عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

سائق الإنستاجرام

آراء

عاش المهندس المعماري محمد السعيد شهورا ممضة بعد تخرجه في الجامعة. حاول البحث عن وظيفة ملائمة لكن لم يجد. سألته شقيقته فاطمة أن يساعدها في إيصال أطباق الحلويات، التي تعدها لزبائنها في الإنستاجرام ــ تطبيق لمشاركة الصور والفيديو ــ فوافق شريطة أن يحصل على نسبة 30 في المائة. فوجئ محمد بإقبال الزبائن على منتجات شقيقته بشكل فاق توقعاته. حصل على دخل جيد شجعه على مراسلة عديد من الطاهيات والطهاة، والباعة الإلكترونيين عبر الإنستاجرام في الرياض، مكان إقامته؛ ليعمل سائقا لتوصيل طلبات زبائنهم. اتفق مع مجموعة جيدة جعلته يتوسع في الخدمة، ويوظف سائقين معه لتلبية الطلبات العديدة.

حصل محمد على عرض جيد من إحدى الشركات الكبيرة للعمل في أرجائها. لكنه رفض العرض، مواصلا عمله كسائق وشاب أعمال واعد. يعمل محمد حاليا على تسجيل مؤسسته رسميا بعد أن اشترى عدة سيارات سيسخرها لخدمة مشروعه.

يصل دخل محمد شهريا إلى نحو 60 ألف ريال فضلا عن الهدايا التي يحصل عليها من عملائه.

يشعر محمد بامتنان لكل الشركات والمؤسسات، التي رفضت تعيينه مبكرا لأن رفضهم جعله يفكر في خيارات لم يكن سيطرق أبوابها لو كان موظفا.

إن عديدا من الفرص العظيمة، التي تتاح لنا تأتي عن طريق الأبواب الضيقة، التي نجد صعوبة في الدخول عبرها أو ربما لا نفكر حتى في الدخول من خلالها.

في أحيان كثيرة يؤذي الاستقرار ملكة خيالنا. ينهبها القدرة على الابتكار والاختراع. يعتقلنا في زواياه، نهدر الفرصة الواحدة تلو الأخرى.

إن السجن لا يعني أن نكون محاصرين بين القضبان، بل أن تصبح أفكارنا قضبانا تحرمنا حرية الحلم.

ثمة جوانب مضيئة للمعاناة تتجسد في بحثنا عن عوالم جديدة نهرب إليها. هذه العوالم هي ما يمنحنا الدهشة والمفاجآت، التي تفتقر إليها الحياة الروتينية النمطية.

ها هو محمد يقود أحلامه بسرعة هائلة، بينما أقرانه ما زالوا مسجونين في واقعهم الرتيب، الذي لا يمنحهم سوى الضجر والانتحاب.

إن أحلامنا تحتاج إلى سائق حاذق كالذي يتفوق في الحلبات والراليات ويتوج بالكؤوس. يجيد كيف ينعطف ويغير اتجاهه أثناء رحلات وعرة وخشنة. التجارب القاسية تصقل خبرته وتزيد من فرص تألقه. يقال إن السماء الصافية لا تصنع طيارين ماهرين والأمواج الهادئة لا تصنع بحارة حاذقين، وكذلك الحياة المستقرة الهادئة لا تصنع شخصيات اسثنائية ملهمة.

أغلبنا لم يدرك قيمة ظروفه الصعبة إلا بعد حين. إننا لا نشعر بلذة الحياة إلا بعد أن نجرب مرارتها.

المصدر: الاقتصادية