عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«الثورة البيضاء!»

آراء

لا أشك في أنك مثلي، دائماً ما تنسى أي القمم هي القمة الأعلى في العالم: الهيمالايا أم التيبت أم الألب، أحياناً تخلط الأوراق، أيها الموجودة في سويسرا وأيها الموجودة في الهند! تتذكر أنك في مرحلة ما من شبابك أيام كانت مسابقات «حروف» في أوجها ومبيعات كتب سين وجيم تتصدر القائمة بدلاً من كتب الطبخ والأبراج، كانت تلك المعلومة ثابتة في أحد «الكلسترات» في خلايا ذاكرتك! لكنها اليوم تضيع تماماً، كل ما تذكره هو أنك تقرأ في كل أيام عدة عن أول عربي يرفع العلم على قمة جبل كذا! بعد أيام عدة تقرأ عن أول امرأة ترفع العلم على قمة أخرى، تشك في ذاكرتك وتتصور أنها حالة «ديجافو» متقدمة، ألم أقرأ هذا الخبر من قبل؟! لا أعرف ما فائدة أن «يلعوز» أحدهم نفسه لأيام عدة من أجل أن يبتسم في النهاية للكاميرا رافعاً إبهامه لأنه وصل إلى القمة، بالنسبة لي لم يكن لقب «أول كاتب عمود يصل إلى قمة الهيمالايا» مثيراً جداً، لدي حساسية من الأماكن المرتفعة، وضيق في التنفس من الأماكن الباردة، تلك القمم الباردة التي لا غرض من الوصول إليها سوى الصورة الإعلامية هي ما أسميه بالقمم السلبية، لكن هناك دائماً جانباً آخر مضيئاً سيغير نظرتك إلى القمم التقليدية المملة، خذ عندك على سبيل المثال: القمة الحكومية التي انطلقت فعالياتها يوم أمس.

القمة كانت ناجحة من قبل أن تبدأ، لأنها لم تقم على أن تكون قمة ينحت الناس فيها بالصخور للحصول على معلومة أو للوصول ورفع العلم على أعلى نقطة، بل هي ببساطة أن تفتح الإمارات سجلاتها وتُري الآخرين سبب نجاحها بدعوة مباشرة وصريحة للآخرين لتقليد أنظمتها الإدارية، هذا هو الطريق، وهذه هي الأدوات، وهذه هي الخريطة، فتفضلوا باستلهام هذه التجربة.

ما نجحت القمة فيه فعلاً ليس إعطاء دروس إدارية عدة للجمهور أو لأصحاب القرار ولا التشدق بالإنجازات الحقيقية على أرض الواقع، لكن ما لمسته في عيون الوفود العربية الزائرة بشكل رئيس هو أن القمة نجحت في بث «روح التفاؤل» بالدرجة الأولى في جسد المؤسسات العربية الزائرة التي تعاني حالة من الإحباط لأسباب لا تخفى، روح التفاؤل بأن العرب يستطيعون أن ينجحوا إذا أرادوا أن يقتنعوا بقدرتهم على التميز وعلى نقل العلوم، من دون النظر إلى مصدرها، وعلى التفوق بغض النظر عما يحاك لهم في أوهام البعض!

قمة تمثل ثورة إدارية بيضاء على الأنظمة الإدارية البالية والكلاسيكية، ويجب فعلاً أن تثير غيرة بعض الأنظمة الديناصورية المتحجرة في الكثير من أنحاء الوطن العربي، وتدفعها دفعاً لاستنساخ نموذج الحكومة الذكية أو الإلكترونية في دولة الإمارات، لعلها بذلك تخفف من وقع الأحداث الإقليمية على المواطن العربي الذي أصبح لا يجد متنفساً ولا يحس بقيمته كمتعامل ومراجع وإنسان إلا في المنطقة الواقعة ما بين السلع و دبا!

قمة أسعدتنا بأدائها وجمهورها.. ولون شعارها السماوي الجميل.. بني ياس

يا حبيبي بني ياس.. ما تشوف العسكريين كلهم حاضرين!

قمة أزالت الكثير من الحساسية والإحباط اللذين كان يشعر بهما العرب تجاه كلمة «قمة» منذ عام 1948.

فشكراً للقمة..

المصدر: الإمارات اليوم