من يخلف المرشد الإيراني؟

آراء

يأتي عنوان هذا المقال بعد العملية الجراحية التي أُجريت للمرشد الإيراني آية الله علي خامنئي مؤخرا وما صاحبها من عودة لتساؤل ظل يشغل المراقبين نظرا لأهميته وما يترتب عليه من تفاعلات مهمة تلامس الشأن الإيراني بشقيه الداخلي والخارجي. يتمثل هذا السؤال في: من يخلف المرشد الإيراني؟

بداية لقد تردد موضوع معاناة المرشد الإيراني من هذا المرض لسنوات عدة. وما أن تزداد الشائعات حول هذا الأمر، يظهر المرشد ليفاجئ أولئك من خلال زيارته لإحدى المؤسسات الإيرانية أو لقائه بالمسؤولين. والحقيقة أن إعلان النظام الإيراني لخبر إجراء هذه العملية كان مدروسا بحيث يحول دون ظهور شائعات يستمر صداها لفترة تنعكس ربما سلبا على الداخل الإيراني.

إن مسألة من سيخلف المرشد هي موضوع مطروح في إيران وإن كان لا يطرح على الملأ. ولعل أبرز تصريح في هذا الشأن جاء عن طريق عضو مجلس الخبراء دري نجف آبادي بقوله: «ندعو الله أن يحافظ على قائد الثورة ولكن علينا أن نفكر حاليا بمرحلة ما بعد قائد الثورة».

ويأتي التساؤل هنا كيف هي آلية اختيار المرشد؟ وهل توجد عوامل من شأنها التأثير على مسألة الاختيار؟ وفقا للدستور الإيراني يقع على عاتق مجلس الخبراء عملية اختيار المرشد ومراقبته وكذلك عزله في حال تبين أنه عاجز عن القيام بواجباته. يطالعنا تاريخ النظام الإيراني بعد سقوط الشاه ليتبين معه أنه لم يكن لمجلس الخبراء دور يذكر في وصول الخميني إلى منصب مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية. كما كان لكاريزما الخميني بالإضافة إلى توسيع صلاحيات الولي الفقيه لتستقي جميع المؤسسات شرعيتها من الولي الفقيه بما فيه الدستور، دورها في أن لا يكون لهذا المجلس أيضا أي دور رقابي عليه.

وبعد وفاة الخميني كان أمام هذا المجلس وبحكم مهامه الدستورية أن يختار بين أمرين: إما مجلس مكون من 6 فقهاء، أو اختيار فقيه ليحل محل الخميني بعد وفاته بعد أن تم عزل آية الله منتظري من منصب نائب المرشد. وبالطبع فإن كلا الخيارين لا بد أن يكون من بين فقهاء مجلس الخبراء أنفسهم. وبعد شد وجذب استطاع هاشمي رفسنجاني الشخصية المؤثرة جدا في ذلك الوقت في النظام الإيراني أن يلعب دوره في اختيار المرشد الحالي علي خامنئي رغم وجود من هم أعلى منه رتبة دينية.

وبالتالي ووفقا لما تقدم سيكون لرفسنجاني دوره في اختيار المرشد القادم، إن لم يكن هو من سيتقلد هذا المنصب. هذا الأمر يدفعنا إلى نظرة متفحصة لتبيان ماذا حدث مع تقادم سنين تلك الفترة.

بالتزامن مع ذلك الحضور القوي لرفسنجاني فترة التسعينات في صورة جسدت تقاسم السلطة بينه وبين المرشد علي خامنئي كان لهذا الأخير خطواته التي عزز بها دوره فأصبحت علاقته بالحرس الثوري ومختلف المؤسسات في إيران أكثر تأثيرا وعمقا. فلم تعد صورة المرشد كما كانت في بداية توليه هذا المنصب، وأصبح لمكتب المرشد دوره في تحقيق التأثير والربط بينه وبين مختلف المؤسسات.

تجلى ذلك بوضوح من خلال التناغم بين المرشد والمؤسسة الدينية والحرس الثوري وغيرها من القوى الفاعلة التي حجمت دور الإصلاحيين وجاءت هزيمة رفسنجاني أمام الرئيس السابق أحمدي نجاد ومن ثم رفض صلاحية رفسنجاني لخوض الانتخابات الرئاسية الأخيرة لتؤكد على أن تلك الشخصية المؤثرة في اختيار المرشد لم يعد لها تأثير بعد الآن خاصة في ظل خسارته لرئاسة مجلس الخبراء.

ونعود لنتساءل من جديد من يخلف المرشد الإيراني؟

من جديد سيتولى مجلس الخبراء هذه المهمة فإما اختيار ولي فقيه وإما مجلس مكون من 6 أعضاء. وبالنظر إلى النظام الإيراني بشكل عام يتضح أن مؤسسة الحرس الثوري واستمرار سيطرة التيار الأصولي على السلطة ووجود ذلك التناغم بين تلك المؤسسات، كل ذلك يعطي مؤشرا على أن اختيار المرشد لن يكون بعيدا عن أن يكون لهذه المؤسسات رأيها في هذا الشأن. قد لا يكون التدخل مباشرا بطريقة توحي بأن الحرس الثوري على سبيل المثال هو من يقود إيران، غير أنه لا بد من الوضع في الحسبان أن هذه المؤسسة هي جزء أصيل في هذا النظام وأن هذا الأخير هو منظومة متكاملة تسير مصالحها مترابطة وفق سياسات متكاملة. وبالتالي فإن استمرار هذه المؤسسات ودورها في النظام الإيراني بهذا التأثير يعكس صورة واضحة على أن الولي الفقيه القادم لا يمكن أن يأتي على خلاف التوجه العام لهذه المؤسسات، وبالتالي فإن توقع أن يكون الولي الفقيه القادم ذا ميول وتوجهات تسير أقرب إلى التيار الإصلاحي في إيران هو أمر مستبعد لا شك. كما أن وجود مجلس مكون من 6 فقهاء من شأنه أن يخلق نوعا من التعقيد في اتخاذ القرار وتظهر معه بالتالي الحاجة إلى توزيع الصلاحيات.

هل هذا الأمر يعني بقاء إيران على نفس النهج في المستقبل؟

لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال أن شخصية المرشد لها تأثيرها في رسم السياسات العليا للنظام ولا شك السياسات الخارجية منها. وهذا بدوره يؤكد على أهمية دراسة ميول وتوجهات من يتولى هذا المنصب. لكن المتفحص للنظام الإيراني يدرك كذلك أن تلك السياسات لا تأتي وفق الأهواء والرغبات، وإنما بعد دراسة لحسابات الربح والخسارة ويأتي قرار المرشد وفق تلك الحسابات التي تساهم في وضعها جميع المؤسسات، ولا سيما الحرس الثوري.

ويأتي التساؤل الأخير هنا، هل يعني أن إيران المستقبل لن تتغير في حال جاء مرشد جديد يسير وفق نفس توجهات وميول المرشد الحالي ووفق نهج وسياسات النظام الإيراني الحالي؟

الإجابة في أبسط صورها، وهل النظام الإيراني ومرشده الحالي من الجمود بحيث لم نر أي تغيير يذكر في سياسات النظام الإيراني؟

إن الرؤية الصحيحة لقياس توجهات النظام الإيراني ومن يتولى منصب الولي الفقيه فيه، تتمثل من وجهة نظر كاتب هذه السطور في دراسة مختلف المؤثرات الداخلية والخارجية التي تحيط بهذا النظام وقراءته لحسابات الربح والخسارة للتنبؤ بمستقبل سياساته، وليس فقط إلى شخص الولي الفقيه نفسه الذي يؤثر ويتأثر بدوره ضمن منظومة مجرة النظام الإيراني ليصل إلى القرار المناسب لبقاء النظام واستمراره، وعبارة «المرونة البطولية» شاهد على أنه حتى المرشد الإيراني لديه ذلك الهامش من الحركة التي تراوح بين التشدد والتساهل وفق المصلحة العليا للنظام الإيراني.

الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=13076&article=787259