د. علي الطراح
د. علي الطراح
حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة متشجن الأميركية في عام 1984 . عمل مستشاراً ورئيساً للمكتب الثقافي لسفارة دولة الكويت في واشنطن 1989-1992 ومستشاراً إعلامياً ورئيس للمكتب الإعلامي في سفارة دولة الكويت في واشنطن 1992 - 1995 . عميد كلية العلوم الاجتماعية، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت .

نحو مبادرة خليجية

آراء

نمط التفكير السائد في المنطقة الخليجية يحجب رؤية الواقع كما هو عليه. فالمتغيرات سريعة وردة الفعل بطيئة وغير منسجمة مع طبيعة الواقع الجديد، فالدول الخليجية تفكر بأساليب مختلفة عما هو مطلوب وفقاً للواقع المعاش والحقيقي، بينما المتغيرات تفرض وجودها مما يعقد القرار المطلوب. دائماً المبادرة تعتبر هي الوسيلة في مواجهة الإشكاليات وليس انتظار حلولها، ومن ثم التفكير في كيفية مواجهتها.

تعايشت المنطقة مع خصوصية كل دولة خليجية، بينما اليوم نجد تفاوتاً في السياسات العامة التي لم تعد قاصرة في تأثيرها على الشأن الخاص، بل تعدت وأصبح هناك انعكاس على الشأن الإقليمي، ما حفز بعض من الدول الخليجية على أن تظهر حالة من عدم الرضا، والتباعد في المواقف. فقطر اختارت طريقها، ولم يكن اختيارها عشوائياً، فهي ترى في سياساتها تحقيقاً لتفوقها كقوة ناعمة، بينما سلطنة عُمان حافظت على وضعها منذ انضمامها للمحور الخليجي المتمثل بمجلس التعاون، والإمارات العربية المتحدة خرجت لتعلن موقفها بوضوح تجاه حركة «الإخوان المسلمين» لكونها شعرت بالخطر المتوقع من التنظيم الدولي وخلاياه المحلية، وكان موقفها تعبيراً عن تغيير استراتيجي داخلي حيال السياسة الخارجية التي يجب أن يتم الالتزام بها ضمن السياق الوحدوي أو الاتحادي، بينما جاء الموقف السعودي حيال حركة «الإخوان المسلمين» في فترة لاحقة، توافقت مع سقوط مرسي، وصعود الجيش المصري إلى الواجهة السياسية. أما البحرين، فهي تعيش نزاعاً داخلياً تؤثر فيه إيران بالدرجة الأولى، وأخفقت الحركة الإصلاحية في البحرين في فهم طبيعة الدوافع الإيرانية، ومن ثم الارتباط بإيران أربك المطالب الإصلاحية.

الموقف الخليجي حيال أحداث البحرين متفاوت، ما عزز حالة الانقسام الخليجي. وفي الكويت الحالة مختلفة، حيث لها نموذجها التاريخي التي ميزها عن دول المنطقة الخليجية، إلا أن الأجواء الديمقراطية الكويتية هي كذلك تعدت حدودها الجغرافية، وتحولت الكويت إلى حالة منفردة تبعث على القلق في بعض دول الإقليم الخليجي.

فالموقف من حركة «الإخوان» له خصوصيته، التي ترى فيها الكويت أنها قادرة على احتوائه، بينما الواقع أن الحركة «الإخوانية» لديها هي امتداد للتنظيم الدولي حتى وإن نفت ذلك. وربما أجواء الانفتاح الكويتية شجعت بعضاً من حركات الإسلام السياسي، سواء «الإخوان» أو «حزب الأمة» من الاستفادة من امتيازاتها، ودفعتها من تسجيل مواقف معادية، وخصوصاً ما صدر من حزب «الأمة» الكويتي من مواقف تصعيدية حيال السعودية، ما يجعل النظام السياسي في حالة ارتباك في كيفية التوفيق بين هذه التناقضات. لا نعتقد بأن المطلوب من الكويت أن تقمع الحريات العامة بقدر ما نحتاج إلى إدراك طبيعة التشابك الخليجي، وأن الخصوصية الكويتية يجب ألا تتجاوز حدودها الإقليمية، وأن يدرك الجميع أن دول الخليج العربي لها خصوصيتها، وأي تغير يتجه نحو هدم الخصوصية الخليجية، هو بمثابة تهديد للأمن الخليجي بأكمله.

الإقليم الخليجي ليس محصناً، وعلى الدول الخليجية تغيير نمط تفكيرها واستيعاب طبيعة المتغيرات، وليس من سبيل، سواء المبادرة لاحتواء الأزمات القادمة، والاحتواء ليس بتوزيع الهبات المادية بقدر ما جعل المواطن ضمن صلب اهتمام صانع القرار، والعمل على تحقيق مشاريع مشتركة والتفكير الجدي في صيغة أمنية تجعل المواطن في مقدمتها.

نحن قد نكسب الوقت لفترة، ولكن لن نملك تغيير المتغيرات السياسية التي فرضت نفسها بقوة في بعض من الدول العربية. النظم السياسية في دول الخليج لها خصوصيتها، فهي نظم تحظى برضا شعبي، ويجب استثمار هذه الخصوصية لمزيد من التلاحم.

المصدر: الاتحاد