لاجئون سوريون يقيمون بجوار الجرذان والنفايات والمياه الآسنة جنوب لبنان

منوعات

أطفال في المخيم يستخدمون النفايات كألعاب

يتنقل اللاجئ السوري إبراهيم (12 عاما) واثنان من أترابه بحذر، فوق أكوام النفايات، إلى جانب الجرذان. تلك المساحة الوحيدة الآمنة لأكثر من مائتي طفل وأرملة سوريين، يقطنون في مخيم صغير في منطقة العاقبية بجنوب لبنان. فالشارع المحاذي لمدخل المخيم من جهة الجنوب، تعبره آلاف السيارات المسرعة يوميا.. فيما يحيط بالغرف، من جهة الشمال، نهر من مياه الصرف الصحي. ولا يفصل بين الغرف المتهالكة التي تسكنها 31 عائلة، إلا ممر صغير بعرض متر واحد، يروي حكاية بؤس يعيشها النازحون من إحدى قرب معرة النعمان التابعة لمحافظة إدلب في شمال سوريا.

والواقع أن المكان ليس مخيما، ولا تنطبق عليه شروط إيواء اللاجئين السوريين. يكاد يكون حزام بؤس يندر وجوده بين مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان. تزكم رائحة النفايات أنوف الزائرين، وتختلط مع رطوبة منبعثة من مياه الصرف الصحي المحيطة بالمكان. تتسلل الأمراض إلى جميع الغرف من دون استثناء، حتى أصابت الساكنين في الموقع بأمراض مثل الالتهاب الرئوي، والتهاب القصبة الهوائية، والصرع والصداع.. فيما يهرب الأطفال إلى مكب النفايات أو نهر المياه الآسنة بغرض اللهو، وجمع عبوات بلاستيكية يبيعونها لشراء قطعة حلوى.

تأقلم إبراهيم، كما سائر أطفال المخيم، مع بؤسهم وأمراضهم، والجرذان التي يلهون إلى جوارها فوق النفايات. تقول سامية (21 عاما) إن الجرذان {تتسلل إلى الغرف}، وتضيف أن الأفاعي تدخل إلى المخيم، قائلة: {عبرت أفعى كبيرة من البستان إلينا، ووجدتها بين قدمي، فبدأ الصراخ في الممر قبل أن يأتي رجل ويطردها من غير أن يتمكن من قتلها}.

غير أن الأطفال مجبرون على اللهو بين الزواحف وأكوام القمامة كونهم {لا يستطيعون البقاء في الغرف مسجونين طوال النهار}، كما يقول مطشّر اسمر (30 عاما) لـ{الشرق الأوسط}، مؤكدا أنه {لم يكن بالإمكان اختيار مكان آخر}، ذلك أن ارتفاع أسعار إيجارات السكن {دفعنا للإقامة في هذا الموقع}، على الرغم من أن الإيواء هنا ليس مجانيا. فقد أُلزمت العائلات على دفع مائة دولار أميركي شهريا، بدل إيجار للغرفة الواحدة، وهو {الثمن المناسب لنساء بالكاد يجدن قوت يومهن لإطعام أطفالهن}.

ويكاد يخلو المخيم من الرجال. معظم العائلات المقيمة هنا، فقدت رجل البيت في الحرب السورية، إما قتلا وإمّا خطفا. تقيم 31 عائلة في 31 غرفة أنشئت في المكان، ويتراوح عدد القاطنين في كل منها بين 4 و7 أشخاص، ويشكل الأطفال الغالبية الساحقة منهم، بعدما فرّت العائلات من الحرب باتجاه جنوب لبنان. ويقول أسمر إن المخيم {يسكنه الأيتام والأرامل}، وهي السمة الطاغية على هوية المقيمين الذين يقارب عددهم المائتي لاجئ.

تحاول مديرة فريد الجمعة (32 عاما) أن تتدبر عشاء لأطفالها الستة. تقول إن زوجها {اختفى قبل عام مع أمه وابني الأكبر، حين كان يحاول نقل أمه من موقع القصف إلى مكان أكثر أمنا}، بالتزامن مع شن القوات الحكومية حملة عسكرية واسعة على قرى ريف معرة النعمان في عام 2013. {لم نعرف عنهم أي خبر منذ ذلك الوقت}، قبل أن تنزح في سوريا إلى مكان آمن، وتنتقل قبل أشهر قليلة إلى جنوب لبنان {حيث يقيم بعض أبناء قريتنا}. وتشير إلى أن أطفالها الذين كانوا يلهون في الغرفة، {ينامون أحيانا بلا عشاء}، نظرا لعجزها عن شراء طعام لهم، علما أنها تتركهم في أحيان كثيرة برعاية شقيقهم الأكبر {حين أتوجه للعمل في أحد البساتين القريبة بجمع المحصول مقابل مبلغ يتراوح بين 15 وعشرين ألف ليرة} ما يعادل 13 دولارا.

وفي السياق نفسه، يعاني أطفال أجدات حسون (28 عاما) الستة من عدة أمراض، قائلة إن {قلة الإمكانات المالية تمنعني من شراء الدواء لهم}، على الرغم من أنها تتقاضى عن كل طفل ما يقارب الـ30 دولارا شهريا من مفوضية اللاجئين. وتشير إلى أن زوجها اختفى قبل عامين في الحرب السورية، ما دفعها للجوء إلى لبنان مع أطفالها الستة، ولا يتعدى عمر أصغرهم الثلاث سنوات.

وبينما تحصل أجدات على المساعدات، فإن ميادة (22 عاما) التي وصلت إلى المخيم قبل شهرين، لا تستطيع أن توفر لابنها فواز (3 سنوات) قوت يومه. فقدت ميادة زوجها قبل ولادة ابنها في الحرب السورية، ولجأت قبل شهرين إلى العاقبية في جنوب لبنان، من غير أن تتمكن، حتى الآن، من الحصول على أي مساعدة أممية، أو من الجمعيات الإغاثية تحت إشراف مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وتشير إلى أنها تعمل في جني المحصول أيضا لتوفير ثمن إيجار الغرفة وإطعام طفلها وأمها التي تعاني من مشكلات صحية.

وتستقطب منطقة العاقبية الواقعة في قضاء الزهراني بجنوب لبنان، عددا كبيرا من اللاجئين السوريين، كونها تتوسط منطقة زراعية مشهورة ببساتينها، فضلا عن مؤسسات صناعية صغيرة تتطلب يد عاملة سورية. وكان يقيم في العاقبية نحو ألف سوري قبل الأزمة، يعملون في قطاعي البناء والزراعة، وتضاعف عدد اللاجئين بعد اندلاع الحرب السورية إلى نحو 8000 شخص، بحسب ما تقول مصادر محلية لـ{الشرق الأوسط}، معظمهم يتحدرون من أرياف جنوب إدلب وشرق وشمال حماه، وشمال حمص.

هذا الإقبال الكثيف للاجئين السوريين، بما يتخطى أي منطقة أخرى في ساحل الزهراني، رفع أسعار الإيجارات ودفع بعض مالكي العقارات لزيادة الغرف المشيدة، بهدف إيواء أكبر عدد من العائلات السورية. ولم يكن المخيم إلا مستودعا قديما بُني إلى أسفل الطريق العام الذي يربط مدينتي صيدا وصور في جنوب لبنان.

إقبال اللاجئين السوريين، دفع صاحب المحال التجارية والمستودع إلى بناء غرف متلاصقة، وفّرت للسوريين الهاربين من جحيم الحرب ملجأ {زهيد الثمن}. تزايدت الغرف بشكل عشوائي، ولا يفصل بينها إلا ممر لا يتخطى عرضه المتر الواحد. تحول أعلاه إلى حبال لتجفيف الملابس المغسولة، فيما باتت أرضه ملعبا لأطفال لا تتخطى أعمارهم الأربع سنوات، وتنطوي على مخاطر جمة، ليس أقلها تسلل الجرذان والأفاعي إلى الغرف، فضلا عن تعرض الأطفال لحوادث سقوط.

وضج المخيم قبل يومين بسقوط الطفلة دموع مزيد حالول (5 سنوات) عن الدرج، ما أدى إلى إصابتها بنزيف في الدماغ. ونقلت دموع على الأثر إلى أحد مستشفيات مدينة صيدا، كما تقول أمها نائلة جمعة، لتلقي العلاج. وتشير إلى أن ابنتها {لا تزال فاقدة للوعي، نتيجة الإصابة بالرأس}، لافتة إلى أن المستشفى طالبهم بدفع مليون ليرة لبنانية لقاء إدخالها إلى غرفة العناية المركزة، {وهو ما لم نستطع تدبره إلا بعد عناء كبير}.

ويفتقد المبنى لأدنى مواصفات السلامة. يطالب السكان الجمعيات العاملة مع الأمم المتحدة، بإنشاء عازل حديدي على جانب السلالم بغرض حماية الأطفال {إذا كانوا عاجزين عن توفير مبنى بديل لنا، يتمتع بمواصفات الحد الأدنى من السلامة}، علما أن دفع إيجار الغرف وحده {يرهقنا، ونوفره على حساب تأمين الطعام للأطفال}.

والى جانب مخاطر الحوادث، التي دفعت ثمنها أيضا سامية بتعرضها لحادث سيارة أدى إلى كسر يدها، تبرز مشكلة الأمراض التي تتسبب بها قلة النظافة، وطبيعة الموقع المحاصر بين النفايات ومياه الصرف الصحي. تقول نجمة (20 عاما) إنها تعاني من التهاب في القصبة الهوائية منذ سكنها في المخيم قبل 8 أشهر، نتيجة تعرضها لهواء ملوث. وينسحب الواقع الصحي على أطفال آخرين، مثل أطفال زعيلة مشور التي تؤكد حاجتهم للرعاية الصحية.

وعلى الرغم من هذا الواقع، لا يجد الأطفال مفرا من اللهو في مكان أكثر أمانا من الطريق الدولي، فيختارون مكب النفايات ونهر مياه الصرف الصحي للهروب من غرف رطبة، حتى يجدوا سبيلا للعودة إلى ديارهم، أو توفير مؤسسات أممية لهم ملجأ آخر أكثر أمانا، يتمتع بالحد الأدنى من مواصفات مخيمات اللجوء.
 
المصدر: جنوب لبنان: نذير رضا – الشرق الأوسط