الأسكوتلنديون يستعدون لليوم الكبير ولندن توجه لهم المناشدة الأخيرة

منوعات

رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون

خلال أقل من 24 ساعة يتحدد مصير المملكة المتحدة، في خيارين لا ثالث لهما. إما أن تصوت اسكوتلندا بـ«لا» وتبقى ضمن الاتحاد الذي يجمعها مع الشقيقة الكبيرة إنجلترا منذ المعاهدة الموقعة بينهما في عام 1707، أو يختار الاسكوتلنديون كلمة «نعم» لصالح الانفصال، ويحدث الطلاق الدائم الذي لا رجعة فيه، كما حذر رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون في آخر ظهور له في اسكوتلندا.

أما أليكس سالموند، الوزير الأول الاسكوتلندي وزعيم الحزب الوطني الاسكوتلندي الذي يقود معسكر الانفصال، والذي بدا واثقا من أن الأمور تسير كما يريدها، فرد عليه قائلا إنه يتمنى أن تكون الزيارة القادمة لكاميرون لمناقشة بنود الانفصال والقضايا العملية العالقة لنقل اسكوتلندا إلى الاستقلال الدائم، والذي حدده بعد 18 شهرا من الاستفتاء، أي في مارس (آذار) 2016.

إذا صوتت اسكوتلندا بنعم فإنها ستكون أحدث دولة في أوروبا تنضم إلى قائمة دول العالم منذ انهيار يوغوسلافيا السابقة. وجاءت استطلاعات الرأي متقاربة في هذا الاستفتاء غير المسبوق، الذي أربك النخبة السياسية وقادة الأحزاب الرئيسة، المحافظين والعمال والديمقراطيين الأحرار. وتقول مؤسسات استطلاعات الرأي إنه من الصعب التكهن بدقة حول النتيجة لأنه لا توجد سابقة يمكنهم المقارنة معها، لكن الأمر أدى إلى حالة استنفار بين أحزاب ويستمنستر، التي بدأت ترى أن الانفصال أصبح قاب قوسين أو أدنى.

وأمس، كرر قادة الأحزاب البريطانية الثلاثة الكبرى تعهدهم السابق، الذي جاء بتخويل منهم على لسان رئيس الوزراء السابق غوردن براون، بمنح البرلمان الاسكوتلندي مزيدا من السلطات في حال رفض الانفصال. ونشر هذا الوعد في الصفحة الأولى للصحيفة الاسكوتلندية اليومية «ديلي ريكورد» بعنوان «التعهد» بأحرف كبيرة. وحملت الصفحة تواقيع وصور القادة، ديفيد كاميرون عن المحافظين ونيك كليغ عن الديمقراطيين الأحرار وإد ميليباند عن المعارضة العمالية. وأكدوا «إننا متفقون على أن البرلمان الاسكوتلندي دائم، وعلى منحه سلطات جديدة موسعة». وأضاف «الناس يريدون التغيير، والتصويت بالرفض سيجيز تغييرا أكثر سرعة وتأكيدا، وأفضل من الانفصال». وعرض التعهد جدولا زمنيا لتطبيقه من قبل برلمان إدنبره.

إلا أن نيكولا ستيرجين، نائبة الوزير الأول أليكس سالموند، ردت بأن هذا التعهد هو محاولات يائسة، واعتبرته إهانة للناخب الاسكوتلندي، وأن الرد الحقيقي والحصول على كل هذه الامتيازات سيكون بالتصويت بنعم للانفصال.

وجاء في التعهد إعطاء حكومة اسكوتلندا المحلية سلطات قوية جديدة في مجال تحصيل الضرائب والإنفاق في حال فوز معارضي الاستقلال. وقال إن قوانين جديدة ستعد بحلول يناير (كانون الثاني) 2015.

والسؤال الوحيد المطروح على بطاقات الاقتراع «هل يجب أن تصبح اسكوتلندا بلدا مستقلا؟». وستفتح مكاتب الاقتراع أبوابها عند الساعة السابعة صباحا على أن تغلق عند الساعة العاشرة. ومن جزر شيتلاند في الشمال إلى إدنبره وغلاسغو في الجنوب، ومن الغرب إلى مركز النفط ابردين شرقا، ستظهر النتائج من 32 منطقة محلية خلال ليل الخميس. ويتوقع أن تكون نسبة المشاركة عالية جدا لتصل إلى مستوى قياسي، أكثر من 80 في المائة من المسجلين والذين وصلت نسبتهم إلى 97 في المائة من الذين تنطبق عليهم شروط الانتخاب. ولأول مرة سيسمح في بريطانيا بالتصويت لمن هم فوق السادسة عشرة من العمر. وكانت الحكومة المحلية قد أصرت على تغيير السن القانونية لحق الانتخاب. وستعلن النتيجة الرسمية صباح الجمعة في إدنبره. وسجل نحو 4.3 مليون شخص أسماءهم للمشاركة في التصويت، مما يدل على الاهتمام الشديد بهذا الاقتراع.

وتعتقد مؤسسات الاستطلاع أن نسبة الأشخاص الذين لم يقرروا بعد ستكون حاسمة. وقال سائق التاكسي الذي نقلنا من محطة القطارات إلى الفندق إنه لم يقرر بعد لمن سيدلي بصوته، مضيفا أنه لم يصوت سابقا في استفتاء 1997 الذي على أثره تأسس برلمان إدنبره بعد قدوم حزب العمال بقيادة توني بلير. وقال إنه سيصوت هذه المرة لكنه لن يقرر إلا بعد دخوله إلى المكان للإدلاء بصوته. لكنه يعتقد أن النتيجة لن تغيير شيئا بالنسبة له، وأنه سيبقى يعمل في مهنته، وأن العملية ستخلق مزيدا من السياسيين والبيروقراطيين.

وأثارت حملة الاستفتاء انقسامات شديدة في الآراء حتى ضمن العائلة الواحدة أو الأصدقاء منذ فترة طويلة، لكنها بقيت سلمية، في مثال نادر لحركات انفصالية في أنحاء العالم.

جوليا، التي التقيناها في الصباح وتعمل محاضرة في جامعة إدنبره، كانت متحمسة للعملية الاستفتائية، وأكدت أنها ستصوت لصالح الانفصال. وبدت متحمسة أكثر عندما عرفت سبب وجودنا في إدنبره، وكيف أن العالم استفاق بين ليلة وضحاها على ما يطمح لتحقيقه الاسكوتلنديون. لكنها أكدت هي الأخرى أن الأمور ليست بهذه البساطة، مضيفة أن زوجها سيصوت ضد الانفصال. وقالت «المهم في الموضوع هو رفع وعي الناس بالعملية الديمقراطية وإشراك أكبر عدد من الناس في الأمور السياسية التي بدأ الكثيرون في الابتعاد عنها». وأثار الموضوع جدلا واسعا ومخاوف حول الأسواق المالية حيال كيفية فصل اقتصادين متداخلين إلى هذا الحد. وبالأمس، أصدرت كونفيدرالية الصناعيين البريطانيين نداء تطالب الناس فيه بالتصويت بلا، لأن ذلك سيكون أفضل للجميع ولعالم الأعمال. وقال البيان «نأمل أن تصوتوا بلا، لأن ذلك من مصلحتنا جميعا وسيزيد من قوتنا الاقتصادية». وكان احتمال فوز الوحدويين يعتبر بحكم المؤكد قبل أسابيع، لكنه أصبح على المحك الآن بعدما أظهرت آخر استطلاعات الرأي أن نسبة المؤيدين والمعارضين أصبحت متعادلة تقريبا.

كاميرون، الذي يمكن أن يصبح منصبه مهددا في حال انفصلت اسكوتلندا، حاول مرارا التخلص من سؤال طرح عليه الليلة قبل الماضية حول مسؤوليته التاريخية عن تفكك المملكة المتحدة، الذي قد يصبح حقيقة بعد أقل من 24 ساعة. «أريد أن أكون رئيس الوزراء الذي حافظ على وحدة المملكة المتحدة»، هذا ما قاله كاميرون بعد التصديق على الاتفاقية التي تم بموجبها تنظيم الاستفتاء في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وقال رئيس حكومة اسكوتلندا المحلية أليكس سالموند، مهندس حملة الاستقلال، إن شعبه «على وشك صنع التاريخ».

وتخشى السلطات البريطانية من أن يؤدي انفصال اسكوتلندا إلى إحداث مزيد من الانشقاقات في المملكة المتحدة. ومهما كانت النتائج فإن الاستفتاء سيخلف عواقب كبرى على المملكة المتحدة وأبعد من ذلك. وهذا الأمر تسبب في ظهور دعوات مماثلة للحصول على سلطات محلية أوسع من قبل أقسام أخرى في البلاد، مثل آيرلندا الشمالية أو ويلز، وحتى في مناطق ضمن إنجلترا مثل كورنويل ويوركشير.

كما أن حملة الاستفتاء أعادت إحياء نزعات انفصالية خارج بريطانيا في أماكن مثل كتالونيا، حيث احتشد مئات آلاف الأشخاص في برشلونة الأسبوع الماضي للمطالبة بتنظيم استفتاء حول الانفصال عن إسبانيا.

وسيفتح فوز مؤيدي الاستقلال فترة تمتد عدة أشهر من محادثات معقدة تؤدي إلى استقلال كامل. ويريد الحزب الوطني الاسكوتلندي أن يعلن الاستقلال رسميا في 24 آذار 2016 في الذكرى الـ309 للاتحاد بين إنجلترا واسكوتلندا. لكن يعتقد العديد من المعلقين أن 18 شهرا لفك ارتباط دام أكثر من 300 عام ليس بالأمر السهل، فهناك الكثير من القضايا العالقة، فالديون والعملة ومداخيل بحر الشمال مثلا ما زالت من القضايا العالقة بين الطرفين.

وقد ضخت بريطانيا ما قيمته 187 مليار جنيه إسترليني في البنوك الاسكوتلندية، وهذا أكبر من الدخل القومي الاسكوتلندي الذي يقدر بـ122 مليار جنيه إسترليني. وفي مقابلة سابقة مع القناة الرابعة البريطانية قال سالموند إنه سيحصل على 90 في المائة من مداخيل بحر الشمال التي تقدر بـ10.5 مليار جنيه إسترليني سنويا. وتحتوي حقول النفط والغاز في بحر الشمال على 24 مليار برميل، تقدر قيمتها بـ1.5 تريليون جنيه إسترليني. وهناك خلاف كبير بين الخبراء بخصوص هذه التقديرات وأيضا حول ملكية الآبار، فحكومة لندن تقول إن حصة اسكوتلندا هي 8 في المائة من مبيعات غاز بحر الشمال.

ويتهم معسكر رافضي الاستقلال سالموند بالمبالغة في تقدير العائدات المرتقبة من احتياطي الغاز والنفط في بحر الشمال، فيما يقول مناصرو الاستقلال إنها ستجعل اسكوتلندا إحدى أغنى دول العالم الصغيرة. ويبني سالموند الكثير من اقتصاد اسكوتلندا المستقلة حول حصته من البترول. ويعتقد بعض الخبراء أنه حتى في حالة حصول اسكوتلندا المستقلة على حصة الأسد من مبيعات بترول وغاز بحر الشمال (بعد الحسم جغرافيا للمياه الإقليمية بين البلدين) فإن التذبذب في أسعار السوق لن يكون دائما لصالح اسكوتلندا، كما أن احتياطي النفط في حالة تراجع. أضف إلى ذلك أن ملكية الآبار ستثير معارك قانونية بين البلدين.

كما يصر سالموند على استعمال الجنيه الإسترليني كعملة لاسكوتلندا المستقلة، وهذا ما ترفضه لندن. وفي المناظرة الأخيرة التي جمعت أليكس سالموند مع اليستار دارلينغ، الذي يقود حملة «أفضل معا»، أصر الأخير على أن ذلك لن يتم بموافقة بنك إنجلترا المركزي. لكن سالموند مصر على المضي في ذلك رغم التحذيرات بأنه لن تكون لديه أي سلطة سياسية أو مالية لتحديد نسبة الفوائد. وقال دارلينغ إن اسكوتلندا سيكون وضعها مثل بنما في أميركا الوسطى التي تستخدم الدولار الأميركي دون موافقة واشنطن. ولهذا فإن الشق الأكبر من النقاشات ما زال يدور حول مواضيع اقتصادية معقدة.

وقد هدد العملاق المصرفي «رويال بنك أوف اسكوتلاند»، أو البنك الملكي الاسكوتلندي، بنقل مقره إلى انجلترا إذا استقلت اسكوتلندا، وذلك في تصعيد جديد للمؤسسات الكبرى في عالم الأعمال البريطاني ضد هذه الخطوة المحتملة، في حين حذر صندوق النقد أيضا من مغبة فوز المعسكر الذي يدعو إلى الاستقلال. كما حذرت الشركات الكبرى بشدة من مخاطر قطع هذا التحالف الذي يعود إلى أكثر من 300 عام، وضاعفت جهودها لتحذير الناخبين الاسكوتلنديين من العواقب الاقتصادية غير الواضحة لانفصالهم عن بريطانيا. وسعى سالموند، الاثنين، إلى إقناع المسؤولين الاقتصاديين في إدنبره بفوائد الاستقلال، أمام التحذيرات التي أصدرتها الأوساط المالية. واتهم الحكومة البريطانية بتنظيم حملة سلبية، مكررا أن هدفه هو إنشاء اسكوتلندا «أكثر ازدهارا» و«أكثر عدلا». وتلقى سالموند دعم حامل جائزة نوبل للاقتصاد جوزيف ستيغليتز الذي اعتبر أن «حملة التهويل الجارية بلا أساسات كثيرة».

ورد سالموند على عرض لندن الأخير وحزمة السلطات الإضافية بأنه «عرض يائس فارغ في اللحظة الأخيرة». وصرح عبر إذاعة «بي بي سي اسكوتلندا» بأن النص «لن يردع سكان اسكوتلندا عن اغتنام الفرصة الضخمة لوضع مستقبل اسكوتلندا في يديها الخميس المقبل». كما رد متحدث باسم المعسكر الاستقلالي قائلا «من الجلي أن معسكر الترويع مستعد لقول أي شيء في الأيام الأخيرة من الحملة في مسعى لوقف تقدم التأييد». وأضاف «في الحقيقة أن الطريقة الوحيدة لضمان حصول اسكوتلندا على جميع السلطات التي تحتاجها هي بالتصويت تأييدا الخميس».

ونشر «التعهد» غداة الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى اسكوتلندا للدفاع عن وحدة المملكة المتحدة. ففي خطاب ألقاه في قصر المؤتمرات في مدينة ابردين، الميناء النفطي في شمال شرقي اسكوتلندا، قال كاميرون «ابقوا لو سمحتم» و«أرجوكم ألا تفككوا هذه العائلة». وأمام 800 شخص من المؤيدين لبقاء المنطقة الشمالية من ضمن المملكة المتحدة، أشاد كاميرون بجميع الإنجازات في 307 أعوام بعد اتفاقية الاتحاد، في مجالات العلوم والأدب والرياضة وغيرها.

ثم وجه إنذارا بأنه «لن يكون هناك مجال للعودة»، في حال صوت الاسكوتلنديون لصالح الاستقلال، ولن تكون هناك لا عملة موحدة ولا نظام تقاعد موحد ولا جوازات سفر موحدة. وقال، إدراكا منه بأنه إذا كان التصويت هو ضد حزب المحافظين عموما في هذه المنطقة «لو كنتم لا تحبونني فأنا لن أبقى هنا إلى الأبد.. أما هذا الطلاق بيننا فسيكون أبديا».

وفي لندن، تظاهر الآلاف من مناصري بقاء اسكوتلندا ضمن المملكة المتحدة، واتجهوا عصرا نحو ساحة الطرف الأغر بوسط لندن. وارتدى بعضهم الكيلت (التنورة التقليدية الاسكوتلندية)، فيما رفع آخرون أعلام اسكوتلندا والمملكة المتحدة، ولافتات كتب عليها «اسكوتلندا.. لا ترحلي.. نحن نحبك». كما أن معسكر رافضي الاستقلال يمكنه الاعتماد على دعم لاعب كرة القدم ديفيد بيكام الذي دافع عن المملكة المتحدة وعن وحدة مناطق «يحسدنا عليها العالم بأسره». وكتب كابتن المنتخب الوطني سابقا في رسالة مفتوحة نشرتها حملة «معا أفضل»: «ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا.. فلنبق معا». وقبله، صرحت الملكة إليزابيث الثانية، التي تمتنع عن التدخل رسميا في الحملة، بعد حضور قداس قرب مقرها الصيفي في بالمورال باسكوتلندا «آمل أن يفكر الناس مليا في مستقبلهم قبل التصويت».

إدنبره: عبد اللطيف جابر
الشرق الأوسط