عبدالله الربيعان
عبدالله الربيعان
أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية

كفى تخريباً لبيئة بلدنا

آراء

يردد الهولنديون مقولتهم الشهيرة: «إن الله خلق العالم… ولكن الهولنديين خلقوا أنفسهم»، كناية عن قوتهم وجَلدِهم على التعايش مع طبيعة بلدهم الصعبة التي تغمرها المياه في كل شبر، ومقدرتهم على التأقلم والعيش في أصعب الأحوال المناخية والجوية. وبالتأكيد، لا بد لمن حضر أو شاهد مؤتمراً أو اجتماعاً لكبار الساسة والمسؤولين أن لاحظ من يحملون اللافتات محتجين على تدمير البيئة ومطالبين بحمايتها.

وأذكر أن جماعة الخضر «وهي كناية واسم لبعض الجماعات الناشطة بيئياً» كانوا أكثر عدداً من بين كل المجموعات التي حضرت مؤتمر قمة الـ20 التي عقدت في لندن في عام 2009. وكل هذه الجماعات والفرق تنشط وتدافع عن البيئة في دول متقدمة وتعتبر تخريب البيئة جريمة كبيرة، وتسنّ الأنظمة والقوانين، وتفرض الضرائب التي تساعد في حماية بيئاتها.

وعلى العكس، لدينا بيئة صحراوية جافة، وهو ما يعني أننا يجب أن نكون أكثر حرصاً من الجميع، وأكثر حذراً في التعامل مع طبيعة بلدنا الجرداء، إلا أن ما يحصل للأسف لا يسر الخاطر. فعلى رغم قرار منع الاحتطاب، إلا أنه بقي حبراً على ورق، ولا يزال المحتطبون يقتلعون الأشجار المعمرة في كل مكان.

والأدهى والأَمَر أن بعض الصحاري والنفود اقتلعتها «الشياول» والجرافات الكبيرة، وحملتها على ظهر الشاحنات الضخمة لتدفن بها المزارع والطرق وترفع بها أساسات منازل الأغنياء.

أما بطون الأودية فحفرتها الجرافات، ونقلت لتخلط بالأسمنت في شركات المقاولات كبيرها وصغيرها. وهذا ما جعل الغرق في أوديتنا كبيراً جداً، فالوادي أصبح حفرة عميقة تغرق وتختفي فيها السيارات والبيوت الضخمة، وليس فقط البشر، لأنها حفرت ولم تترك على طبيعتها. أما شركات الخرسانة و«الكسارات» فتنخر الجبال، وتفتتها وتقتلعها لتزيد بها أرصدتها المالية من دون حسيب ولا رقيب.

ولا تسأل عن الحياة الفطرية، وما بقي من حيواناتها القليلة على قيد الحياة، فالصور التي تتبادلها المجموعات في وسائل الإعلام الاجتماعي لا تسرّ البال، وما هي إلا قليل من كثير، ولكنها بالتأكيد دليل إدانة للجميع، المواطن المستهتر، والجهات الرقابية النائمة.

وأما حديث البلاستيك، فهو ذو شجون وأحزان، فنحن الدولة الوحيدة التي تقدم الدعم الكبير لصناعة تفسد بيئتها وتدمرها، وفي حين تمنع الدول الأخرى الصناعة وتحدّ من استخدام البلاستيك، وتشترط أن تكون أية صناعة جديدة صديقة للبيئة، نقدم نحن الدعم والإعانة لتجار ومنتجي البلاستيك ليزيدوا البيئة تدميراً إلى تدمير.

كما أننا من الدول القليلة وربما الدولة الوحيدة التي لا تزال لا تفصل حاويات نظافتها بين ما يمكن تدويره، وما يجب إتلافه، وهو – أي التدوير – كنز يدر البلايين أهملناه تحت سكرة عوائد النفط، وزدنا به البيئة عواراً مع الورم.

ختاماً، بيئتنا، وأرضنا، هي أمنا، ولا تجازى الأم إلا بالشكر والتقدير والإحسان، فيا حكومة، ويا مسؤولون، ويا مواطنون، ويا غيورون، ويا جماعات البيئة، بالله عليكم أوقفوا العبث والتخريب المتعمد لبيئتنا، وعاقبوا المخرّبين، واسجنوا المستهترين، واردعوا أصحاب المصالح الخاصة، وعاملوهم معاملة الإرهابيين، قبل أن نصحو يوماً على الحقيقة المرة، ونكتشف أنه لم يبقَ في بلادنا نفود، ولا جبل، ولا وادٍ، ولا مكان نظيف نعيش فيه مع أبنائنا.

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Abdullah-ibn-Rbeaan/4349906