محمد الباهلي
محمد الباهلي
كاتب من الإمارات

السعادة وتقدم المجتمعات

آراء

يتوقف عالما النفس إد داينر وروبرت بيزواس في دراستهما عن «الثروة النفسية» عند نقطة جوهرية طالما أهملها العرب في مجتمعاتهم، وهذه النقطة «الثمينة» تكمن في الدور الإيجابي الذي يلعبه الشخص السعيد في حركة التنمية باعتباره المحرك والفاعل الأساسي في النهضة والتقدم. وبذلك التوصيف المنهجي والمهني يحدد داينر وبيزواس قيمة الثروة النفسية التي يشعر بها الفرد وأهميتها ويؤكدان أنها تفوق في أهميتها الثروة المادية التي يمتلكها الأفراد والدول، وهذا أمر مهم للغاية وينبغي الانتباه إليه للاستفادة منه عند وضع أي سياسات تنموية أو استراتيجيات مستقبلية، إذ من المعروف أن الإنسان هو الأساس الذي تتحقق من خلاله خطط واستراتيجيات النهوض في الدول، وهو السبب في نجاح التجارب النهضوية الحديثة في جميع أنحاء العالم. فعندما تتوفر لهذا الإنسان كل الإمكانيات التي تجعله سعيداً في بيئة سعيدة، فسيتم الحصول منه على مردود كبير يساهم في رفع كفاءة التنمية ويجعل المجتمع في مصاف الأمم المتقدمة.

ويترجم الباحثان ذلك الأمر عبر النتائج التي توصلا إليها من خلال دراستهما ودراسات أخرى مهمة تمت على سبع شركات تتوزع على العديد من الصناعات، لاسيما صناعة التكنولوجيا الدقيقة. وقد شملت أعمال العاملين في تلك الشركات والمنظمات ابتكار المنتجات الجديدة، ووضع الأنظمة المتقدمة، وغير ذلك من الإنجازات التي كان الإبداع عاملا مهماً في إنجاحها.

وقد تبين أن الموظفين الذين حققوا معدلات مرتفعة من الإبداع والابتكار في إنتاجهم، كانوا من الموظفين السعداء، ومثال ذلك شركة جوجل التي ترجع الدراسة سبب نجاحها الكبير، والذي أعطاها هذه الشهرة العالمية، إلى الموظفين «السعداء»، حيث توفر الشركة لموظفيها كل الإمكانات التي تجعلهم سعداء، فأسعد العاملين في هذه الشركة هم الأكثر إبداعاً. وكذلك منظمة جالوب الشهيرة التي تختص باستطلاع الرأي، والتي هي الأخرى يفخر العاملون فيها بعملهم، والسبب أنها تتبع سياسات تعود بالفائدة على العاملين فيها وتجعلهم يشعرون بالسعادة. ويخضع العاملون الجدد في جالوب لمقياس «باحث القوة»، وهو مقياس وضع من أجل التجديد والاستفادة مما يملكه الفرد. وتؤمن إدارة المنظمة للعاملين بها الإمكانيات اللازمة لجعلهم سعداء؛ فالكافتيريا مدعمة، والمكاتب متساوية في الحجم لا فرق بين الموظف والمدير، وإمكانية الوصول إلى المدير التنفيذي متاحة بيسر ولجميع الموظفين، ولا توجد سياسة رسمية للغياب بسبب المرض، فمن الممكن أن يأخذ الموظف إجازة إذا كان بحاجة لها.. والنتيجة أن العاملين يستمتعون بعملهم ويقيمون الصداقات في المكتب، ويظلون على ولائهم للشركة، والشركة تحقق مستوى عاليا من الكفاءة والنجاح.

إن الفرد عندما يشعر بالسعادة وتتوفر له البيئة المناسبة، في وظيفته ومهنته، يتدفق إبداعاً وكفاءةً ويعشق عمله ويشعر بأهميته في معادلة التنمية، وهو شعور يجعله يقدم أفضل ما عنده من مهارة وابتكار وإبداع واختراع، فيعمل بقوة وحماس وتحد، ويؤمن بما يفعل، ويستمتع بإجازته وبالعودة إلى عمله، ويتميز عن غيره بمستوى عال من الكفاءة، فيصبح هو المخطط والمنفذ لأعماله، ويقوم بإسهامات مهمة تساعد على رفع مستوى المؤسسة، ويبتكر الكثير من الأفكار الإبداعية التي تدفع المؤسسة، وتالياً حركة التطور والنهوض في مجتمعه ككل.

المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=80832