عثمان الخويطر
عثمان الخويطر
نائب رئيس شركة أرامكو سابقاً

كيف سنواجه هبوط إنتاج «التقليدي»؟

آراء

مع اقتراب زمن الانخفاض الكبير لمعظم إنتاج مصادر الطاقة النفطية الرخيصة، أو ما يسمى النفط التقليدي، على الأرجح في غضون العقود الأربعة المقبلة، تتضارب الآراء حول المصير الذي سيؤول إليه مصيرنا والوضع الاقتصادي العالمي. ونحن حتما نعني بذلك بداية تناقص الإنتاج من الحقول الرئيسة التي بلغت من العمر عتيا، وليس النضوب الكامل. ويتضح من مجريات الأمور ومن توجه الدول المصدرة للنفط أنها على استعداد لبذل الغالي والرخيص من أجل إبقاء كميات الإنتاج عند أعلى مستوى ممكن لها، وذلك عن طريق الاستمرار في رفع مستوى الإنفاق ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. وهذا دون شك سيرفع من قيمة التكلفة، التي ستتناسب طرديا مع امتداد عمر الحقل، إلى درجة قد تؤثر في الدخل الصافي للدول المنتجة، وربما تضر بمستقبل الحقول النفطية. والخيار الآخر، غير المفضل عند كثير من المنتجين، أن ندع مستوى الإنتاج يهبط تدريجيا وطبيعيا حتى يبلغ النهاية بعد عمر أطول وتكلفة أقل. وفي وقتنا الحاضر، ليس لدى المجتمع الدولي مصادر للطاقة بالتكلفة نفسها وسهولة الإنتاج ويسر المناولة والقدر الكافي، كما هو الحال مع مصادر النفط التقليدي، ذي التكلفة المتوسطة والمقبولة، بل كل ما لدينا هي خيارات أفضلها صعبة المنال ومكلفة ماليا، مع شح شديد في العطاء، كالنفط الصخري والرملي النفطي والصخر النفطي والمصادر المتجددة. يليها الجيل الثالث من المصادر غير التقليدية التي يتطلب إنتاجها سعرًا يفوق بكثير 150 دولارا للبرميل، وهو نفط المناطق المتجمدة وأعماق البحار. ومعروف أن كميات إنتاج جميع المصادر غير التقليدية بأشكالها وألوانها واختلاف مصادرها، قليلة جدا إذا قورنت بإنتاج التقليدي. ولعلنا نعطي مثالا لذلك من النفط الصخري، وهو الأفضل بين النفوط غير التقليدية.

فلو أردنا إنتاج 30 مليون برميل في اليوم من مواقع مختلفة حول العالم من نوع النفط الصخري الأمريكي، بعد ثبوت جدواها الاقتصادية، لاحتجنا إلى حفر ما بين 200 ألف إلى 240 ألف بئر، بتكلفة تزيد على تريليوني دولار. ليس هذا فحسب، بل سنضطر إلى حفر أكثر من 60 ألف بئر سنويًّا، من أجل الحفاظ على مستوى الإنتاج فقط، وبتكلفة سنوية تقارب 600 مليار دولار. وهذا أيضا يتطلب ضمان بقاء بضعة آلاف من أجهزة الحفر تعمل على مدار السنة. وهذه قاعدة معروفة لدى منتجي الصخري، نظرا لطبيعة عملية التكسير الهيدروليكي الذي لا يغطي تأثيره إلا مساحة محدودة من محيط البئر، في حدود عشرات أو ربما مئات الأمتار. ولذلك، فآبار الصخري تفقد سنويا ما يقارب ثلث الإنتاج. وهناك من يعول على التكنولوجيا لتوجد لنا مصادر جديدة ومنافسة بكميات كبيرة. أو على أقل تقدير، تخفض تكلفة الإنتاج الصخري وتزيد من كمية إنتاجه. وهو تفاؤل ليس لدينا ما يثبته أو يؤيده، وأبعد ما يكون عن الواقع المحسوس. هناك فرص كبيرة لإيجاد نوع من تحسين الأداء الذي سيسهم في تخفيض التكلفة قليلا. فكثير من العوامل لا تؤثر فيها التكنولوجيا، مثل جيولوجيا الطبقات الأرضية وعمق الآبار، وتكلفة أجور أجهزة الحفر والمعدات وتأجير الأرض، ورواتب القوى البشرية. كل هذه أمور تكاد تكون تكلفتها ثابتة. وإذا استثنينا أمريكا، فإنه من غير المحتمل أن تستطيع دول كثيرة توفير الأعداد الكافية من أجهزة الحفر ومعدات الضخ، وإبقاء نسبة كبيرة منها تعمل على مدار السنة.

ذكرنا هذا المثال من أجل أن نوضح مدى قصور النفط الصخري عن تلبية الطلب العالمي عندما ينخفض إنتاج النفط التقليدي الرخيص بكميات كبيرة. واستحالة أن يرتفع إنتاج النفط الصخري إلى عشرات الملايين، كما نتخيل ونتوقع. وحتى الوصول إلى عشرة ملايين برميل في اليوم من نوع النفط الصخري الأمريكي عندما تدعو الحاجة إلى ذلك وتستجيب الأسعار فإنه مشكوك في تحقيقه، دونما بذل مجهود كبير وتضحية مالية ضخمة.

ورغم الحرج الذي يعيشه الوضع العالمي اليوم فيما يختص بمستقبل مصادر الطاقة وغموضه في الوقت الحاضر، إلا أنك تجد من يظن ويؤكد أن البحوث العلمية وتقدم التكنولوجيا سيُوجِدان مصادر جديدة، فلا داعي للقلق من المستقبل. ومنهم من يذهبون إلى أبعد من ذلك، فيرون أن المجتمع الدولي سيستغني حتى عن المصادر النفطية الحالية، التي تمدنا اليوم بنسبة كبيرة من الطاقة، إلى جانب الاستخدامات الصناعية الأخرى. وأقل ما يقال عن هذا الإفراط في التفاؤل إنه لا يخدم مستقبل مصادر الطاقة. وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة أن لدينا بنية تحتية خاصة ومرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالصناعة النفطية والمرافق التي تعتمد عليها، كوسائل النقل وتوليد الطاقة. وقد كلف بناء البنية التحتية العالم تريليونات الدولارات. فما مصيرها لو قررنا تحويل منشآت توليد الطاقة إلى مصادر غير هيدروكربونية؟ ثم لا ننسى أن المصادر الجديدة إذا توافرت فستحتاج هي الأخرى إلى بنية تحتية تتناسب مع طبيعتها. وستكون تكلفتها أضعاف ما صرف على البنية التحتية الأولى التي، فرضيا، سنستغني عنها. فهل فكر أصحاب نظرية الاستغناء عن المشتقات النفطية في هذا الموضوع الاقتصادي؟ ربما تكون هذه الفكرة قد غابت عن الأذهان، ولكن يجب ألا نغفلها. فالعالم اليوم ليس بحاجة إلى مزيد من صرف الأموال إلا بحقها.

المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2015/01/25/article_925779.html