محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

أنت.. الشرطي الوديع!

آراء

هناك تكتيك سيكولوجي شهير يلعبه عادة محققان في محاولة منهما لاستنطاق متهم ما أو دفعه للاعتراف بجريمة ارتكبها. فمثلا حينما يعذب أو يعنّف أو يهدد أو يضرب «محقق سيئ» متهما فإنه يتفق مع المحقق «الوديع» ليأتي ويعامل المتهم بلطف ثم يعقد معه اتفاقا كان يقول له: «لا عليك إذا اعترفت أنا سأخرج من هذا المعتقل، أو إذا قلت كذا سأخرجك من السجن الانفرادي إلى آخر مريح».

وهذا الدور الوديع ليس مقتصرا على أروقة التحقيقات، فكثيرا ما نحتاج إلى وداعة في التعامل مع الآخرين، لا سيما حينما يأخذ هؤلاء قسطا كافيا من التوبيخ من المسؤول الذي يعلونا جميعا كالمدير العام أو الوكيل وغيره.

ولأن الوديع لغة مشتق من «الوداعة»، أي الشخص الهادئ الساكن ذو لين ودعة، فإن الموظف الوديع كثيرا ما يجد فيه الموظف المهموم ملاذه. فهو أذن صاغية وحانية تبدو كالحمل الوديع. لكن هذا الحمل الوديع سرعان ما يتحول في بعض الحالات إلى ذئب يكشر عن أنيابه عندما يريد أن يوقف أحدا عند حده. وهذا هو التوازن المطلوب في العلاقات الإنسانية.

ولولا المحقق أو «الشرطي الفظ» (bad cop) الذي يعنّف ويتهم ويهين وينغص على المرء عيشه لما برز دور الشرطي الوديع المتعاطف (good cop). فلا بد من وجود حالة يتعاطف معها شخص فيكسب مودة المتضرر. فمصائب قوم عند قوم فوائد. وهنا تحين فرصة الاستفادة من الذكاء الاجتماعي في كسب مودة الآخرين، لا سيما أولئك الذين أخطأنا بحقهم فنصحح الخطأ السابق بالتعاطف مع موضوع آخر.

ولا ننسى أن أفضل لحظات نظفر فيها بمودة الآخرين تلك التي يعانون فيها من مرارة الظلم أو القهر أو التوبيخ أو التشهير أو التعريض بهم أمام الآخرين، حينما يرتدي الفرد قبعة الوداعة ليلملم جراحه زميله. وفي الحياة لا تشعر بمعدن الفرد إلا في الأزمات لسبب بسيط وهو أن المأزوم يعاني وحده وليس هناك منفعة مادية من الخوض في مشكلاته لانعدام الفائدة، لكن نبل المقاصد هي ما تمحص طيب المعدن.

وما يؤلم أن البعض حينما يلبس قبعة الوداعة يمارس دوره بطريقة تمثيلية كالشرطي الوديع وينسى أن التعاطف لا بد أن ينبع من قلب ليصل إلى القلب.

وسياسة الشرطي الوديع تحدث توازنا أسريا بين شدة الأب ولين الأم أو العكس، فيلعب أحدهما دور الوديع أملا في التخفيف من معاناة الطفل الذي تم توبيخه. وكثيرا ما ينجح هذا الأسلوب.

الشرطي الوديع سياسة ذكية يمكن استخدامها في أروقة العمل وفي حياتنا الخاصة رغبة في الوصول إلى معلومات مخفية أو حقائق مبهمة أو رغبة في رفع المعاناة عن كاهل المتألمين والمقهورين، وما أكثرهم في هذا العالم.

المصدر: الشرق الأوسط

http://classic.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=13148&article=796048