جاسر عبدالعزيز الجاسر
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مدير تحرير صحيفة الجزيرة

الأزواج لا يؤدبون!

آراء

يتعرض «العقال» السعودي إلى تهديد جدي قد يزيله، مستقبلاً، من رؤوس السعوديين، خصوصاً المتزوجين منهم، إن ثبتت معاقبة الأزواج الذين يضربون نساءهم، غرامة وسجناً، لأن «العقال» هو أداة الضرب الأولى، بحكم قرابته للكرباج وتوافره الدائم على الرأس.

وزارة الشؤون الاجتماعية أعلنت لائحة عقوبات أقلها خمسة آلاف ريال يدفعها الزوج إن ضرب امرأته. وهو تنظيم خطر يعيد سيرة «ساهر» ويؤدي إلى خنوع الأزواج وفقدانهم حقوقهم التقليدية، فلا يرفعون رؤوسهم في المنزل كما هي حالهم في الأدب حين يعترض «ساهر» طريقهم.

مشكلة السعوديين مع «ساهر» أنه ينتشر كالفيروس في كل شارع، بينما لا يستطيعون مقاومة طرائقهم المتهورة في القيادة فيصطادهم أكثر مما ينجون منه، ويستنزف أموالهم فلا يبقي من رواتبهم ما يكفي للجوال والقروض والمتطلبات الأخرى. ومشكلتهم مع تنظيم «الشؤون الاجتماعية» أنهم سيغوصون في رمال الديون أو الزنازين، لأن الذين اعتادوا ضرب المرأة والاستمتاع بذلك يصعب عليهم الانقطاع فجأة من دون دورات علاجية مكثفة أو عقوبات متوالية.

تنظيم «الشؤون الاجتماعية» مفاجئ وغير واضح الملامح من حيث التحقق من الشكوى أو مستوى الضرب الذي يوجب العقوبة، وهل تكفي شهادة الزوجة وعاملتها أم لا بد من كدمات وتقارير طبية؟ ومن الذي يقرر درجة العقوبة وكيفية تطبيقها؟ وهل تغني شهادة الأبناء عن حضور الزوجة؟ وما الفرق بين المستكينة والمدافعة عن نفسها ترد الضربة بأخرى؟ وهل تعامل الزوجة الواحدة معاملة الضرائر؟ ومن الذي سيرغم الرجل على الدفع والشرطة لا تأتمر بتوجيهات «الشؤون الاجتماعية»؟ وكيف نبت هذا التنظيم فجأة بينما لم يظهر القضاء في الصورة كلياً؟

عملياً لا توجد إحصاءات ترصد العنف الأسري بحكم العادات التي تجعل الضرب حقاً للزوج، وتلقيه باستسلام واجب على الزوجة، حتى أن بعض المدمنين تورطوا في أميركا وأوروبا حين أسرفوا في الضرب هناك فانفضحت حقيقتهم ونالوا عقابهم من دون أن يفهموا السبب أو يدركوا المنطق في ذلك، ظناً أن الاستقواء على الأنثى يعزز قوتهم ويؤكد سلطتهم!

تجربة «ساهر» برهنت أن «الفلوس تدجن النفوس»، وإن طبّق هذا القرار وتجرأت النساء على الشكوى والمواجهة، فإن صورة الرجل ستتبدل ولن يكون ذلك المغوار الملوّح بعقاله تهديداً وضرباً، والمتجاوز للأنظمة سيراً ومروراً، وسيتعلم أن القانون فوق الرغبة، وأن زمن العبث انتهى. وحين يجد نفسه ملاحقاً ومفلساً سيتعلم، بالضرورة، احترام المرأة والتعامل معها بندية.

مشكلة المرأة محلياً أنها المتهمة دوماً، حتى أنه لا يجوز لها أن ترد الضربة، وأن ضاربيها جبناء يستعرضون قوة كاذبة على أجساد أرهقتها الطبائع بضرورات السمع والطاعة. وأنها تجيء في مرتبة متأخرة اجتماعياً وإن علت علماً أو تحصّنت بثروة. وأن زوجها يطلّقها برسالة جوال بينما لا تستطيع خلعه إلا بصعوبة، إن نجحت، لذلك قد لا تكسر القيد وتبادر بالشكوى، وقد تستمر في خنوعها، خشية طلاقها أو الزواج عليها وهرباً من استنكار أسرتها. كل هذا يجعل القرار أقرب إلى الترويج منه إلى الفعل، فهو يعلن حماية وهمية للمرأة بينما يترك الوضع على حاله.

العنف الذي تتعرض له الزوجة يستهدف كسر القيمة وترسيخ التبعية، وهو ما لا يمكن إثباته طبياً، لأن الذين يبلغ بهم الأمر حد الإيذاء الجسدي الحاد يجسّدون نزوعاً مرضياً يستوجب السجن ضرورة ولا تكفي الغرامة المالية.

لا حصانة للزوجة بهذا القرار لغياب منظومة حقوقها في المجالات كافة، وهي تعرف معاناتها في الخلع مع مسبباته الواضحة، فكيف إنْ أدَّبها زوجها بعصا أو عقال أو صفعة ضمن حقوقه الثابتة والراسخة؟ وإن تجرأت على الشكوى انجرافاً مع نشوة القرار، فقد يأتيها الضرب من الزوج والأهل سوية.

يبدو أن هذا القرار لا يعدو كونه حماسة ستموت مع سلسلة الإجراءات المعقدة، أو أنه دعابة ترفيهية تسد نقص المسارح وغياب الكوميديا بعد «طاش ما طاش»، وتسعد النساء قليلاً ولو من خلال حلم عابر.

المصدر: الحياة