رضوان السيد
رضوان السيد
عميد الدراسات العليا بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - أبوظبي

الاتفاق الخليجي والأمن العربي

آراء

جاء بيان الملك عبد الله بن عبد العزيز كاشفاً لجوانب ما جرى الاتفاق عليه في قمة الرياض، فقد أكد الملك على ثلاثة أمور: أن الاتفاق يتضمن تجاوُز كل الخلافات، وأنه يشكّل بداية جديدة في العمل على تجاوُز تردّيات الوضع العربي، وأن الشقيقة مصر شريك رئيسي في هذا الاتفاق وللجهتين: لجهة اعتبار أمنها واستقرارها أَولوية، ولجهة الانطلاق معاً بالاتجاه الجديد البنّاء.

إن اختصاص مصر بالذكر يدل على أن الخلاف حول السياسات تجاه مصر بعد 30 يونيو 2013 بين دول مجلس التعاون، ظل بنداً رئيسياً في التجاذبات التي حصلت، والتي أدت إلى سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، وكأن جلالة الملك عبد الله أراد من مصر إبداءَ الرأي في مجريات الاتفاق وتفاصيله، وقد أجابت مصر على الفور بالترحيب، وأنها بيتٌ لكل العرب، وأنها تقدِّر للملك عبد الله، وللأشقاء في الخليج العربي وقفتهم معها، وستظل معهم وبهم ولهم، وردة الفعل المصرية الإيجابية مُشعرة بالثقة والاطمئنان إلى موقف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين، ولذا يمكن القول، إن الضمانة السعودية والإماراتية والبحرينية صحّحت الاختلال الحاصل.

ولنلتفت إلى التحديات التي تعرضت لها الأمة العربية خلال السنتين الأخيرتين خصوصاً، وكان من أسبابها الخلاف الخليجي، ولنبدأْ مرةً أخرى بمصر دون أن نُبالغَ فنصلَ إلى أنّ الخلاف المذكور كان علةً لها. هناك الإعاقات الأمنية المستجدة بالداخل المصري بسبب استمرار تعطيلات «الإخوان» ومخاضاتهم بعد تنحيتهم عن السلطة، بيد أن التحدي الأكثر شراسة وظهوراً يتمثل في الأعمال القاتلة للإرهاب بسيناء وبالبحر وبعض النواحي بالداخل المصري، هل هذا التحدي جديد تماماً؟ بالطبع لا، فحبل الأمن كان مضطرباً بسيناء من قبل، لكنه الآن صار خطراً داهماً، وهو يأتي من عدة جهات: من غزة، ومن السودان، ومن البحرين الأحمر والمتوسط، ومن ليبيا. وكل ذلك ينبغي أن يزولَ.
بيد أنّ تداعيات الخلاف الخليجي والعربي أضرَّت بملفاتٍ عربيةٍ أُخرى، أبرزُها سوريا وليبيا واليمن. ففي سوريا ظل العرب يعملون معاً طوال عامي 2011 و2012. وهم الذين طرحوا مسألة الحل السياسي، ثم فترت الهمةُ بسبب الخلافات، حيث سيطر الروس والأميركيون والإيرانيون والأتراك، وحولوا سوريا إلى ساحات للقتل لمعاونة النظام الأسدي أو لمعارضته.

وتأثرت اليمن أكثر من سوريا بالخلاف الخليجي، فالخليجيون هم الذين قادوا المبادرة لإزالة الاضطراب بإزالة «صالح»، والمُضيّ باتجاه المرحلة الانتقالية والحوار الوطني، وبعكس حالة سوريا؛ فإنه لا يمكن وضع المسؤولية على مجلس الأمن في الحالة اليمنية، فمجلس الأمن سار مع المبادرة الخليجية. وجمال بنعمر عمل باسم العرب والدوليين لإنفاذ تلك المبادرة، وما جرى باليمن خلال الشهور الثلاثة الماضية، ناجم عن تحالُف بين الحوثيين و«صالح» للسيطرة على الداخل اليمني، بمساعدة الموالين في الجيش لصالح، وبالتدخل المباشر لإيران. واليمن الآن مهدد بحرب أهلية طائفية واقعة ومهدِّد بالانقسام، والأمن العربي مهدَّد بصول الحوثيين وإيران إلى ميناء ميدي بحَجّة، وإلى باب المندب، وقبل أيام عرفنا أن تجاراً روساً للسلاح وصلوا للتفاوض على إمداد الحوثيين بالأسلحة الثقيلة، حتى لا يظلوا معتمدين على السلاح المنهوب من الجيش، أو الواصل من خلال التهريب! فأين صارت المبادرة الخليجية؟

ولنصلْ إلى ليبيا، حيث يبدو الخلاف الخليجي ظاهراً فيها، فيكف يُعطى السلاح للمسلَّحين الذي يحتلون طرابلس؟ وكيف يصل السلاح إلى «أنصار الشريعة» الإرهابيين في الشرق الليبي وعلى حدود مصر؟!

إنّ الاتفاق الخليجي الذي ضمن الملك عبد الله بن عبد العزيز إنفاذَهُ لا يؤدي إلى أن تنعقد القمة الخليجية بالدوحة فقط؛ بل يعيد الإجماع إلى «دائرة الاستقرار والقرار بالخليج العربي»، لكي توقف التأثيرات الهائلة لتداعيات الخلاف، ولكي تستعيد زمامَ المبادرة بمصر ومع مصر من أجل سوريا وليبيا واليمن، ومن أجل الأمن العربي بشكل عام.

المصدر: الإتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=82315