إسرائيل تفتح نقاشاً حول حرب شرسة مع «حزب الله»… وتطلب تمويلاً

منوعات

ما إن توقفت حرب غزة، حتى انطلق قادة الجيش الإسرائيلي في حملة تحذيرات من تدهور الوضع إلى حرب ثالثة في لبنان. فهل هي تحذيرات واقعية أم تهديدات موجهة إلى وزارة المالية الإسرائيلية كي تكف عن اعتراضها على زيادة موازنة الجيش؟

في شكل مفاجئ، وحالما أعلن عن وقف إطلاق النار في حرب غزة، بدأت إسرائيل تتحدث عن الجبهة الشمالية و «حزب الله» كما لو أن الحرب ستشتعل غداً. وتوقع البعض أن يكون هدف إثارة موضوع أخطار حرب ثالثة على لبنان، هو التغطية على ما يدور من معارك داخلية في إسرائيل حول إخفاقات حرب «الجرف الصامد» في غزة، وإسكات صوت سكان الجنوب الذين ما زالوا يعيشون بقلق لأن الحرب انتهت، ولكن خطر القذائف والصواريخ ما زال ماثلاً. وهناك من يرى أن هذا التركيز على لبنان جاء ليخيف المواطنين ويخلق حالة ضغط شعبي على وزارة المالية الإسرائيلية حتى تكف عن اعتراضاتها على زيادة الموازنة العسكرية.

قادة الجيش ووزارة الدفاع راحوا يتحدثون عن أنفاق ادّعوا أن «حزب الله» حفرها من بلدات الجنوب اللبناني، مع العلم أنهم كانوا أكدوا في الماضي القريب عدم وجود أنفاق في هذه المنطقة واجتمع قائد منطقة الشمال، بنفسه مع السكان، ليعلن هذا الموقف. لكن قيادة ثالوث حرب غزة نتانياهو – يعالون – غانتس، اختارت هذا التوجه لتجعل من تهديدات لبنان و «حزب الله» لإسرائيل العنوان المركزي لمعركتها الداخلية.

وزير الدفاع موشيه يعالون جعلها معركة مباشرة عندما وقف في حفل توزيع جوائز «رفائيل» (مصانع السلاح الإسرائيلية) يقارن بين حربي لبنان وغزة بقوله إن «عملية الجرف الصامد، كحرب لبنان الثانية، حددت أن إسرائيل تواجه تنظيمات ذات ميزات عسكرية لا يستهان بها»، مهدداً بأن جيشه اليوم على استعداد لمواجهة أي تحدٍّ، سواء كان من جانب «حزب الله» أو «حماس» أو التنظيمات الإرهابية التي تبزغ على خلفية إسلامية متطرفة. وصعد تهديده قائلاً: «لن نتردد في تفعيل كامل قوتنا لضرب من يحاول تشويش حياتنا وتشكيل خطر على مواطنينا وجنودنا، كما أثبتنا خلال الجرف الصامد».

قال يعالون: «الشرق الأوسط يغير وجهه، وبدل الجيوش الكبيرة تسيطر التنظيمات الإرهابية المتعطشة للدماء، وهي مدربة وتتمتع بمهارات، ومسلحة، ليس بالسلاح فقط وإنما بالأيديولوجية التي تتحدى النظام العالمي والدول الغربية وحضارتها». ويستنتج يعالون أن «المس بموازنة الدفاع، وما يتفرع عنها من أبحاث وتطوير وتسلح، سيدهور إسرائيل نحو أماكن يمنع الوصول إليها. لا يمكن من جهة المطالبة بجيش مدرب وماهر، مع قدرات تكنولوجية دفاعية وهجومية من الدرجة الأولى، وبمحاربين يصلون إلى ساحة المعركة مؤهلين ومزودين بالسلاح في انتظار صدور الأمر، ومن جهة ثانية تكبيل يديه».

وأضاف: «هذا ليس شعاراً، فدولة إسرائيل تحتاج إلى جيش قوي وجاهز لكل سيناريو، وليس لجيش يعمل لفترات طويلة من دون خطط متعددة السنة، تمكنه من الدفاع عن سكان إسرائيل وأمنهم».

وبالروح نفسها صرح قائد لواء حيرام «769» في الجيش، دان غولدفوس، في مقابلة مع القناة التلفزيونية الثانية، كان توقيتها مفاجئاً ومعطياتها أكثر استغراباً، إذ راح يتحدث عن وجود أنفاق لبنانية تمتد إلى داخل الحدود الإسرائيلية، وهو أمر كان نفاه قائد منطقة الشمال قبل أقل من أسبوع. وقال غولدفوس: «بكل صراحة لا أستبعد وجود الأنفاق، وهذا يقلقني». وراح مع مراسل هذه القناة يحدد عشرات الأهداف التي تضعها إسرائيل ضمن بنك أهدافها في أي حرب مقبلة مع لبنان وبثها خرائط لبلدات الجنوب مع عشرات الأهداف التي تدعي إسرائيل أنها تحولت إلى مخازن أسلحة.

ومضى غولدفوس ليعلن أن في لبنان مئة ألف قذيفة صاروخية تغطي إسرائيل من الشمال وحتى المركز والجنوب، وأن هذه الصواريخ مخزنة في لبنان ومعظمها في بلدات الجنوب اللبناني، القريبة من بلدات الشمال. وحذر من أن أية مواجهة مستقبلية مع لبنان ستكون مختلفة كلياً عن حرب قطاع غزة.

وأطلق غولدفوس الرسالة التي يبحث عنها مفتعلو حملة التهديد على لبنان، بالقول إن ما تملكه إسرائيل من قبة حديد لن تكون قادرة على مواجهة صواريخ «حزب الله» وإن الجيش يحتاح إلى معدات حربية متطورة حتى لا تتكرر عملية تفجير مدرعة «النمير» في الشجاعية التي أدت إلى قتل سبعة جنود إسرائيليين واختطاف الجندي شاؤول أورون. وقال غولدفوس إنه في حال اندلاع مواجهة عسكرية في الشمال سيكون الجيش الإسرائيلي أمام تحدي كيفية التصرف لحماية المنشآت الحيوية، من القصف الصاروخي المكثف الذي ستتعرض له إسرائيل وستضطر القيادة لاتخاذ قرارات صعبة، بينها إخلاء بلدات كاملة في الشمال».

قاعدة «تسيئيليم»

حملة الدعم التي قدمها غولدفوس لرئيسيه في القيادة العسكرية موشيه يعالون وبيني غانتس، ستكون الوسيلة الأنجع لمعركتهما أمام وزارة المالية من أجل الحصول على المزيد لموازنة الحرب، لكن هذه الحملة ليست الوحيدة فصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أكثر الصحف انتشاراً، شاركت في هذه الحملة وكتبت تقريراً عرضته على صفتحها الثانية، واختارت عنواناً له: «الحرب المقبلة». ونجح في هذه المادة، الخبير العسكري، يوسي يهوشواع، في أن يثير رعباً حقيقياً داخل كل من كان يفكر مجرد تفكير بعدم إضافة الموازنات للجيش. فكتب: «الجيش الإسرائيلي اضطر، في أعقاب الصراع على الموازنة، إلى إعداد خطط قصيرة المدى، أقصاها سنة إضافية. وهذا يمنعه من إعداد القوات للحرب كما يجب، كما أنه لا يمكنه توفير المال من خلال شراء المركز المعدات الحربية، وهذا سبب في إلحاق الضرر بجاهزيته. فقطاع غزة، يعتبر المشكلة الصغيرة بين كل التهديدات التي تواجه إسرائيل. وكما دفن عدد من القادة رؤوسهم في الرمل أمام تهديد الأنفاق، يمكن في المستقبل أن ينفجر في وجوهنا عدم الاستعداد للحرب المحتملة على الجبهة الشمالية».

وأردف: «في ضوء تضخم قوة «حزب الله» وترسخ الإرهاب العالمي، يمكن فهم أن هذا التحدي سيكون أكثر جدية. والحديث ليس عن تهديد مصدره الأراضي اللبنانية فقط، وإنما عن حلبة واحدة تشمل لبنان وسورية».

وفي هذا الجانب كان لتقرير أصدرته شعبة الاستخبارات العسكرية وضباط في كتيبة الجليل، حصة من التخويف من الحرب والدعم للموازنة، إذ يتحدث هذا التقرير عن أن «حزب الله» يتسلح ويعزز قواته ويتطور. لقد تزودت المنظمة بـ100 ألف صاروخ من مختلف الأنواع، وهي صواريخ أثقل وأكثر دقة وأطول مقارنة بتلك التي استخدمها في حرب 2006. ويستطيع «حزب الله» اليوم إطلاق ألف صاروخ يومياً، بينما لا تملك إسرائيل الرد الكافي. وفي الوقت الذي يجلس جنود الجيش الاحتياطي في بيوتهم بدل الوصول إلى التدريبات في قاعدة «تسيئيليم»، (وهي قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل يجري فيها الجيش معظم تدريباته العسكرية)، حول «حزب الله» منطقة القصير في سورية إلى قاعدة «تسيئيليم» خاصة به. هناك أكثر من خمسة آلاف ضابط وجندي من «حزب الله» يشاركون في الحرب السورية ويكتسبون مهارات ضخمة. وكل محارب في التنظيم ذهب إلى سورية مرة واحدة على الأقل، وتعلم أساليب القتال داخل أطر تشبه الجيش النظامي. وتحولت قوات «حزب الله» إلى القوة المحاربة المفضلة لدى الأسد، القوة التي تنفذ المهام الحساسة. كما تدرب رجال التنظيم على تحسين قدراتهم على إطلاق الصواريخ الطويلة المدى التي تعتبر حاسمة في الحرب المقبلة أمام إسرائيل. عملياً تقوم قوات «حزب الله» بتدريبات حية منذ ثلاث سنوات، وهذا هو حلم كل تنظيم محارب.

ولم ينسَ المسؤولون الإسرائيليون في حملتهم هذه أن يذكروا شعبَهم بخطابات الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فقال يهوشواع: «لقد وعد نصرالله في السابق باحتلال الجليل في المرة المقبلة. ولتنفيذ هذه المهمة لا يحتاج «حزب الله» إلى الأنفاق، إذ يكفي أن تجتاز القوات الخاصة السياج وتسيطر على إحدى البلدات الإسرائيلية. في القيادة الشمالية يعرفون أن تحذيرات زعيم حزب الله جدية، ولذلك غيرت القيادة في شكل درامي خططها الحربية وحولتها إلى خطط دفاعية، تماماً كما في غزة. لكن التحدي في الشمال سيكون أصعب. هناك من يقول إن حزب الله لا يملك مصلحة في شن حرب صباح غد، فالتنظيم يغوص في الحرب السورية، و «داعش» وتنظيمات الجهاد الأخرى تتحداه في البيت. ولكن وإن كانت الطلقة الأولى في الشمال لا تزال بعيدة، فمن المهم رؤية الصورة الكاملة في كل ما يتعلق ببناء قواته أمام الصدأ الذي أصاب الجيش الإسرائيلي».

ضابط كبير في القيادة العامة قال إن على إسرائيل أن تستيقظ، فإذا لم تكن قواتها البرية قوية بما يكفي، فإنها ستواجه مشكلة في الشمال.

إذاً، ما الحل؟

يجب استخدام الزيادة المالية في الموازنة لتدريب قوات الجيش الاحتياطي، ويتحتم على الجيش تكريس الأموال لشراء المنظومات والآليات المتطورة، وربما تحديد خطة متعددة السنة لشراء الأسلحة. كما سيضطر الجيش لتصحيح مفاهيمه في شأن الاعتماد على النيران الجوية والاستخبارات فقط، مقابل إهمال جيش البر. فقد اتضح خطأ هذا المفهوم في حرب غزة. ولجسر الفجوات، يتحتم على الجيش تحويل موازنات فوراً من سلاح الجو إلى سلاح البر.

ويقول ضباط في القيادة العامة إنه يمكن الاستغناء عن قسم من طائرات «إف 35» المتطورة التي لم تصل بعد. فكل واحدة من هذه الطائرات تكلف 140 مليون دولار، والمبلغ الذي سيتم توفيره يجب تكريسه للاحتياجات الفورية، العاجلة. يمكن الجيش مواجهة كل التحديات مع 15 طائرة من هذا النوع، ولكن من دون سلاح الأرض لن ينتهي الأمر في شكل جيد.

ولماذا زيادة الموازنة طالما أن القيادة أعلنت أن الجيش حقق أهداف حرب غزة؟ سؤال طرحه كثر من الإسرائيليين الذين يعتبرون كل ما تنشره إسرائيل هذه الأيام من تهديدات وتحذيرات من خطر حرب حتمية على الجبهة الشمالية، مجرد آلاعيب لاستخدامها في التفوق في المعركة الداخلية على الموازنة.

لكن العسكريين الداعمين لزيادة الموازنة ردوا على هذا بالقول إن الجيش، وإضافة إلى تقليص تدريب الوحدات النظامية وإلغاء تدريب قوات الاحتياط، يعاني من نقص في الآليات المدرعة. فالجيش يملك حالياً عدداً قليلاً من المدرعات من طراز نمير المزودة بحماية كافية، أما بقية المدرعات فهي من النوع القديم والخفيف التي رأينا مستوى تدريعها في كارثة المدرعة التي أصيبت خلال عملية الجرف الصامد في غزة. وفي حال اندلاع حرب في لبنان فإن المدرعات القديمة ستتحول إلى مصيدة مميتة أمام صواريخ «حزب الله» المتطورة. بالنسبة للدفاع الجوي لا يختلف الوضع كثيراً. فالجيش يملك اليوم تسع بطاريات فقط من القبة الحديد، ومن الواضح أنها لا تكفي لمواجهة الكارثة التي ستحدث عندما يتم إطلاق الصواريخ على إسرائيل. إن منظومة «العصا السحرية» التي تختص باعتراض الصواريخ الطويلة المدى، ستصبح جاهزة بعد سنة فقط، ولكن عندها أيضاً، ستعاني من نقص واضح: وهو أن تكلفة كل اعتراض صاروخي ستصل إلى مليون دولار.

هذا كله، وفق إسرائيل، يحتم ضمان موازنة للتدريب والاستعداد لحرب مع «حزب الله» أكثر شراسة وتدميراً، مما كانت عليه حرب غزة.

الحياة – القدس المحتلة – آمال شحادة