زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

تفكيك وعد بلفور

آراء

«بقراءة معمقة لنتائج التصويت، فإن الحدث هو ليس انضمام فلسطين لليونيسكو، بل مستجدات الموقف الغربي من إسرائيل!

من الطبيعي أن تصّوت الدول العربية مع القرار، ومن المتوقع أن تفعل ذلك دول أفريقية وآسيوية، وليس عجيباً أن تقف مع القرار دول لاتينية. لكن الجديد والحدث بذاته هو أن تصوّت دول غربية أوروبية كبرى مع القرار، وحتى الامتناع البريطاني سيكون ذا دلالة أكبر بكثير لو رأيناه هكذا: بريطانيا لم تمتنع عن قول نعم لفلسطين، بل هي امتنعت عن قول نعم لإسرائيل! إنها بلا شك سابقة تاريخية في الموقف البريطاني المعهود من إسرائيل.

هل هذه مؤشرات ورسائل بأن الغرب بدأ ينفد صبره ويستثقل تصرفات ومشاكسات الولد الشقي المدلل «إسرائيل»؟!

بالفعل… لا شيء يخدم قضيتك أفضل من رعونة وحماقة عدوك».

أستعيد هذا الاقتباس من مقالتي التي كتبتها هنا في عام ٢٠١١ في أعقاب التصويت على انضمام فلسطين لمنظمة اليونسكو بوصفها دولة كاملة العضوية. استعادتي لها الآن ليس لأنه لم تحدث تحولات منذ عام ٢٠١١ حتى اليوم، ولكن لأن الذي حدث الأسبوع الماضي داخل المنظمة كان تحولاً نوعياً يكاد يتماهى مع ما جرى ذلك العام.

عندما أشرت حينذاك إلى الموقف البريطاني في التصويت (الامتناع)، وأعطيته أهمية أكبر حتى من بعض التصويتات الإيجابية، كنت أريد منح اهتمام تحليلي أكبر وأعمق لموقف الدولة «البلفورية»، وهل هي تُبدي أسفاً أو تكفيراً عن وعدها المشؤوم؟! وهل سيكون ذلك «الامتناع» خطوة نحو «نعم» قادم للحق الفلسطيني أو «لا» للهمجية الإسرائيلية؟!

تحققت التخمينات بأسرع مما كنت أتصور!

ففي الأسبوع الماضي وأثناء التصويت على مشروع قرار من المجلس التنفيذي بمنظمة اليونسكو يوجب إرسال بعثة دولية لتقصي الحقائق في مدينة القدس وخصوصاً الانتهاكات والتعديّات التي تقوم بها السلطة الإسرائيلية في محيط المسجد الأقصى، كان لافتاً للقاعة التصويت الإيجابي الفرنسي والنمسوي والإيطالي والإسباني، لكن الأكثر إبهاراً لشهود جلسة التصويت هو عندما وصل التسلسل إلى السفير البريطاني لدى المنظمة الذي قال، بلكنته الإنكليزية وبروده الفطري: (Yes). بريطانيا تقول نعم لفلسطين ضد إسرائيل وضد الولايات المتحدة .. العضو الوحيد في المجلس الذي صوّت ضد القرار العربي.

الأكثر تعبيراً عن رد فعل القاعة على الموقف البريطاني المفاجئ، لم يكن الهمهمات التي تعالت ولا وجوه الوفد الفلسطيني السعيدة، بل وجوه الوفد الإسرائيلي التي كانت تبدو كأنها تتساءل: ما الذي يجري في العالم؟!

امتنعت بريطانيا في عام ٢٠١١ عن التصويت ضد فلسطين ومع إسرائيل، لكن ربما أن القرصة البريطانية لم تكن كافية لتأديب الطفل الإسرائيلي المدلل، أو بالأصح، المراهق الإسرائيلي الطائش!

تتكاثر التساؤلات حول الموقف البريطاني، بعضها متفائل بقرب تخلّي الغرب عن إسرائيل وتركها في العراء العربي وحدها، البعض الآخر متشائم ويعدّ الموقف البريطاني تكتيكاً مرحلياً وتبادل أدوار وهمي… ليس إلاّ. هناك بعضٌ ثالث يجب أن لا ننساه، لا متفائل ولا متشائم، بل هو واقعي براغماتي يزن المواقف بالمصالح لا بالمشاعر أو المبادئ.

حقاً، ما الذي يجري في العالم؟

هل تغيرت موازين القوى، أم تبدّلت مبادئ الكون، أم أن معايير وزن الموقف السياسي عندنا ليست دقيقة؟

هناك شكوك كثيرة في تفسير المواقف السياسية من فلسطين ومن غيرها، لكن المؤكد الوحيد وسط هذه الأكوام من الشكوك، أن العالم يتغير، فهل يعي ذلك أصحاب «المواقف الثابتة»؟!

المصدر: الحياة