زينب حفني
زينب حفني
كاتبة سعودية

من يُطفئ سعير التشدد؟

آراء

اشتعلت في الآونة الأخيرة صفحات التواصل الاجتماعي ما بين مؤيّد ومُعارض لقرار وزارة التربية والتعليم السعوديّة، سحب كتاب العلوم الإسلامية الخاص بالصف الأول الابتدائي، بسبب صورة على الغلاف لطالب ينتمي لمذهب مُخالف للمذهب السني! ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، بل قام عدد من الدعاة المتطرفين بتحريض أولياء الأمور على تمزيق غلاف الكتاب، والمطالبة بطرد المعلمين منهم خارج الهيكل الوظيفي التعليمي!

بالتأكيد سيتم تخصيص ميزانية لإعادة طباعة الكتاب، وهو تصرّف أقل ما يُقال عنه إنَّ فيه إهداراً للمال العام! إضافة إلى أنه يتضمن دعوة للعنصريّة الطائفيّة والمذهبيّة التي أصبحنا نُعاني منها ونكتوي بنارها في العقود الأخيرة! ولا أدري إلى أي طريق مظلم يقود المتشددون الأجيال الصاعدة، مستغلين أرضيّة عقولها الخصبة لتلقّي كل الأفكار الهدّامة وتبنيها لاحقاً حين تدخل معترك الحياة؟

كل هذا يجري في بلادنا على الرغم من النداءات المتكررة التي أطلقها الملك عبد الله منذ سنوات مضت، داعياً فيها إلى تعزيز نسيج الوحدة الوطنية وفتح قنوات للحوار مع المذاهب والطوائف الأخرى ونبذ العنصريّة والطائفيّة! ولكن للأسف وجدنا أنَّ هذه المساعي ذهبت أدراج الرياح!
ما فائدة نداءات العقلاء من المثقفين والدعاة المعتدلين الذين يُنادون بالوحدة الوطنيّة والاهتمام بتطوير الخطاب الديني، وعلى الجانب الآخر ترتفع الأصوات المتشددة لطمس الآخر وإقصائه وإغلاق قنوات الحوار؟ ما فائدة الأقلام المعتدلة التي تُطالب بنبذ العنصرية والطائفيّة والتعايش المشترك، والإعلام بقنواته المختلفة يفسح المجال أمام الدعاة المتشددين لنفث سموم الفرقة بين أبناء الوطن الواحد؟ ما فائدة المؤتمرات والندوات الدوليّة لترسيخ مفهوم التسامح والتعددية، ولا تجد في قاعاتها آذاناً صاغية؟

ليس سرّاً أن نداءات الإقصاء وتكفير الآخر التي يُصر المشايخ المتعصبون على نشرها بين الشباب الصاعد، هي التي وسّعت رقعة التطرف الفكري بمجتمعاتنا العربيّة، وهي التي فرّخت فيما بعد الجماعات التكفيريّة التي لا تعرف سوى طريق العنف الدموي لتحقيق مطالبها! لفت انتباهي مؤخراً خبر تناقلته وكالات الأنباء، حول قرار رئيس الوزراء الأسترالي الإقامة في خيمة بمنطقة تُقيم فيها إحدى قبائل الشعوب الأصليّة، ليُمارس مهام عمله من هناك بعد وعد قطعه على نفسه أثناء حملته الانتخابيّة. جاء هذا القرار بعد سلسلة من الهجمات العنصريّة على السكان الأصليين، وكان زعيمهم قد طالب الحكومة بتعديل الدستور ليتضمن الاعتراف بحقوقهم وملكيتهم لأراضيهم وتحسين أوضاعهم المعيشيّة.

الموقف الذي اتّخذه رئيس الوزراء الأسترالي ينمُّ عن نظرته العقلانيّة المستقبليّة وحرصه على استقرار مجتمعه، وهو النهج الذي تتبعه البلدان المتحضّرة بعد أن تعلمت من دروس ماضيها وحرصها على غسل أيديها الملطخة بالدماء، نتيجة تورّطها بالمجازر التي وقعت للسكان الأصليين.

نحن للأسف لا نتعلّم من دروس الأمس، بل نتمسّك برؤانا وإن كانت ستتسبب في كوارث اجتماعيّة على المدى القريب! وقد أطلعتُ على تقرير مصوّر عن «داعش» وكيف تُجنّد الأطفال اليتامى الذين قُتل آباؤهم في المعارك الدائرة بالعراق وسوريا، وقيامها بإجراء عمليات غسل لأمخاخهم بعد تدريبهم على حمل السلاح وتلقينهم دروساً حيّة في فن القتال والعمليات الانتحاريّة ليصبحوا عندما يكبرون قنابل موقوتة!

وعودة إلى مقرر كتاب العلوم الإسلامية، أتمنى على وزارة التربية والتعليم أن تُعيد النظر في قرارها كي لا تبني عقدة التعصّب الديني في نفوس الأطفال الذين ولدوا وهم ينظرون للعالم على أنه زهري اللون، وأن تحرص على تعليم النشء الجديد من خلال مناهجها التسامح وتقبّل الآخر وفكرة التعايش المشترك. لا أدري لماذا يُصرُّ هؤلاء الشيوخ على إشعال النار بحقولنا الخضراء حتى أحالوا أكثرها إلى تُرب بور؟

المصدر: الاتحاد

http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=81354