واشنطن تتراجع عن اتهام الامارات بشأن غارات ليبيا

أخبار

LIBYA-UNREST-AVIATION-POLITICS

تراجعت وزارة الخارجية الأميركية عن تصريح سابق بأن الإمارات ومصر وراء غارات جوية على متشددين في ليبيا، غير أن الزوبعة التي أثارتها هذه التصريحات المرتبكة والخاطئة تثير الكثير من الجدل حول خلفيات هذا الاتهام، في ظل إقرار واشنطن بعدم صوابية التسريبات، إذ قال دبلوماسيون ومحللون مصريون وأردنيون إن الأمر يدل على تخبط في السياسات الأميركية.

وتراجعت وزارة الخارجية الأميركية عن تصريح سابق بأن مصر والإمارات وراء غارات جوية على متشددين في ليبيا.

وذكرت الوزارة، في بيان أصدرته ليلة أول من أمس، أن التعليق بشأن ليبيا «كان يُقصد به الإشارة إلى دول أفادت تقارير أنها شاركت» في موقف يفهم منه تراجعاً مرناً عن اتهاماتها السابقة. وكان هذا الارتباك الأميركي يعكس تضارباً في التصريحات، فإنه يمثل أيضاً تطوراً استراتيجياً أبعد من ذلك، ويعزز أيضاً من مؤشرات تخبط سياساتها في أكثر ملفات الشرق الأوسط سخونة.

وفي تصريحات خاصة لـ«البيان»، نفى الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية بدر عبد العاطي تسلُّم الوزارة أي تقارير رسمية من قبل واشنطن، تؤكد تراجعها عن الاتهامات الباطلة بحق الإمارات ومصر، مكتفياً بالتأكيد أن «كل ما صدر وتم نفيه كان مقصوراً على الصبغة غير الرسمية، دون أن يتم تقديم أي بيانات رسمية تخص ذلك الإطار للإدارة المصرية».

إعادة النظر

بدوره، أكد وزير خارجية مصر الأسبق السفير محمد العرابي، في تصريح لـ«البيان»، أن التراجع الأميركي عن التصريحات السابقة التي أدلى بها كل من الناطقة باسم الخارجية الأميركية جين ساكي، والناطق باسم وزارة الدفاع الأميرال جون كيربي، «أمر نحترمه»، لكن في الوقت ذاته يؤكد ذلك التراجع «السياسات الأميركية في المنطقة، التي ما زالت متخبطة للغاية». ودعا العرابي واشنطن إلى «إعادة النظر فيما يحدث بالمنطقة الآن، بنظرة شاملة، وليس بعين مصالحها فقط، وأن يكون لها سياسة واضحة في المنطقة بعيداً عن ذلك التخبط».

إدارة متخبطة

بدوره، قال مساعد وزير خارجية مصر الأسبق عادل العدوي إن الولايات المتحدة «متخبطة»، لا سيما عقب فشل رهانها على جماعة الإخوان. وأوضح أنها «تحاول إيجاد ثغرات لها في المنطقة، لذا روّجت ادعاءات بتدخل مصر والإمارات عسكرياً في ليبيا، ثم تراجعت حينما انكشفت الحقيقة»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة «لها أهداف ومصالح متعددة بالمنطقة، وتأثرت سلباً منذ سقوط الإخوان في مصر، إذ أدى إلى تخبط الإدارة الأميركية، ودفعها إلى محاولة إعادة تشكيل سياستها تجاه مصر والمنطقة بكاملها».

من جهتها، لفتت النائب الأسبق لرئيس المحكمة الدستورية المستشارة تهاني الجبالي إلى أن واشنطن «لم تعد تقول شيئاً يستحق الاهتمام والتعليق»، مؤكدةً في تصريح لـ«البيان» أن ما روجته ونفته بعد ذلك هي «إشاعات باطلة، تهدف إلى إدانة مصر والإيقاع بها في مشكلات مع شركائها في الوطن العربي».

الهيمنة الأميركية

أما مستشارة الرئيس المصري السابق سكينة فؤاد، فأكدت أن «استخدام القاهرة مبدأ الندية في التعامل مع واشنطن، فضلاً عن اللحمة العربية بين مصر والإمارات وعدد من الدول العربية الأخرى، أزعج أميركا، ودفعها نحو ترويج تلك الشائعات، ثم التراجع عنها».

وقال مستشار وزير التخطيط المصري إن التراجع الأميركي «كان متوقعاً، ويؤكد تخبط الإدارة الأميركية والخلافات بين أجنحة الحكم فيها حول موقف واشنطن من مصر والتطورات التي تشهدها المنطقة، وهو ما يُمثل إدانة واضحة وصريحة للولايات المتحدة وآليات تعاطيها مع الأزمات».

ارتدادات الخصومات

في السياق، أكد وزير التنمية السياسية الأردني خالد الكلالدة أن الخصومات المشتعلة في الساحة السياسية والعسكرية الليبية تدفع إلى العديد من التصريحات التي تحاول الانتصار إلى موقف دون آخر هناك.

وأضاف الكلالدة في تصريح لـ«البيان» أن «هذا ما يؤدي في النهاية إلى وصول تصريحات في وسائل الإعلام العالمية، هي في الحقيقة ارتدادات لهذه الخصومات السياسية والعسكرية». وأكد أن التسريبات «تأتي في مناخ من فوضى المواقف في ليبيا التي تريد فيه كل الشخصيات الليبية الانتصار لمواقفها، فتطلق تصريحات تخلو من الدقة لترمي بها خصمها، وهو ما ينتهي باتهام أطراف لا علاقة لهم بكل ما يجري».

خلط الأوراق

في غضون ذلك، قال النائب في مجلس النواب الأردني خليل عطية إن الولايات المتحدة «تحاول خلط الأوراق في المنطقة من أجل إدامة الفوضى السياسية فيها»، مشيراً إلى أنه لا يعتقد أن «التسريبات ومن ثم التراجع عنها تدخل في سياق الخطأ، بل إنه خطأ مقصود من سياسيي واشنطن، لبعثرة الأوراق السياسية في منطقة تعاني الفوضى أساساً».

وأضاف عطية أن «موقف الإمارات المناصر لجميع قضايا الأمة العربية والمدافع عنها، لا يمكن أن يقتنع معه أي مواطن عربي بأن لها أي دور سوى الدور الناهض بالأمة العربية». وأشار إلى أن «التاريخ القديم والحديث يؤكد نصرة دولة الإمارات العربية المتحدة لجميع قضايا الأمة، وأنها لم تسجل يوماً إلا احترامها للأشقاء والأصدقاء من الدول، وهو ما يؤكده تاريخ ناصع من التطور».

ونوه بأن «الإمارات التي ورثت الحكمة من حكيم العرب، ومؤسسها الراحل الكبير المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، تقوم بدور فاعل في قضايا الأمة، ملتزمةً بالنهج الذي أرسى بنيانه مؤسسها الكبير».

مزيد من التعقيد

بدوره، قال وزير الداخلية السابق سمير الحباشنة إن «المشهد الليبي مشهد يؤكد أنه يتجه نحو مزيد من التعقيد وليس الحل»، مشيراً إلى «أن الدولة هنا تسير باتجاه مزيد من التفكك». وأضاف أن تقديره السياسي «يدعم أن هناك واجباً عربياً كبيراً للتعامل مع الدولة الليبية بإنقاذها».

وأوضح وزير الداخلية السابق أن «دولة مثل ليبيا بحاجة ماسة إلى جهد عربي اقتصادي وسياسي وأمني واجتماعي شامل، لما تعانيه هذه الدولة وهذا المجتمع من فراغ». وقال الحباشنة: «ليبيا بحاجة إلينا نحن العرب، ولا يجوز أن ينظر الجسد بعدم اكتراث لما يجري في جزء مهم منه».

وأكد أنه لا يتحدث هنا عن تدخل عسكري، «بل عن جهد عربي نهضوي شامل، وهو ما تقوم به الإمارات بكل تأكيد في المنطقة بأسرها».

واشنطن وطرابلس

قال الخبير في شؤون الصراعات الدولية عدنان برية إن «الولايات المتحدة تريد من الدولة الليبية أن تكون أكثر ضعفاً، حتى تسير مع سياستها في المنطقة، وإن تصريحاً مثل اتهام الإمارات ومصر بالتدخل العسكري في الشأن الليبي ثم العودة عنه، يؤكد أن ما تسعى إليه واشنطن هو عدم السماح للمنطقة بالهدوء».

وأضاف أن «الإمارات لديها رسائل خاصة إلى كل المجتمع الدولي عامة، والولايات المتحدة خاصة، بأن عليها أن تكف عن اتهامها، وأن الإمارات دولة ذات سيادة».

المصدر: البيان