جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

ذات ليلة في مطار دبي

آراء

ثمة دورات خاصة في تعلم التعامل مع الجمهور، تستطيع أن تعرف من نجح فيها ومن رسب بسرعة، الصعوبة في أن تنجح شركة بجعل كل أو غالبية موظفيها يحسنون ذلك، وعن تجربة أشهد أن الخطوط الإمارتية ومطار دبي نجحا في ذلك.

قبل أيام كنت واحداً من آلاف المسافرين الذين علقوا حول العالم بسبب ضباب كثيف عطّل مطار دبي لأربع ساعات، وحيث إن المطار نجح في أن يكون «هب» بين الشرق والغرب، أدى ذلك إلى تأخر مئات الرحلات المتجهة من أو إلى دبي حول العالم، لابد أن مدير العمليات في طيران الإمارات وجد نفسه مثل بروفيسور يقف أمام سبورة هائلة ليحل معضلة رياضيات شائكة، ذلك أن رحلات الطيران مثل المتتاليات الحسابية، فتأخر رحلة في دبي، سينعكس بعد ساعات على مسافر في فانكوفر الكندية، كما أن تأجيل الرحلات من مطار واحد لأربع ساعات لا يعني تأجيل الرحلات أربع ساعات مثلها في بقية المطارات، ذلك أنها مرتبطة برحلات لم تتعطل وإنما مضت إلى وجهتها تنتظر تلك الرحلات التي تعطلت.. صورة معقدة، أليس كذلك؟

وصلت دبي قادماً من دسلدورف الألمانية متأخراً أربع ساعات ونيف، بدا التوتر على كثير من المسافرين وكأنهم اكتشفوا للتو أنهم وصلوا متأخرين عن رحلتهم لوجهة أخرى بعيدة، بينما كنت هادئاً، فوجهتي التالية هي البحرين القريبة، ولابد أن ثمة طائرة أخرى تحملني إلى هناك، كان المطار «مطبوقاً» كما نقول بالعامية، فمضيت وسط جموع لم أرَ مثلها من قبل في المطار.. كثيرون افترشوا الأرض، البعض غلبه النوم، بدأت أقلق وأتوقع أن مصيري مثلهم، فمن الواضح أن هؤلاء وصلوا قبلي بساعات ولم تستطع الإماراتية وشركات الطيران الأخرى أن توفر لهم بديلاً.

وصلت قاعة انتظار رجال الأعمال المزدحمة هي الأخرى، بعد انتظار، قدمت بطاقة صعود الطائرة لرحلة البحرين التي فاتتني لوصولي المتأخر، نظرت لي موظفة بدا عليها الإرهاق وقالت: أقترح عليك أن تمضي إلى الداخل، فثمة كاونتر هناك أقل ازدحاماً، مضيت حيث أشارت، وقفت أمام موظفة أخرى، وطلبت منها وقد رسمت ابتسامة عريضة على وجهي أن تساعدني للحصول على أقرب رحلة للبحرين، لا أعرف لماذا اختارت أن تفضفض لي تعب ذلك اليوم، ردت قائلة: «أشكرك لأنك لم تصرخ، ولم تأمرني، منذ الظهر ومئات المسافرين يصرخون ويحتجون، لم يمر يوم عليّ مثل هذا، أعلم أن الجميع لديه رحلة مهمة واجتماع أهم، وزوجة محبّة تنتظره أو مدير غاضب سيلومه على التأخير، ولكنه الضباب ولا نستطيع أن نفعل شيئاً حياله، آلاف المسافرين تأخرت وتلخبطت رحلاتهم، كان نصيبي منهم بضع مئات، ساعدت معظمهم، ولكن يجب أن ينتظروا بضع ساعات، ليت الجميع يتعلم الصبر، أنا تعلمت الصبر اليوم».. شعرت أنها ستبكي بعد قليل، شكرتها مجدداً، وقلت لها بأدب شديد: «أتفهم تعبك، هل ثمة أمل أن أحصل على رحلة للبحرين»؟. دفعت ببطاقة صعود لرحلة الثامنة والنصف صباحاً قائلة: «لعلك ستغضب، ولكن اعلم أن هناك من وصل عصر الأمس ولن يغادر إلا عصر اليوم.. حظك أفضل من غيرك» وابتسمت.

لم أحتج، وبحثت عن أقرب كرسي وغطست في نوم غير مريح ولكنه عميق بما يكفي لأن استيقظت بهزة عنيفة من زميل سفر يخبرني أن علي التوجه بسرعة إلى طائرة البحرين، شكراً لكل العاملين في مطار دبي الذين تحملوا غضب آلاف المسافرين، كل منهم يعتقد أنه المسافر الأهم.

المصدر: مجلة روتانا