جاسر عبدالعزيز الجاسر
جاسر عبدالعزيز الجاسر
مدير تحرير صحيفة الجزيرة

خلية أزمة في السعودية

آراء

أمنياً لا تحتاج السعودية إلى ذلك ففي أجهزتها الكفاءة والقدرة كما برهنته في مناسبات كثر، في مجال الإرهاب تستبق المخططات فتئدها حيث منبتها، في المخدرات تقتنص محاولات اصطياد الجرابيع، في الخدمات من جوازات وأحوال ومرور غيرها تتسيّد التقنية المجال فلا تأخير أو ضرر. للجهات العسكرية مستشفياتها وأكثرها وفّر السكن للعاملين فيها ما جعل منسوبيها يتمتعون بخدمات لا يتذوقها المواطنون الخاضعون لمؤسسات مدنية.

في المؤسسات العسكرية المختلفة أخطاء ونواقص، لكنها لا تتطلب خلية أزمة يجب أن تخلع بدلتها الأمنية المتوترة لترتدي ثوباً وعقالاً وبشتاً مزخرفاً تزينها «كرش ظاهرة» لزوم المقاربة والإنصاف.

خلية الأزمة هذه مدنية على غير العادة مهمتها ملاحقة خيبات المؤسسات المدنية المختلفة وعجزها عن القيام بدورها وما في وعودها من مماطلة وقراراتها من تعسف ومحاسبة مسؤوليها على تعثر المشاريع وسوء الأداء والهدر المالي.

هيئة مكافحة الفساد في العام الماضي أظهرت أن كلفة المشاريع المتعثرة تتجاوز 40 بليوناً من الريالات بنسبة 33.47 في المئة. وفي كل منطقة تقريباً يوجد مشروع ما لم ينبت منه سوى لوحة ضخمة علاها الصدأ أو حفريات معلقة نسي الناس الغاية منها وسبب ظهورها.

وزارة المالية شعرت بالحرج خصوصاً أن المناطق والجهات تحمّلها، في كثير من الأحيان، مسؤولية التعثر فأصدرت، بالتضامن مع وزارة البلديات فتوى توضح وجود فرق بين التعثر والتأخر مبرهنة أن المشاريع المتعثرة لا تتجاوز 13 في المئة، ثم أكدت أن بعض المشاريع تنفذ في وقتها، وكأن هذا المسلك إنجاز يحتفى به ما يستدعي إنشاء جائزة وطنية تمنح لكل مقاول يلتزم بالمواعيد.

في التوظيف انتشرت منذ أكثر من ثلاثة أعوام حمى الترويج لوظائف السعوديين حتى أن هيئة الاستثمار في عهدها الماضي التزمت بتوفير 300 ألف وظيفة للسعوديين لم يتحقق منها شيء إلا إن كان مستثمروها في مجال المطاعم والحدادة حصلوا على الجنسية. قبل أيام صعقنا مجلس الشورى حين كشف أحد أعضائه أن البطالة زادت 3.3 في المئة، وكان الظن أن وزارة العمل تبحث عن العاطل بعدسة مكبرة فمن يتحمل المسؤولية؟ وأين مكمن الخلل؟

معظم التصريحات الحكومية لا تتحدث عن المنجز، وإنما تفتح بوابة الوعود، فإذا انتهى زمنها أشرعت بوابات أخرى. الإعلام المسمى سلطة رابعة لم يعد يحرك شعرة في المسؤول، لأن كثرة الانتقادات والحقائق لم تبدل وضعاً أو تثمر مساءلة، فاطمأنوا إلى أنه صوت لا يسمع وحنجرة لا تتجاوز مداها.

في البلد يأس من معالجة المشاريع المتعثرة ما لم تستلمها «أرامكو»، كما هو حال الملاعب الرياضية، ثم عادل فقيه أسند إليها مشاريع «الصحة» المتعثرة، لكن هذا الالتفاف لن يحل المشكلة ما بقي مسؤول متخاذل يحظى بالحماية، وينجو من المساءلة عن تقصيره وسوء أدائه، كما أن «أرامكو» ليست شركة مقاولات، لكنها تسهم في حل بعض المشكلات.

خلية الأزمة هيئة مصغرة تقبض جميع الصلاحيات وتتخذ قرارات حاسمة، لأنها تعالج وضعاً طارئاً لا يحتمل التأخير، ومهمتها إزاحة كل من يعرقل خطواتها، ويؤخر سياساتها التحصينية.

الخلل لا يقتصر على المشاريع، بل مصيبته الكبرى التراخي في مقاومة عوامل التطرف ومعالجة الاختراق الداخلي، وتردي الأداء الوظيفي وغياب المعايير فما الذي يمنع محاسبة هؤلاء وبعضهم أمضى أعواماً طوالاً حصيلتها المتكررة الفشل والخيبات، ومع ذلك ضاقت الأرض عن توفير بديل له؟

لم يدخر الملك عبدالله بن عبدالعزيز جهداً في الإصلاح وتوفير الموارد والاهتمام باحتياجات مواطنيه إلا أن التقصير يأتي من الإدارات التنفيذية، فهل يجب أن توكل الوزارات إلى العسكريين قياساً إلى تقدم أدائهم وتسارع خطواتهم كما في «الداخلية» بدءاً من متحدثيها الرسميين، ووصولاً إلى خدماتها الميسرة وإجراءاتها السريعة، على رغم أنها تحمل عبء الكثير من الخدمات الحساسة؟

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Jasser-AlJasser/4641449