خلف الحربي
خلف الحربي
كاتب سعودي

لا حدود للمزايدة !

آراء

في عالمنا العربي لا حدود للمزايدة على أي شيء ولا سقف، على ماذا تريد أن تزايد؟، على الدين مثلا؟، حسنا.. هل تظن أن هناك مجموعة إسلامية تسطيع أن تزايد على الدين وتكفر كل مخالفيها أكثر مما يفعل تنظيم القاعدة الإرهابي؟، إذا كنت تظن بأن تنظيم القاعدة يمثل السقف الأعلى في المزايدة على الدين والتكفير المجاني، فيؤسفني أن أقول بأنك شخص بريء جدا ولا تتخيل كيف تسير الأمور في العالم العربي، فها هو تنظيم (داعش) اليوم يزايد على تنظيم القاعدة ويبيح قتل من ينتمون إليه!، فتستعيد لعبة التكفير دورتها المنطقية وترتد على من أطلقها كما يحدث دائما.

كم هو مدهش حقا حين تقرأ رسالة لأيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة يناصح الجهاديين المنخرطين في صفوف داعش؟!.. لقد حاول من خلال حديثه المباشر للمقاتلين أن يرشدهم إلى الطريق الصحيح كي لا يغرر أحد بهم!، تأملوا جيدا: من الذي يناصح؟.. أيمن الظواهري!، وأهلا وسهلا بكم في العالم العربي.. ألا لا يزايدن أحد علينا فنزايد فوق مزايدة المزايدينا!، لقد تخيلت وأنا أقرأ كلمات الظواهري بأن تنظيم القاعدة بسبب مواجهاته مع داعش وبعض التشكيلات المعادية له قد يحتاج في قادم الأيام إلى تأسيس وحدة لمكافحة الإرهاب!.

المزايدة بلا حدود في كل شيء في الحياة وليس في الدين فقط، حاولوا أن تتخيلوا سقفا أعلى للمزايدة على الديمقراطية، اذهبوا بخيالكم إلى أبعد مدى، ثم عودوا إلى أرض الواقع وتأملوا مشهد بشار الأسد الجزار السفاح الذي يقتل الأطفال بالأسلحة الكيماوية وهو يرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية، ويدعو الجثث المتفحمة للإدلاء بأصواتهم في صناديق غارقة في الدم، ويزايد على العالم أجمع حول ضرورة الاحتكام إلى اللعبة الديمقراطية!.

كل المنتمين إلى حزب الله اللبناني يزايدون إلى ما لا نهاية على ضرورة القبول بنتائج الديمقراطية؛ لأن الطريقة الوحيدة لإنقاذ سوريا مما هي فيه اليوم هي انتخاب رئيس للجمهورية، وهم نفسهم بشحمهم ولحمهم الذين يزايدون إلى مالا نهاية من أجل التأكيد على أن التوافق أهم من الديمقراطية، ولذلك لا بد من عملية انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان!، هذا ما يحدث في كل مكان في العالم العربي.. المزايدة على الفكرة والمزايدة على نقيضها في الوقت ذاته، لا قيمة لأي مبدأ أصيل من أجل الوصول إلى الهدف القريب، ونحن في كثير من الأحيان لا نؤمن بالفكرة، بل نحاول أن نستغلها بما يكفل تحقيق مصالحنا.

أما المزايدة على الوطنية فحدث ولا حرج، حيث لا شيء أسهل من التخوين أو الاتهام بالعمالة للأعداء، المسألة أسهل ما تكون هنا، فكل من يخالفك بالرأي هو خائن أو عميل أو فاسد، وهكذا يغيب التفكير الموضوعي ويعجز الفرقاء عن الوصول إلى نقاط مشتركة كما يحدث في كل مكان في العالم، حيث سعى كل طرف إلى إلغاء الطرف الآخر عبر سلسلة طويلة من المزايدات، فأصبح وجود أحدهما مرتبطا بفكرة القضاء على الآخر، فيصبح الوصول إلى حل أمرا مستحيلا.. فتتراجع الأمة وتنهار الدولة وترتفع بيارق المزايدين على قمم الجبال مبشرة بسيول من الظلام والدم!.

المصدر: عكاظ