أحمد عدنان
أحمد عدنان
كاتب وإعلامي سعودي

علمنة السعودية ممكنة: الحرم والدستور

آراء

ليس هناك أي تعارض بين العلمانية والإسلام، ولا أجد تناقضا بين العلمانية والنظام الملكي.

الحديث عن العلمانية في السعودية قد يبدو ضربا من الجنون بسبب الفتاوى الهائلة التي تكفر العلمانيين وتحرم العلمانية تحت عناوين “الحكم بغير ما أنزل الله” أو “الحكم بالطاغوت”، وبسبب الأرض التي تضم حدودُها الحرمين الشريفين، ونشوء الدولة على تحالف بين مؤسسة دينية ومؤسسة سياسية.

لكن هذا الجنون، واستنادا إلى معطيات الحاضر وأسئلة المستقبل، قد تجد النخب الثقافية والسياسية في السعودية أنه أصبح -مع وطأة الوقت- نوعا من الضرورة لاستكمال بناء الدولة الحديثة (دولة القانون والمؤسسات والمجتمع المدني)، ومعالجة مظاهر الانتماء إلى مستويات أدنى من مستوى الدولة (القبيلة- المذهب- الإقليم) وتعزيز الولاء للنظام السياسي، وتصحيح علاقات المؤسسة الدينية بالسلطة وبالمجتمع. الحديث عن العلمانية في السعودية كخيار لا بد منه، تقف وراءه 4 محرّضات:

تصريح وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في 14 مارس 2010 لـ(نيويورك تايمز): “السعودية الآن تتحرر من أغلال الماضي وتسير إلى مجتمع ليبرالي”. الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام -قبل سنوات- عن حصول مواطن سعودي على حق اللجوء السياسي في نيوزيلندا بسبب اعتناقه المسيحية. والحرب الدورية (الباردة) بين الليبراليين والتيار الإسلاموي في ساحة الصحافة السعودية والإعلام. كما أن الحروب الطائفية (الباردة والساخنة) في المنطقة اليوم وفي أوروبا بالأمس تؤكد استحالة تأسيس الاجتماع والثقافة العامة على وحدة الدين.

حين ينتقل الحديث عن العلمانية إلى السعودية التي قام نظامها السياسي على تطبيق الكتاب والسنة، يعني تخصيص قيم مستمدة من الكتاب والسنة أو لا تتعارض معها، أي إقامة العدل وضمان حرية المواطن وحقوقه المدنية وأمنه، أما أساس شرعية النظام فهو رضا المواطن وقبوله، وبالتالي فإن علمنة النظام الأساسي للحكم تعني الإيمان به كعقد اجتماعي حقيقي بين النظام السياسي والمواطنين.

لا بد من تطوير النظام الأساسي للحكم للاقتراب من الدولة الحديثة، ومن ذلك تعديل الفقرة الأولى التي تتحدث بأن دستور البلاد هو الكتاب والسنة، فهذا خطأ، لأن دستور البلاد هو النظام الأساسي للحكم نفسه- وهذا رأي الشيخ محمد بن جبير الرئيس الأول للمجلس في كتاب (مجلس الشورى: قراءة في تجربة تحديثه)- وتعديل نص “الإسلام دين الدولة” إلى “الإسلام هو الدين الرسمي في الدولة”، مع التأكيد على أن المملكة دولة مدنية. إن القرارات الرسمية تصدر -نصا- وفق النظام الأساسي للحكم، وليس وفق الكتاب والسنة وإن لم تتعارض معها.

ومن ذلك تعديل الفقرة السادسة إلى تنظيم مبايعة الملك عبر استفتاء شعبي (وذلك بعد إتمام إجراءات هيئة البيعة -أصلا- في اختيار ولي العهد)، وتعديل المادة السابعة إلى “المقاصد العليا للإسلام هي مصدر رئيس للتشريع”، وتعديل المادة الثامنة إلى “يقوم الحكم في المملكة على العدل والمشاركة الشعبية والحرية وحقوق الإنسان والمواطنة والمساواة” مع إلغاء جملة “وفق الشريعة الإسلامية” لأنها زائدة.

ومن ذلك اختصار الفقرة التاسعة والعاشرة في فقرة واحدة نصها: “الفرد هو نواة المجتمع السعودي، وتشجع الدولة على تكوين الأسرة وتوثيق أواصرها والاهتمام بكل أفرادها عبر توفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم لخدمة الوطن واحترام النظام”.

ومن ذلك تعديل الفقرة 11 لتشير إلى المواطنة وتكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون، وتعديل المادة 13 إلى “يهدف التعليم إلى غرس حب الوطن في نفوس النشء، وإكسابهم المعارف والمهارات، وتهيئتهم ليكونوا أعضاء نافعين في بناء مجتمعهم، محبين لوطنهم، معتزين بتاريخه”. مع إلغاء المادة 23 وتعديل المادة 26 إلى “تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الإعلان العالمي الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1948 وميثاق حقوق الإنسان الذي أقرته جامعة الدول العربية” مع إلغاء جملة “وفق الشريعة الإسلامية” لأنها زائدة. ومن ذلك تعديل باب السلطة القضائية عبر الإشارة صراحة إلى سيادة القانون، وإحالة سنّه إلى الملك وإلى مجلس الشورى.

لا فائدة من كل هذه التعديلات إلا بخطوتين: إنشاء محكمة نظامية عليا (تماثل المحاكم الدستورية العليا في بقية دول العالم) تحمي النظام الأساسي من الغفلة أو الهوى، وتعديل نظامي الشورى والمناطق أيضا بما يحقق متطلبات العصر والمشاركة الشعبية وينفذ مشروع الملك عبدالله للإصلاح (مكافحة التطرف والإرهاب، وترسيخ الاعتدال في إطار تجديد الخطاب الديني، تمكين المرأة، رفاه المواطن، انفتاح الإعلام، توسيع المشاركة الشعبية، الحوار مع الذات والآخر، رفع مستوى الخدمات، إصلاح القضاء، ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، محاربة الفساد، تحقيق المواطنة وترسيخ الاستقرار).

والحديث عن أرض الحرمين في المملكة، من الواجب أن ينتقل من الزاوية السياسية إلى الزاوية الفقهية، بمعنى أن السعودية ليست أرض الحرمين، إنما فيها أرض الحرمين التي لها أحكام خاصة لا يجوز تطبيقها على غيرها مثل أحكام الصيد، وهي خصوصية يجب أن تحترم دون تمدد أو تعميم، وإذا كانت هناك مسؤولية معنوية على السعوديين لوجود الحرمين الشريفين في نطاق حدودها، فلا شك أنها التأكيد على سماحة الإسلام وحضارته وتفاعله مع روح العصر واندماجه مع حقوق الإنسان وحقوق المرأة وتصالحه مع الديمقراطية والمواطنة، لكننا -للأسف- نشاهد الخطاب الديني السائد يقوم بالدور المعاكس، والأمثلة لا حصر لها، مما ينعكس سلبا على صورة الإسلام في العالم، ويعيق مسيرة التحديث والتطوير في السعودية.

ليس هناك أي تعارض بين العلمانية والإسلام (راجع مقالتي: العلمانية هي الدولة الحديثة)، ولا أجد تناقضا بين العلمانية والنظام الملكي، فالنظام الملكي في مصر -قبل الثورة- كان نظاما علمانيا، والنظام الشاهنشاهي السابق في إيران هو الآخر علماني، وكلها ملكيات فاعلة -وليست صورية-، نضيف إليها الحكم الملكي الأردني والحكم الملكي المغربي القريبين- مقارنة بالغير- من العلمانية (نص دستورا الأردن والمغرب على أن الأمة هي مصدر الشرعية والسلطة، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات).

المصدر: صحيفة العرب

http://alarab.co.uk/m/?id=36846