مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

عسكر العيد

آراء

كالعادة.. سوف تأتيكم عبارة “عيد بأية حال عدت” في عشرات المقالات عبر الصحف العربية، ولعل الكتاب معهم حق في جزئية الألم العربي الكبير الموجع.. وما من شيء يعبر عن مكنوناتهم مثل صدر البيت الشهير لأبي الطيب المتنبي، فالذهنية العربية بصورة عامة لا تتقبل الفرح وقت الحزن، وما يغمر العرب بصورة عامة هو شعور الألم لما يمر بهم إخوتهم في البلدان المضطربة، وهو ذروة التلاحم مع من تربطهم معهم روابط الأخوة والدم واللغة والدين..

من يحزن معذور فالقتل المجاني والدمار والخراب والتشريد والتهجير.. كلها أمور تجلب الحزن. ومن يريد الفرح معذور أيضا، فلا ذنب للأطفال في ما فعله الطغاة، ولا ذنب لهم في أن “تنظيم داعش” ظهر ليحول المشهد إلى كارثة.

ولأن هذا الزمن في غير أماكن الهلاك حافل بما يشبع رغبات الأطفال، فقد عقد صغاري في مغتربهم اجتماعا طارئا لمجلس بيتنا وأقروا برنامج عيد الأضحى الذي يطلّ علينا، وخشية “ربيع عربي” مفاجئ لم يكن علينا نحن الكبار إلا إزاحة “الحزن” والخضوع لبرنامجهم بديموقراطية لا مثيل لها، لأن حدوث تمرّد ضد النظام القائم في البيت قد يؤدي إلى كارثة تنتهي بحالة شبه “داعشية”، وكذلك لأن الديموقراطية تقول إن العيد للأطفال ويفترض أن يعيشوا خلاله أوقات فرحهم كما يحبون. أما نحن الكبار فمهمتنا تختصر بـ”الحزن” ومعايدة الأهل والأحبة وفي تلبية ما يريد الصغار.

ولو أردنا نحن الكبار أن نعيش حالة طفولية ونفرح فالعوائق كثيرة، وأتذكر أني كتبت هنا قبل سنوات كيف ذهبت مساء مع الأسرة في أول أيام عيد الأضحى بعد انتهائنا مبكرين من إعداد صفحات “الوطن” إلى ملاهي الأطفال في مجمع كبير، وفي لحظة جنون طفولي هممت باللعب مع ابني لكن العامل نهرني قائلا: “هذا حق بزورة”.. فتركت الصغير يلعب وحده مع متابعتي له عن قرب، متذكرا أرجوحة العيد الخشبية التي كنا نسميها “اللَّيْلي” في الرقة قبل الزمن الداعشي بأربعة عقود وأكثر، وهذا “الليلي” انقرض منذ زمن لتظهر الألعاب الحديثة..

تذكرت جارنا في “الرقة” صاحب ما يسمى بـ”اللَّيلي” وهو ينصب أخشابه ليلة العيد داخل قوس “السبع بحرات” المعدني، الذي أزيل وصار حجرا ثم صار “الدواعش” يعلقون عليه الرؤوس المقطوعة.. وتذكرت كيف كان يأخذ بعض عيدياتنا ويحرّك “اللَّيلي” بركّابه وينشد: “يا حج محمد…”، وعندما ينتهي دورنا يقول منشدا: “جَتَّ العسكرْ.. قامتْ تسْكَرْ..”، ولم نسأل حينها عن أسباب “سُكْر العسكر” في العيد.. أولئك العسكر الذين نسمع ذكرهم في الأغنية ولا نراهم، غير أنهم يوم ظهروا عاثوا فسادا وحولوا بلدا جميلا إلى كومة من خراب.

المصدر: الوطن أون لاين

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=23252