محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

«ذاكرة اليد»!

آراء

وأنا أقرأ دراسة حديثة عن الذاكرة والكتابة بالقلم، تذكرت ما قاله لي مبتكر الخريطة الذهنية الشهيرة توني بوزان في لقائي المطول معه بالكويت، حيث قال: «لليد ذاكرة». وكان يقصد أن استخدام القلم للتدوين أو للرسم يخزن في ذاكرتنا معلومات أكثر من استخدامنا للحاسوب أو للهواتف الذكية، ولديه دراسة علمية تؤكد ذلك. وهذا ما جعله يحث الناس دوما على رسم خرائطهم الذهنية يدويا قبل استخدام تطبيقه الإلكتروني.

والأمر نفسه يتماشى مع الدراسة المهمة التي نشرتها «العربية.نت» عن صحيفة الـ«إندبندنت» البريطانية وأجراها أستاذ في علم النفس بجامعة كاليفورنيا، حيث أظهرت أن الطلبة الذين استخدموا القلم في تدوين «رؤوس أقلامهم» أو ملاحظاتهم، كانت مقدرتهم على تذكر المكتوب أكثر من أولئك الذين استخدموا وسائل الطباعة. ولم أستغرب هذا الأمر لأنني شخصيا كثيرا ما أستخدم القلم رغم ولعي بالطباعة منذ أن كانت لدي آلة طابعة أكتب بها موضوعاتي! وذلك لسبب بسيط، وهو أنني أجد في القلم تفاعلا أكبر للحواس، لا سيما في لحظات التخطيط أو وضع الأهداف اليومية، والاستمتاع بشطب المهام المنجزة واحدة تلو الأخرى على قصاصة صغيرة.

كما أن الإنسان يحتاج أن يتذكر يوميا أهدافه الكبرى (الحياتية) بكتابتها مع مهام اليوم الصغرى حتى يستطيع تذكرها وتذكر أهدافه الشهرية والأسبوعية. وقد تبين في دراسة جامعة كاليفورنيا أن كتابة الطلبة بالقلم أسهمت في حفظ المعلومات في ذاكرتهم على المدى الطويل، وهو ما يحتاج إليه المرء حينما يخطط أو يدون أهدافه. فكثيرون ينسون، في غمرة انشغالاتهم الثانوية، أهمية تذكر الأهداف الرئيسة، وأن مهامهم اليومية ما هي إلا خطوات توصلهم إلى تلك الأهداف الكبرى.

ومنا أيضا من لا يدون بالقلم بسبب اعتقاده أن ما في ذهنه يبقى ولا يحتاج تذكيرا أو تدوينا. وهذا أحد الأسباب التي دفعتني سابقا لكتابة مقال جرى تناقله عبر الإنترنت بعنوان «كيف تخطط للعام الجديد؟»، ومما ذكر فيه أن دراسة شهيرة لجامعة هارفارد توصلت إلى أن الطلبة الذين كانت لديهم أهداف في أذهانهم لكنها «غير مكتوبة»، كانت دخولهم بعد عشر سنوات من التخرج ضعف من لم تكن لديهم أهداف أصلا. أما من «دونوا» أهدافهم فكانت دخولهم عشرة أضعاف دخول خريجي الدفعة!

وهذا الأمر يجرنا لمسألة مهمة وهي ضرورة أن يرسم أو يدون الفرد كل ما يعتزم فعله على ورق. لا مانع من الطباعة لاحقا، لكن تفعيل «ذاكرة اليد» مسألة مهمة في التخطيط والتفكير بوضوح. وينسحب الأمر على الاجتماعات في كتابة البنود أو النقاط المهمة على السبورة لنتمكن من تذكرها لاحقا.

وأرى أننا في عصر ارتفع فيه النسيان ربما بسبب كثرة المعلومات التي تنهمر علينا من كل حدب وصوب حتى صرنا لا نتذكر ليس ما قرأنا وسمعنا فحسب؛ بل ماذا قلنا، ناهيك بماذا قررنا سابقا من أهداف.

ولأن المواظبة على التخطيط ووضع جدول يومي متزن يعيننا على بلوغنا مرادنا، فمن الحكمة تفعيل كل مهاراتنا وذاكرتنا بما فيها «ذاكرة اليد» لنتقدم ونكون أكثر فعالية في قراراتنا.

المصدر: الشرق الأوسط
http://aawsat.com/home/article/144576