خلف الحربي
خلف الحربي
كاتب سعودي

انتحار ثقافي وإعلامي!

آراء

ساد التفاؤل بين شعوب الخليج بعد زيارة الوفد السعودي رفيع المستوى للدوحة وأبوظبي وما تلا ذلك في اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون في جدة، حيث تعززت الآمال بانتهاء الأزمة السياسية مع قطر الشقيقة التي بلغت ذروتها بعد سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، والمشكلة الحقيقية التي تهدد مجلس التعاون اليوم – من وجهة نظري – لا تتوقف فقط عند الخلافات بين القيادات السياسية حول جملة من الملفات الإقليمية الشائكة بل في الحماسة الزائدة عند بعض الإعلاميين والمثقفين للتنازل عن كل نقاط الالتقاء بيننا كخليجيين وتجاهل حاجتنا الماسة – شعوبا وحكومات – لتعزيز وحدتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية فقط من أجل تغليب وجهات نظرهم على وجهات النظر الأخرى.

هذا الأسلوب المخيف (الهجوم على المشتركات لتعزيز وجهات النظر) حدث أيضا خلال العدوان الإسرائيلي الآثم على إخوتنا في غزة، فكراهية البعض لجماعة الإخوان وتشككهم من أهداف حماس يجب أن لا يدفعهم لتجاهل حقيقة أساسية وهي أن إسرائيل قوة غاصبة احتلت الأرض وضربت بالقوانين الدولية عرض الحائط وفتكت بشعب أعزل من حقه الدفاع عن نفسه بشتى الوسائل حتى استعادة أرضه السليبة، والعكس صحيح، فاختلاف أي عربي مع سياسات حماس وتخوفه من بعض تحالفاتها الإقليمية لا يمنح الأطراف المتعاطفة مع الإخوان توزيع تهم التصهين على كل من يطرح وجهة نظر مخالفة لموقف حماس، فهذا إرهاب فكري وإعلامي مؤدلج ومبرمج لأن الفلسطينيين أنفسهم وقعوا اتفاقية سلام مع إسرائيل كبلتهم وكبلت أي حكومة عربية تحاول الوقوف علنا مع فكرة المقاومة المسلحة.

وعلى ذات المنوال البائس لا يزال هذا الأسلوب هو الأكثر رواجا في التعاطي مع الثورة السورية، فالكثيرون للأسف الشديد يناصرون بشار الأسد الذي ارتكب المجازر المريعة وقتل الأطفال بالأسلحة الكيماوية ويقفون خلف حسن نصر الله رغم مشاركته الدنيئة في إبادة شعب عربي مسلم وهم يفعلون ذلك فقط لأنهم ينتمون إلى الطائفة التي ينتمي إليها بشار ونصر الله، والعكس صحيح بالنسبة لقطاع عريض من الطائفة الأخرى الذين تجاهلوا أن الثورة السورية قامت في الأساس من أجل إنشاء دولة مدنية تجمع كل أطياف الشعب السوري فلم يخجلوا من مناصرة تنظيمات متوحشة مثل داعش والقاعدة فقط لأن هذه التنظيمات رفعت شعارات إبادة الطائفة الأخرى.

لن تقوم قائمة أمة أو شعب أو حتى أسرة صغيرة تتجاهل مشتركاتها ولا تضع خطوطا حمراء لخلافاتها، هذا ليس حديثا مثاليا، ففي كل دول العالم وفي كل التجمعات الإقليمية والدولية هناك خطوط حمراء من الحماقة تجاوزها مهما بلغت حدة الخلافات ولو كانت الأمور تدار بالانفعالات المؤقتة أو تصادم المصالح أو الحماسة القومية لما استمرت الحرب الباردة بين السوفيات والأمريكان طويلا ولحسم الطرفان خلافاتهما بالأسلحة النووية وتحول هذا الكوكب إلى غبار فضائي.

بالتأكيد لا يمكن منع بعض الأطراف من الاستمرار في المزايدة على من يختلفون معهم في وجهات النظر – خصوصا أن مثل هذه المزايدات تكون في أحيان كثيرة مدفوعة الثمن – ولكن الهجوم المستمر على نقاط الالتقاء هو أسلوب همجي لا يختلف كثيرا عن أساليب الانتحاريين الذين يفجرون أنفسهم في الأسواق، حيث يموت الجميع وتموت قبلهم وجهة النظر التي ظن الانتحاري أنه يدافع عنها!.

المصدر: عكاظ
http://www.okaz.com.sa/new/mobile/20140901/Con20140901720648.htm