتماد آلية سعرية «ذكية» تعتمد توجيه الدعم للشرائح الأقل نموا، وتفضي لإيجاد بدائل لوسائل المواصلات المسؤول الأول عن ارتفاع استهلاك النفط.

وينتظر أن ينجز خبراء خليجيون الشهر المقبل دراسة توحيد أسعار المشتقات النفطية بدول مجلس التعاون الخليجي. وكانت «منظمة الخليج للاستشارات الصناعية» (جويك) نظمت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في مقرها في الدوحة، الاجتماع الأول لفريق الطاقة لدول المجلس لمناقشة دراسة توحيد أسعار المشتقات النفطية بدول المجلس التي تقوم المنظمة بإنجازها لصالح الأمانة العامة لدول المجلس، حيث اتفق المجتمعون على تسليم مسودة الدراسة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وبحسب عرض قدمه الدكتور أنور القرعان، مدير إدارة الدراسات والسياسات الصناعية في «جويك»، فإن الدراسة المنتظر إنجازها الشهر المقبل تهدف إلى تشخيص وتحليل حجم المشكلة وأبعادها في الدول المعنية، وتحديد ملامح الإصلاح المطلوب في الهياكل السعرية التي ستؤدي إلى توحيد أسعار المنتجات النفطية ذات العلاقة عبر دول المجلس وتحديد الإجراءات التي يجب اتباعها لمعالجة الآثار السالبة المحتملة على القطاعات الاقتصادية المعنية كافة.

وأوضح القرعان أن الدراسة «تشخص واقع المواصفات المعيارية المحلية والخليجية والدولية المطبقة على المنتجات النفطية وإمكانية توحيدها، مع تقدير دالة الطلب وتقدير مرونة الطلب السعرية والدخلية للمنتجات النفطية التي تتلقى دعما سعريا في الأسواق المحلية مثل سوائل الغاز، والجازولين، والديزل، والكيروسين، والإسفلت وقياس الآثار المالية والاقتصادية المترتبة على إبقاء هيكل الأسعار الحالي أو تغيره وفق خيارات مختلفة تجري تجربتها، بما في ذلك خيار توحيد أسعار مشتقات النفط على مستوى دول المجلس».

وكان وزير النفط السعودي علي النعيمي قال في سبتمبر (أيلول) الماضي إن «توحيد أسعار المشتقات البترولية في دول الخليج قيد الدراسة»، مضيفا: «سنتفق حول رؤية موحدة حال انتهاء الدراسة».

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال الدكتور راشد أبانمي، رئيس مركز السياسات البترولية والتوقعات الاستراتيجية إن بقاء الأسعار الحالية للمشتقات النفطية في المملكة يمثل «خطأ فادحا» ويؤدي لرفع وتيرة الاستهلاك المحلي. وقال إن «معدل الاستهلاك لهذه المشتقات يرتفع في السعودية بمعدل 8 في المائة سنويا، وهو الأعلى على الصعيد العالمي»، ويبلغ حجم النمو في الاستهلاك السنوي من النفط في الولايات المتحدة 3.5 في المائة.

وحاليا فإن السعوديين يستهلكون نحو 4 ملايين برميل مكافئ من النفط يوميا، وتبلغ الطاقة الإنتاجية للسعودية حاليا 12.5 مليون برميل يوميا، في حين تنتج المملكة فعليا نحو 10 ملايين برميل يوميا. وقال أبانمي: «توجه المملكة ثلث إنتاجها حاليا للسوق المحلية، وإذا بقي معدل النمو في الاستهلاك فسوف تتقلص قدرة البلاد على الإيفاء بمعدلات عالية من التصدير».

وتمثل الصادرات النفطية المصدر الأول للدخل في المملكة. ويقول أبانمي لـ«الشرق الأوسط» إن النفط يحقق 92 في المائة من الواردات المالية للخزينة العامة. وتقليص القدرة على التصدير يؤدي إلى تقليص هذه الإيرادات.

ويلاحظ الخبير السعودي أن سياسة التسعير المتهاودة بقيت على حالها منذ 40 عاما، حيث يباع الغاز الذي ينتج على شكل غاز مصاحب ويباع لشركة «سابك» بـ70 سنتا للقدم المكعب، بينما يصل سعره في السوق العالمية إلى نحو 4 دولارات، رغم أن تكلفة إنتاجه الحالية تصل أحيانا لنحو دولارين.

ومن شأن التوافق على نظام خليجي موحد لأسعار المشتقات النفطية أن يسهم في الحد من عمليات التهريب التي تستفيد من الفارق السعري بين دول المجلس الست. وقال أبانمي إن التهريب يستنزف نحو 30 في المائة من استهلاك السعودية من المشتقات النفطية.

ولا يجادل أحد في الآثار الاقتصادية والاجتماعية لعملية رفع الدعم، التي تقدر بنحو 36 مليار دولار سنويا (يشمل كل قطاع الطاقة)، لكن الخبير النفطي السعودي يقول إن المطلوب تعزيز إصلاحات اقتصادية تمنع عمليات الهدر في الطاقة التي تضر بالأجيال المقبلة. ويطالب أبانمي بأن يواكب تصحيح الأسعار اعتماد حزمة إصلاحات تبدأ بتجهيز البنية التحتية، وخاصة تنفيذ مشاريع النقل العام، حيث يتركز استهلاك المشتقات في المواصلات.

كذلك يدعو أبانمي لاعتماد آلية جديدة لتسعير الغاز الموجه لقطاع البتروكيماويات، والمطالبة بوضع حد للهدر في قطاع الطاقة الكهربائية، وقال: «في السعودية يتوجه 80 في المائة من الطاقة الكهربائية المنتجة للاستهلاك المنزلي، وتستحوذ أجهزة التكييف على 70 في المائة من هذا الاستهلاك». وهو يدعو لاعتماد سياسة ترشيد أكثر شمولية.

ويطالب أبانمي بإيقاف الدعم العشوائي واعتماد سياسة دعم «ذكية» تتوجه للشرائح الأقل نموا في المجتمع. ويقول: «حاليا فإن الشرائح الأكثر استفادة من الدعم ليست بالضرورة الأكثر حاجة له. والتوجيه الذكي للدعم الحكومي لا بد أن يراعي تلك الشرائح الأقل نموا، وليس توزيع الدعم بالتساوي؛ لأنه سيصب في النهاية في صالح من يمتلك عددا أكبر من السيارات والمركبات على الطريق».

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أوضحت «منظمة الخليج للاستشارات الصناعية» أن البيانات المتوفرة لديها من «أوبك» توضح أن السعودية هي من أعلى الدول في العالم في معدلات الاستهلاك والإنتاج معا، وقد احتلت عام 2010 المرتبة الرابعة عالميا في معدل نمو الاستهلاك في معظم المشتقات النفطية وخصوصا البنزين والديزل.

وفيما يتعلق بإنتاج البنزين تعد السعودية الأعلى إنتاجا بين دول مجلس التعاون الخليجي، في حين أن أقلها إنتاجا هي البحرين، وتأتي في المرتبة الثانية الكويت، فعمان، ثم الإمارات، وقطر.

أما الاستهلاك الكلي من مادة البنزين فتتصدر السعودية قائمته في دول الخليج، تليها الإمارات، فالكويت، ثم عمان، فقطر، والبحرين. ويشار إلى أن استهلاك السعودية وحدها من هذه المادة يفوق دول المجلس مجتمعة.

أما المعدل الفردي للاستهلاك خلال الفترة من 2000 إلى 2005، فوضعه مختلف، حيث تتصدر الإمارات وقطر القائمة، ثم الكويت، فالبحرين، والسعودية وأخيرا عمان. وقد تغيرت المعطيات في الأعوام التالية، فبين 2009 و2011 سجل أعلى معدل للاستهلاك الفردي في الكويت ثم عمان، تليها السعودية، وبعدها قطر ثم البحرين فالإمارات. وهو ما يشير إلى تأثير السياسات التسعيرية التي تتبعها الإمارات لتقليل معدل استهلاك الفرد من البنزين.

وبالنسبة للديزل فإن المعطيات المتوفرة عن دول الخليج باستثناء الإمارات، تشير إلى أن السعودية وقطر تتصدران القائمة في الاستهلاك، تليهما الكويت وعمان ثم البحرين. والفارق بين المجموعة الأولى (أي السعودية وقطر) والمجموعة الثانية (أي الكويت وعمان والبحرين) كبير؛ حيث تشير البيانات إلى أن هناك هبوطا واضحا في الفترة 2008 – 2011 في الاستهلاك الفردي لكل من قطر والبحرين في مادة الديزل.

ويتضح من البيانات المتوفرة من «أوبك» أن متوسط أسعار البنزين هي الأعلى في الإمارات وتليها عمان، فالبحرين، ثم الكويت فقطر وفي آخر القائمة السعودية، حيث إن الأسعار في الإمارات تقارب الأسعار العالمية. وينطبق الأمر نفسه على مادة الديزل. أما الفروق في أسعار المشتقات بين هذه الدول فيؤدي حتما إلى التهريب من الدول الأقل سعرا إلى الأعلى سعرا، كما هو الحل بين السعودية والإمارات.

كما تشير بيانات «أوبك» وبعض الدراسات الأخرى إلى أن دول المجلس تتمتع باستهلاك عال وأسعار منخفضة نسبيا للمشتقات النفطية، وذلك بسبب وجود نظام دعم سخي وانخفاض تكاليف الإنتاج.. الأمر الذي ربما سيؤدي إلى استهلاك متسارع أكبر من تسارع وتيرة الإنتاج. وعلية فإن هذا الوضع يستوجب اتباع سياسات على مستوى دول مجلس التعاون للحد من تنامي ظاهرتي الاستهلاك والتهريب.

وكان المحلل الاقتصادي السعودي تركي الحقيل قال لـ«الشرق الأوسط» إن الدعم الحكومي الذي تقدمه المملكة لقطاع الطاقة يبلغ 135 مليار ريال (36 مليار دولار) سنويا، داعيا السعودية «لاتخاذ خطوات أكثر صرامة وجدية لإعادة هيكلة قطاع الطاقة فيها وتوجيه الدعم في هذا القطاع»، وقال إن الأمور إذا سارت على ما هي عليه فستصل السعودية إلى استهلاك 7.8 مليون برميل يوميا.

المصدر: الشرق الأوسط