عبدالله بن ربيعان
عبدالله بن ربيعان
أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية

طبقة «ليدل»… وخط الكفاية

آراء

في أواخر العام 2009 نشرت إحدى الصحف الإنكليزية تعليقاً لاقتصادي بريطاني عن تحول غالبية البريطانيين من الطبقة الوسطى إلى طبقة ليدل LiDL Class، جراء تسريح الشركات كثيراً من الموظفين بعد الأزمة المالية.

ومن يومها والصحف البريطانية تصنف الناس بحسب دخولهم إلى طبقة ثرية، وطبقة وسطى، وطبقة «ليدل». وLiDL، الذي يكتب اسمه بحروف كبيرة، عدا حرف «الآي» الذي يكتب بالخط الصغير وبالأحمر المائل جهة الحرف الأول، هو أرخص محال السلع الغذائية والمنزلية في بريطانيا. وكل سلعة خارجية لها بدائل رخيصة عنده، وحينما تدخل إليه فسترى الناس كلاً يصطحب كيسه أو كرتونه معه. فالسوق تبيع برخص شديد، وبلغ في اقتصاديتها أنها لا توفر كيساً للمشترين، وإنما عليك أن تأتي بما تحمل فيه مشترياتك معك. ولم يأتِ وصف الاقتصادي البريطاني لطبقة «ليدل» اعتباطاً، فالسوق هي الأرخص في بريطانيا قاطبة، وتنخفض أسعارها كثيراً حتى عن أقرب منافسيها في الرخص، وهي الشهيرة الأخرى «باوند لاند» Pound Land.

على الطرف الآخر، وفي السعودية، يدور النقاش حول تقرير عن مستوى المعيشة نشر الأسبوع الماضي. التقرير الذي أعدته مؤسسة الملك خالد الخيرية، وأوضحت فيه أن خط الكفاية في المملكة يقف عند حاجز 8926 ريالاً، للأسرة المكونة من خمسة أفراد. وأكدت المؤسسة أنها توصلت إلى هذا الرقم بعد دراسة عينة شملت 10 آلاف أسرة في المناطق الإدارية الـ13 في المملكة. وطبقاً للمؤسسة فإن خط الكفاية هو «الحد الذي يمكن عنده للأفراد أو للأسر أن يعيشوا حياة كريمة، ولا يحتاجوا لأي مساعدات إضافية».

التقرير حقيقة مفاجأة وغير مفاجأة في الوقت نفسه. فالرقم الذي أعطته دراسة المؤسسة يبدو كبيراً بالمقارنة بالحد الأدنى للأجور وهو 3 آلاف ريال. وفارق كبير بين 3 آلاف و9 آلاف ريال بحسب الدراسة. من جهة أخرى التقرير ليس مفاجأة للاقتصاديين على الأقل. فالمقارنة بين الريال ومستوى المعيشة ليست في مصلحة الأول بالتأكيد، من نواحٍ عدة، أهمها:

أولاً: ارتفاع أسعار الغذاء الذي شهده العالم في 2007، رفع مستوى الأسعار في المملكة بشكل يفوق كثيراً زيادات الرواتب آنذاك.

ثانيا: هناك احتكار سيئ يضرب بأطنابه في السوق السعودية. ويكفي أن نعرف أن كلفة دقيقة الاتصال في السعودية تفوق نظيرتها العالمية بخمسة أضعاف. كما أن كلفة استقدام عاملة منزلية تبلغ ضعف القيمة في قطر والإمارات على سبيل المثال.

ثالثاً: كلفة السكن في المملكة تضاعفت خلال الأعوام السبعة الأخيرة بنسب فاقت الـ 500 في المئة. وعلى رغم صدور الأوامر والدعم المالي إلا أن الله لم يقيّض لها من يحلها إلى اليوم.

رابعاً: التوظيف في السعودية مازال ضعيفاً وصورياً. ومازالت وزارة العمل تحاول إقناع الشباب بالعمل برواتب متدنية جداً لا تكفي مصروفاً للمعيشة الأساسية، فضلاً عن مصاريف سيارة، وزواج وتكوين أسرة.

خامساً: تردي مستوى الخدمات العامة كالصحة والتعليم، وعدم توافر وسائل نقل عام يزيدان العبء كثيراً على محفظة المواطن لاضطراره لدفع كلفة هذه الخدمات.

سادساً: تعاني السوق السعودية بعمومها من مشكلتي انعدام الرقابة «على رغم جهود وزير التجارة الحالي»، وضعف وعي المستهلكين. وهو ما يرفع كلفة الشراء مقارنة بأي بلد يملك مواطنوه وعياً استهلاكياً مرتفعاً.

سابعاً: في ما عدا الإسكان، فليس هناك ربط بين حجم الأسرة ومقدار الراتب أو الدعم. وفي بلد مثل السعودية يجب أن يكون معدل الإعالة هو الفيصل والمعيار وليس الدخل الشخصي. وفارق كبير بين من يعول نفسه فقط، أو نفسه وزوجة، وآخر يعول ثمانية أو تسعة.

ثامناً وأخيراً: الحلول التي تقدمها الحكومة بطيئة جداً، فالإسكان له سبعة أعوام يدور في حلقة مفرغة، والنقل العام بالكاد وقّعت عقود بعضه، ويحتاج إلى ما لا يقل عن خمسة أعوام ليدخل الخدمة.

ختاماً، لم يتأثر الاقتصاد السعودي بالأزمة المالية العالمية مباشرة. بل إنه في الأعوام التي شهد فيها الاقتصاد العالمي مرحلة ركود وديون كان الاقتصاد السعودي يشهد فوائض ونمواً. ولكن هذا النمو لم ينعكس مباشرة على معيشة المواطن. بل إن المتوقع – إذا ما سارت الأمور بهذه الوتيرة – زيادة نسبة الفقر، وتساقط بعض أبناء الطبقة الوسطى إلى طبقة «ليدل»، نتيجة العوامل التي ذكرناها سابقاً. وهو ما يوجب على الحكومة سرعة فتح الملفات وحل المشكلات بلا تأخير ولا تسويف.

المصدر: الحياة