فهد الدغيثر
فهد الدغيثر
كاتب سعودي

الاسترخاء المؤلم

آراء

هذا ما كان ينقص المأساة السورية التي تزداد هولاً ودماراً على مرأى العالم المتحضر، وما هو دون ذلك. لم يكن صعباً «تصوير» فيلم من دقيقة ونصف عن الفتى السوري البطل الذي يتعرض للقنص وينهض من «موته» لينقذ شقيقته من نيران القناص الغادر وسط صرخات التهليل والتكبير من خارج الصورة.

الفيلم الذي لم يكن مقنعاً لكثيرين لحظة انتشاره كالنار في الهشيم على بعض الفضائيات التي «زينت» به أخبارها، وكذا على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب شكوك حامت حول دور للفتى يقوم به أمام الكاميرا، إذ بدا أن نهوضه بعد تعرضه للقنص يتضمن شيئاً تمثيلياً.

الاستلهام الهوليوودي في إنتاج صورة شبيهة صار ثيمة معروفة، ويتقبّلها الجمهور بوصفها وثيقة للاسترخاء من داخل الشاشة وخارجها.

تصبح الأمور أكثر تعقيداً لسببين: أولهما لن يقوم أحد بنقد الفيلم المصور، فهو وثيقة من وثائق المعارضة السورية في صراعها مع النظام السوري، بالتالي قد يصبح هذا النقد أداة في يد النظام، مع أن الأمور ليست على هذا النحو إطلاقاً. وإن كان هناك من بد في إعادة إنتاج هذا «الاسترخاء» المؤلم فعلى الأقل يجب أن تتحلى هذه الوثيقة بصدقية منقطعة النظير، حتى «يستجلبها» التاريخ في أعداده المقبلة. لكنّ الخطورة لا تكمن هنا بالدرجة الأولى، فبعدما عرفنا من محطة «بي بي سي» أنه «فيلم» صوّره مخرج نرويجي شاب اسمه لارس كليفتبيرغ (34 سنة) في جزيرة مالطا بالتعاون مع فريق تقني كبير لحساب معهد نرويجي يعنى بالنزاعات حول العالم، صار لزاماً الإشارة إلى أن هذا الفيلم وقع في أيدي عناصر محلية متطرفة، وأعيد تصديره بوصفه وثيقة حية لا يمكن الشك فيها، أو توجيه الانتقاد إليها. ولولا وقوعه في شبكات هذه العناصر الإعلامية لما انتبه إليه أحد وضاع في زحمة مئات الأفلام التي تصور كل يوم على الأراضي السورية.

الأكيد أن جهود الشاب النرويجي التي تصبّ في منحى إنساني يهدف للتنبيه إلى خطر النزاعات الحربية على مستقبل الأطفال في العالم، وفيلم «الفتى السوري البطل» جزء من سلسلة حول الموضوع ذاته لم تكن لتتأثر لولا بثه بوصفه وثيقة حية من الحرب السورية. كان يمكن تقبله – نقدياً – بوصفه ناقوس خطر على مستقبل الطفل السوري الذي لا يريد أحد – نظرياً– توريطه في نزاع خطير جداً مرشح لأن يطول، ونحن شهود بالطبع على أفلام أخرى يبثها تنظيم «داعش» حول تأهيل الأطفال في حفلات الذبح والتقطيع والتنكيل بالضحايا.

لن يكون فيلم لارس كليفتبيرغ هو الأخير في هذه السلسلة، وهذا شبه أكيد، لكن ما يتم البحث عنه، وهذا صار أمراً ضرورياً، هو إعادة قراءة هذه الوثائق قراءات نقدية مستقلة حين يُعاد إحياؤها في بلادنا من بوابة «الاسترخاء المؤلم» إن جاز التعبير.

المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Fahad-Al-Dgheter/5840460