عبدالله فدعق
عبدالله فدعق
داعية إسلامي من السعودية

وقفات حربية

آراء

يعد الإمام محمد بن الحسن الشيباني، صاحب ومعاصر الإمام أبي حنيفة، وناشر مذهبه، أول من أفرد مؤلفات خاصة للعلاقات الدولية في الإسلام، وله في هذا الموضوع كتابان مشهوران هما: (السير الصغير) ثم (السير الكبير)، وضع فيهما أسس العلاقات الدولية في حال السلم والحرب، وحدَّد علاقة أهل الذمة بالمسلمين، وما يخصهم من أحكام، ونظَّم حالة السلم، وفصَّل الكلام عن سياسة الحرب في الإسلام، وأحكام المعاهدات، والصلح وغير ذلك مما يبحثه علماء القانون الدولي اليوم.

شروحات كثيرة ورصينة ظهرت للكتابين، أكدت صحة تلقيب الإمام الشيباني برائد القانون الدولي، وأكدت أيضا قيمة الجمعيات الكثيرة التي أنشئت في الغرب من أجل إظهار آراء الإمام، ونشر مؤلفاته المتعلقة بأحكام القانون الدولي الإسلامي.. في الرياض، وبدعوة كريمة من سمو رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية الأمير تركي الفيصل، سعدت قبل أيام بحضور حلقة نقاش مركزة بعنوان (تقاليد الحرب في ضوء الشريعة الإسلامية، وتطبيقاتها في الصراعات المعاصرة)، للتحضير لعقد مؤتمر قريب عن (الإسلام ومعايير النزاع) دعت إليه (جامعة سيراكيوز) بنيويورك.. الحلقة أسهمت فيها مجموعة من المؤسسات العلمية الرائدة -المعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية، ومعهد الولايات المتحدة للسلام، ومعهد الأمن القومي ومكافحة الإرهاب-، وحضرها مجموعة من هيئة كبار العلماء في المملكة، ومجموعة من المفتين في الدول العربية، ونخبة من الباحثين.

افتتاح الحلقة وضح فيه الأمير تركي أن “الأصل في الإسلام السلم والسلام، وليس الحرب”، وذكر أن الإسلام يعاني أشرس هجمة تستهدفه، وأنها تأتي من جهتين: “ممن اعتنقوا فكرا ضالا كريها.. وممن يكرهون الإسلام لذاته”، مضيفا أن “المتطرفين حالة شاذة وطارئة”.. الحضور كان رفيع المستوى، وسرني جدا أن الرؤى وإن تباينت بعض الشيء في البداية، إلا أنها اتفقت كثيرا في النهاية.. اتفقت على ضرورة وأهمية المؤتمر المزمع القيام به، وأن جملة التحديات التي تواجه العالم اليوم وإن كانت كبيرة، إلا أنها تحمل في طياتها كثيرا من الفرص التي يمكن أن تتحقق شريطة تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الدين الإسلامي، فالإسلام -عند المسلمين الحقيقيين، وعند المنصفين من غير المسلمين- ضد إثارة الحروب، وضد استحلال الدماء المعصومة، وضد نهب الأموال المصونة.

التحضير المركز والجاد من القائمين على مركز الملك فيصل أشعر الحضور بأن الملك فيصل وإن غيبته الأقدار، إلا أن تاريخه وأعماله وجهاده في سبيل الإسلام والعروبة أمور باقية بفضل الله، وبفضل جهود مجلس أمناء المركز، ومجلس إدارته، وأمينه العام، ولجانه المختلفة، وما هذا المركز الذي بدأ كمؤسسة، بعد عام من رحيل الشهيد ـ رحمه الله ـ أي قبل (30) عاما، إلا علامة على ذلك.. حيوية القائمين على الحلقة العلمية كانت واضحة، وسرني جدا رؤيتي لأحفاد الفيصل وهم يؤدون أدوراهم بكل اقتدار، الأميرة مها بنت محمد الفيصل نائب الأمين العام، والمشرف العام على إدارة البحوث والدراسات، والأمير خالد بن سعود الفيصل مدير العلاقات الخارجية والشراكات، والأمير فيصل بن سعود بن عبدالمحسن مدير الشؤون الثقافية والعلاقات العامة أحد أنجب الذين سعدت بتدريسهم قبل سنوات.. مهمات المركز جليلة ونبيلة، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعين القائمين عليه على تحقيق المقولة الخالدة للغائب الحاضر: “أتمنى أن تكون المملكة مصدر إشعاع للإنسانية”.

المصدر: الوطن أون لاين
http://alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=24353