عبدالله المغلوث
عبدالله المغلوث
كاتب وصحفي سعودي

يقرب لك؟

آراء

أخطر سؤال أحاول أن أتحاشى أن أقترفه عند لقائي بشخص غريب لأول مرة هو: “يقرب لك فلان”؟ هذا السؤال فخ للسائل والمسؤول. فالإجابة ستحدد مسار الحوار وربما العلاقة معكما. قد ترفعك عاليا في عين السائل أو تهوي بك. فإذا كان يحب قريبك فيسألك أسئلة لا سقف لها. سيستعيد ذكرياته معه بنهم على مسامعك. سيسترجع ضحكته المدوية. سيطرب أذنيك بمواقفه الخالدة معه. سيتحدث طويلا عنه وستأخذ علاقتك مع هذا الشخص منحى إيجابيا آخر. أما إذا كان لديه تحفظ عليه فسينالك من الشر جانب. سيسخط عليك داخليا وسيراك نسخة أخرى من قريبك الذي لا يشتهيه ولا يتقبله. فإذا كانت معاملتك لديه فعليك وعليها السلام. أما إذا كان هناك مشروع عمل بينكما فربما يصبح مشروعا لا يتحقق. ستكون فريسة لما يحمله من ضغينة تجاه قريبك.

هذا السؤال يشبه إبرة لا خيار أمامها سوى غرز رأسها المدبب في جلدك. ستحول الحوار الطبيعي واللقاء الاعتيادي إلى مواجهة الماضي مع الحاضر. سيفوز الماضي بنتيجة قاسية وسيخرج الخاسر مطأطئ الرأس إثر نتيجة قياسية، كما حدث للبرازيل في المونديال، الذي استضافته أراضيها.

سينتزع هذا السؤال صفة العفوية والحيادية والطبيعية من حواركما. ستدفع ثمن أخطاء أو مزاج غيرك. لن تتمتع باستكشاف واكتشاف الطرف الآخر. ستحاكمه بما فعل الأوائل.

“يقرب لك؟” سؤال لا تجده إلا في المجتمعات التي تعشق التصنيف والتأطير واجترار الماضي. يغيب هذا السؤال عن أي مجتمع يحاكمك على أدائك وتصرفاتك وشخصك. ستفتح إجابتك عن هذا السؤال أبوابا وربما تغلق أخرى، لأن هذا ابن عمك أو ذاك ابن خالتك.

نكرس العنصرية في حواراتنا البسيطة دون أن نشعر. نمنح لنيّاتنا فرصة تقييم الآخرين نيابة عنا. عودوا إلى ذكرياتكم واسترجعوا كم “يقرب لك؟” ذرفتموها وسهلت من مهمتكم، وكم “يقرب لك؟” ارتكبتموها وصعبتها وعقدتها عليكم. ستفزعك الإحصائية.

أدعوك وادعوني لنقلع عن هذه النوعية من الأسئلة. أعلم تماما أنها مغرية وجذابة وفاتنة وتسيل لعابك، وصعب الإقلاع عنها كالتدخين وأي عادة سيئة. لكنك عندما ستقاومها ستدرب نفسك على مواجهة الإغراءات العديدة في حواراتنا الشفهية.

عندما تسألني “يقرب لك؟” ستبتعد عني وتقترب من الذي يسكن مخيلتك المملوءة بالأقرباء، الذين تصنفهم بتطرف في رأسك.

المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/10/02/article_892918.html