يا “مسحّرني” ! – د. زياد الدريس

أخبار

لست من هواة كتابة المقالات الدعوجية والشكوجية ، ليس تقليلا ً من دورها وأهميتها ، ولكن لأن كلا ً ميسر لما خلق له.

بيد أن بعض المواقف والمنغصات التي قد تواجه الانسان في معيشه ومسلكه اليومي قد تجبر الواحد منا للخروج عن طوره .. الكتابي !

لا أريد أن أضع مقدمة تسخينية طويلة حتى لا أرفع سقف الغضب ، ثم إذا قلت الحكاية قيل لي : بس ، هذا كل ما حدث؟!
ليس لأن ماحدث عادي ، ولكن لأن الحكاية ليست جديدة . وهذا هو الاحساس الذي ينتاب الانسان عندما يألف التعرض للمرمطة .. أي ما يمكن تسميته : الألفة مع الأذى !

باختصار: كنت في رحلة العودة من جدة إلى الرياض فجر يوم الأحد 17 رمضان الموافق 5 أغسطس ، وقد عمدت إلى اختيار الرحلة التي تقلع 12:45 صباحا ً حتى أكون في الرياض في الثانية والربع فأدرك السحور مع الوالدين والأهل .

حان موعد إقلاع الطائرة ونحن لم نقلع بعد من صالة الإنتظار. ذهبت إلى الشاشة ، مثلما نفعل في مطارات الدول الأخرى ، لأستدل على الجديد عن الرحلة (التي هي بالمناسبة شركة خطوط سعودية لكنها ليست الخطوط السعودية ! ) . كان مكتوبا ً في الشاشة أن الرحلة  ” في موعدها ” .

واستمرت هذه العبارة الجوفاء مكتوبة في الشاشة لمدة ساعتين وربع . أي أننا جلسنا في الصالة حتى الساعة الثالثة ننتظر الإقلاع والرحلة مازالت ” في موعدها ” . أدركت لاحقا ً أن العبارة هذه لها معنى آخر غير الذي ألفناه في المطارات الأخرى ، فالمعنى هنا: أن الرحلة ستقلع ” في موعدها ” الذي ستقلع فيه !

عندما تحركنا لركوب الطائرة قلت للمشرف على الرحلة : الآن سيؤذن الفجر ونحن في الطائرة ، يعني لا نلحق سحور الرياض ولا خليتونا نتسحر في جدة. فرد علي المشرف ، بمنتهى المهنية والإحترافية : الله يعينكم ، قلت له : تقبل الله .

ولأن الطيارة تجارية فهي لا تقدم وجبات مجانية وساخنة كما تفعل الخطوط الأخرى. بل هي تبيع سندوتشات باردة بأسعار حارة . وكنت أتوقع أن من أبسط سمات المروءة التي تعلمناها في المرحلة الإبتدائية أن الخطوط ستقدم السنتدوتشات
مجانا ً، كاعتذار عن تأخرها الساعتين وربع ، لكن لأن المروءة منظومة أخلاقية متراكمة تبدأ من وضع الصالة والكاونتر والشاشة والباص وسلم الطائرة والكرسي والوجبة ، فإنه لا عجب أن ترى أن المذنب يبيع غلطته على الضحايا !

وحتى تكتمل منظومة دونية الركاب ” الأوادم” فقد فوجئنا بأن دورات المياه بلا مياه ، وهذه في الحقيقة سابقة لم أشهدها في حياتي الطيرانية ، فقد رأيت التأخير في الإقلاع والعفش الزائد والمطبات الهوائية في الرحلات التي ركبتها فيما مضى من عمري ، لكنها المرة الأولى التي أركب فيها طائرة حماماتها بلا ماء .

شعرت في هذه الرحلة بأني عفش لا راكب !

ما الذي يمكن قوله بعد هذا العرض لحكاية أصبحت مكررة إلى درجة أننا أصبحنا على وشك التآلف معها ؟

لا شئ يمكن قوله أهم من التذكير بأن الناس إذا تآلفوا على المهانة هان عليهم أيضا كل شئ .. كل شئ !

خاص لـ ( الهتلان بوست )