استقالة الحكومة الفرنسية.. وهولاند يكلف مانويل فالس

أخبار

تسارعت الأمور مساء في باريس حيث قدم رئيس الحكومة جان مارك أيرولت استقالة حكومته قبل المداخلة التلفزيونية للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند. وكلف الرئيس فرنسوا هولاند وزير الداخلية مانويل فالس تشكيل حكومة جديدة خلفا لأيرولت، واستمرت «الهزيمة الكبرى» في الانتخابات البلدية التي منيت بها الرئاسة والحكومة والحزب الاشتراكي واليسار بالتفاعل وسط دعوات للاستجابة لـ«رسالة» الناخبين إلى السلطات ورفضهم للسياسات التي اتبعت حتى الآن. وحلت الهزيمة على اليسار كالصاعقة خصوصا أنها طالت مواقعه التاريخية. ولعل مدينة ليموج الواقعة وسط فرنسا والتي تتمتع بشهرة عالمية بفضل صناعة البورسلين التقليدية التي توارثها حرفيوها جيلا بعد جيل أفضل مثال على ذلك. وهذه المدينة التي تعد نحو 141 ألف نسمة معقودة الولاء تقليديا للحزب الاشتراكي ولليسار بشكل عام إذ إن الاشتراكيين يهيمنون على بلديتها منذ 120 عاما. غير أن هذا التقليد التاريخي انتهى مساء الأحد و«الموجة الزرقاء» التي أطلقها حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الفرنسي جرفت الاشتراكيين وأخرجتهم من القصر البلدي.

بالطبع، ليموج رمز ليس إلا. لكنه رمز يدلل على فداحة الهزيمة التي لحقت بالاشتراكيين وبحكومتهم وبرئيسهم وباليسار بشكل عام في سابقة ندر أن تعرضوا لمثلها منذ انطلاقة الجمهورية الخامسة قبل 60 عاما. الاشتراكيون خسروا 151 مدينة يزيد عدد سكانها على 10 آلاف نسمة كما هزموا في معاقل «تاريخية» تنتخب تقليديا ومنذ عقود لصالح اليسار. الاشتراكيون خسروا مدنا رئيسة مثل تولوزوأنجيه وريمس ودنكيرك ونوفير وروبيه وتوركوان لا بل إنهم هزموا في عقر دارهم وفي المعقل التاريخي لأول رئيس اشتراكي (فرنسوا ميتران) في منطقة لانييفر.. ومن حسن حظهم أن المرشحة الاشتراكية لرئاسة بلدية باريس آن هيدالغو نجحت في المحافظة على العاصمة متفوقة على منافستها اليمينية ناتالي كوسيوسكو موريزيه. ومن حسن حظهم أيضا أن الوزيرة السابقة مارتين أوبري فازت في مدينة ليل (شمال) رابع المدن الفرنسية بعدد سكانها كما أن الاشتراكي جيرار كولومب، رئيس بلدية مدينة ليون «ثاني المدن من حيث السكان» نجح في المحافظة على بلدية ليون. كذلك بقيت مدينة ستراسبورغ، مقر البرلمان الأوروبي، في أيدي اليسار. ولعل المكسب الوحيد (الجديد) للاشتراكيين هو نجاحهم في انتزاع مدينة أفينيون التاريخية التي تسمى «مدينة البابوات» من اليمين المعتدل رغم منافسة لائحة الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف).

اليسار يبكي واليمين يبتهج: هذا هو حال فرنسا اليوم. اليمين وضع يده على 141 مدينة «من أصل 151 مدينة». وسارع جان فرنسوا كوبيه، رئيس حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية «اليمين المعتدل» إلى اعتبار ما حصل بأنه «انتصار تاريخي» وأنه يجعل من حزبه «التشكيل السياسي الأول» في فرنسا. فبعد سنتين من التمزق الداخلي وعض الأصابع بسبب هزيمة نيكولا ساركوزي في المعركة الرئاسية الأخيرة والغرق في دوامة الفضائح المدوية، جاءت نتائج الانتخابات المحلية لتوفر للحزب «بالون أكسجين» هو بأمس الحاجة إليه ولتطمس، خصوصا، «حرب القادة» المترئسين والطامحين للوصول إلى قصر الإليزيه. ولا شك أن اليمين سيستفيد من الدفعة الجديدة التي تلقاها ليدخل الانتخابات الأوروبية التي ستجرى نهاية شهر مايو (أيار) المقبل من موقع قوة.

وما يصح على اليمين الكلاسيكي، يصح أيضا «ولو بدرجة أقل» على اليمين المتطرف الذي نجح في السيطرة على 11 بلدية بينها مدن مهمة مثل بيزيه وفريجوس وفيليه الأمر الذي لم يسبق أن حققه قبل ذلك على الإطلاق. ووفرت الانتخابات الأخيرة لليمين المتطرف نحو 1400 مستشار بلدي، وانغراس محلي ثمين سيتمكن عبره من البدء بتنفيذ السياسة التي يدافع عنها منذ سنوات. بيد أن حزب الجبهة الوطنية. أخفق في السيطرة على مدن مهمة كان يأمل باجتياحها مثل ناربون وأفينيون.

إزاء هذا الواقع، يجد الرئيس الفرنسي نفسه محشورا في الزاوية ويتعين عليه التحرك سريعا لاستعادة المبادرة السياسية ولاستخلاص العبر من انهيار شعبية اليسار لدى الفئات التي حملته إلى الحكم. ومنذ ظهور نتائج الجولة الأولى، كثف فرنسوا هولاند مشاوراته مع وزرائه والوجوه البارزة في الحزب الاشتراكي وحلفائه من الخضر للتحضير لرد لم يعد تأجيله ممكنا. ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا تناول تحديدا شكل الرد وما يستطيع هولاند القيام به.

بالأمس، تواترت الأنباء التي تتحدث كلها عن تعديل أو تغيير حكومي باعتبار أن الفرنسيين أبدوا من خلال الانتخابات خيبتهم من السياسة الاقتصادية والاجتماعية المتبعة ومن فشل التصدي لارتفاع معدلات البطالة وارتفاع نسب الضرائب واستمرار سياسة التقشف الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية للطبقات الوضيعة.. ولذا، فالحل نظريا يكمن في تغيير الحكومة خصوصا أن 75 في المائة من الفرنسيين، وفق استطلاع للرأي أجراه معهد BVA، لا يريدون أن يبقى رئيس الحكومة الحالي جان مارك أيرولت في موقعه فيما 31 في المائة منهم يفضلون عليه وزير الداخلية الحالي مانويل فالس أو الوزيرة السابقة مارتين أوبري «17 في المائة» بينما يحل وزير الخارجية لوران فابيوس في الموقع الأخير 16 في المائة.

وكان من المتوقع أمس أن يخاطب هولاند مواطنيه مساء عبر شاشات التلفزة ليقول لهم، بحسب ما نقل عنه، إنه «فهم الرسالة». والحال أن مشكلته الحقيقية ليست في تحديد اسم رئيس حكومته أو أعضائها بل في رسم السياسة التي عليها أن تطبقها. ومنذ مجيئه إلى السلطة وخصوصا منذ بداية العام الحالي، يطبق هولاند سياسة تقشفية تترافق مع زيادات في الضرائب واستمرار ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل. فضلا عن ذلك، لم يشعر المواطنون بأن «التضحيات» المطلوبة منهم أعطت أكلها كما أن أصواتا داخل مجموعة النواب الاشتراكيين تطالب الرئيس هولاند بالتخلي عن خطته القاضية بتقديم محفزات لأرباب العمل مقابل التزامهم بتقديم فرص إضافية للعمل. وواضح أن الهزيمة الانتخابية عمقت انقسامات الاشتراكيين بشأن السبل والوسائل الناجعة لمواجهة الأزمة ولاستعادة ثقة الناخبين وعلى رأسهم ناخبو اليسار.

المصدر: باريس: ميشال أبو نجم – الشرق الأوسط