دول الخليج واجتثاث الإرهاب

آراء

تشهد دول الخليج العربي حراكا سياسيا نشطا على أعلى المستويات لمواجهة أي أعمال إرهابية محتملة، وحتى لا تتكرر فترة الرعب الذي مارسته «القاعدة» والخلايا النائمة لـ«حزب الله» ولا تزال، حيث تعرضت هذه الدول لأعمال إرهابية، ومن هنا كان على دول الخليج العربي أن تأخذ استعداداتها لمواجهة هذه الأعمال الإرهابية التي هي غريبة على دول الخليج العربي. ولذا أدى هذا الحراك السياسي إلى وجود حالة من «فوبيا الإرهاب» بين شعوب هذه الدول كبقية دول العالم، وهذا أمر طبيعي، وخاصة بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة التي تمثلت بتوسع نفوذ (داعش) في العراق والذي أصبح خطرا يهدد العالم أجمع.

إن ظاهرة الإرهاب الممنهج أصبحت تمثل خطرا ضاغطا على دول الخليج العربي، مما أدى بها إلى تكثيف جهودها لمواجهة هذا الخطر، ومن هنا جاء انعقاد مؤتمر جدة الذي شارك فيه وزراء خارجية 11 دولة من مختلف قارات العالم لبحث التصدي للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، وأوصى اجتماع جدة بالإسراع لإنشاء مركز مكافحة الإرهاب الذي كانت السعودية قد اقترحت تأسيسه عام 2005، ودعمته بنحو 100 مليون دولار في أغسطس (آب) الماضي. ومشاركة عدة دول في هذا المؤتمر ليعبر عن حجم هذا الخطر الذي بات يهدد المنطقة. وانعقاد المؤتمر في جدة له عدة معان أهمها أنه يعبر عن العزيمة والإصرار الذي يتحلى به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في محاربة الإرهاب، حيث إن الخطاب الملكي الذي تكرر أكثر من مرة حول ضرورة محاربة الإرهاب يؤكد على إصرار خادم الحرمين الشريفين للقيام بعمل ما لمكافحة الإرهاب.

إن مواجهة ظاهرة الإرهاب وخاصة في دول الخليج العربي، تتطلب معرفة أسباب الظاهرة وليس معالجة النتائج المترتبة عليها عندما تحدث! إن الإرهاب نتيجة وليس سببا فهو سلوك إجرامي ناتج عن فكر مشوش واتجاهات خاطئة وقيم سلبية تؤدي إلى أعمال عنف وتدمير واغتيالات للأبرياء من الناس وتدمير منشآت اقتصادية وحيوية بقصد نشر حالة من الرعب والخوف في المجتمع.

وهناك نوعان من الأسباب لا نستطيع الفصل بينهما وهما يقفان وراء ظاهرة الإرهاب محلية وخارجية، أما بالنسبة للأسباب المحلية فإن التغيرات الاجتماعية التي تمر بها مجتمعات الخليج العربي في انفتاحها على العالم الخارجي كبقية المجتمعات الأخرى والمتغيرات العالمية التي سميت «بالعولمة» نشرت قيما وعادات بعيدة عن ثقافتنا العربية الإسلامية، وبدل أن تقوم مؤسسات التنشئة المجتمعية والمنابر الدينية ووسائل الإعلام بواجبها في تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عند الشباب عن الإسلام، عملت على العكس من ذلك وقامت بغرس قيم وأفكار سلبية خاطئة بعيدة عن جوهر الدين الإسلامي مثل فكرة «الجهادية» التي لم يعمل العلماء على توضيحها كما جاءت بمفهومها الصحيح في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، مما أدى إلى ظهور فئات من الشباب مزودة بمفاهيم مغلوطة وخاطئة عن الجهاد في الإسلام كل ذلك حدث بعد تراكمات وليست هي وليدة اليوم.

ولذا لا بد لدول الخليج العربي إذا ما أرادت محاربة الإرهاب تجفيف مصادر الدعم الفكري لجماعات الإرهاب، مثلما عليها تجفيف مصادر الدعم المالي وذلك مسؤولية الدولة والمجتمع، ولذا على هذه الدول أن تخضع «العمل الخيري» تحت سيطرتها حتى لا تصل تلك الأموال التي تجمع إلى جماعات إرهابية في الخارج، ثم ترتد عليها هذه الأموال ويتم طعننا في ظهورنا وذلك عندما يتم تدريب شبابنا في الخارج على أعمال العنف والتخريب، كما حدث ويحدث في بعض دول الخليج العربي حيث يتم حشد وتعبئة وتجنيد بعض شباب طائفة الشيعة في الأوساط الحوزية في قم ولبنان وبريطانيا على يد «حزب الله»، والحرس الثوري الإيراني، ثم يعودون للقيام بأعمال إرهابية في بعض الدول بأموال «الخمس» التي ترسل عبر الحوزات العلمية إلى الولي الفقيه في إيران وتخصص هذه الأموال لهذا الغرض، وهذا ما حدث فعلا عندنا مثلا في مملكة البحرين في أحداث التسعينات، عندما تم كشف جماعات إرهابية كانت ترمي إلى القيام بمحاولة انقلابية، وأهم من ذلك على هذه الدول الخليجية تجفيف مصادر الدعم الفكري للإرهاب بأن لا تسمح للجماعات المتطرفة من أي طائفة كانت بنشر ثقافة التضليل الفكري بين الشباب، بل العكس، عليها نشر المفاهيم الدينية الصحيحة، وذلك لأن الإسلام هو دين الاعتدال والتسامح، ولذا لا بد أن لا يسمح لأنصاف المتدينين باعتلاء منابر الخطابة.

ومن الناحية النظرية فإن الاتفاقيات الإقليمية والقوانين ليست هي الحل الناجح لمكافحة الإرهاب، فلقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها مجرد كلام يكتب على الورق في أغلب الأحوال، ولذا تتطلب مكافحة الإرهاب أفعالا وليس أقوالا، وهذا ما ثبت بالدليل القاطع خلال أحداث مملكة البحرين 14- 2-2011 فلقد كان تدخل قوات درع الجزيرة بموجب الاتفاقيات الأمنية بين البحرين ودول مجلس التعاون والسعودية خاصة، له دور في القضاء على هذه المؤامرة في مهدها.

ويجب ألا ننسى أن بعض الدول المجاورة ترعى الإرهاب، ولها دور في نشره كما تفعل إيران من خلال استخباراتها الخارجية، والتي عملت خلال السنوات الماضية على نشر الإرهاب بكافة أشكاله في دول الخليج العربي والدول الأخرى انطلاقا من مبررات مذهبية وسياسية غريبة على دول الخليج العربي، ويجب ألا ننسى أن غالبية الأعمال الإرهابية حدثت ليس في مملكة البحرين فحسب، وإنما في غالبية دول الخليج العربي في ثمانينات القرن الماضي وبداية القرن الواحد والعشرين، فهل يؤدي هذا الحراك السياسي إلى نتائج ملموسة لاجتثاث الإرهاب؟

المصدر: الشرق الأوسط

http://classic.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=13076&article=787258