رشا محمد
رشا محمد
إعلامية وكاتبة

فئران …. “القرية الصغيرة”

آراء

احيانا، تتمنى لو ان العالم بقي على حالهِ شاسعاً مجهولا و بقيت انت في حدود عالم قريتك الصغيرة، يمنحك الجهل بخفايا ما ورائها هدوء داخلي و فضول لإكتشافه و يقين بأنه أجمل.

لكن، حين بات كل ما حولك “قريب بعيد” لايصلك منه الا صور حالكة، ضبابية تعبر عن آراء ناقليها محاولين برمجة افكارك كيف شاؤا، صرت تسأل نفسك الى اي فكر انتمي ؟! و هل علي ان انتمي لفكر ما ؟! اي تلك الاديولوجيات تناسبني اكثر ؟! رغم اني لا اعرف كيف يمكن لها ان تجعل يومي في “محيطي انا” افضل بأي حال من الاحوال ؟ هل يجب فعلا ان املك قضية ؟ لم لا اكتفي بي؟ لم لا اكون قضيتي احار كيف اسعدني و كيف اجعل محيطي الصغير اجمل ؟ … لماذا عليَّ تحمل كل تلك البشاعة في نشرات الاخبار و مواقع التواصل و صفحات الجرائد؟!!!

هل العالم قرية صغيرة مزحومة بالكراهية و التقاتل و الدماء ؟! لماذا لا يحمل الي هذا الهاتف الذي يربطني بالكون اخبارا سعيدة عبر هذا الشيء المسمى بالانترنت لا اعلم ما هو لكنه يصر على ان يحيل الأكوان الشاسعة الى “قرية صغيرة” و ما بال “القرية الصغيرة” تثور بالضجيج و الغضب، اليس هناك من واحة سلام ألجأ فيها الى خبر يسعدني اتكئ عليه هربا من هجير السياسة و التطرف و الاحقاد و التخلف و الدمار و المجاعات و الكوارث و الأوبئة !!!

اريد قرية بسماء و بحر و رمل لا يصحبني فيها ازعاج التكنلوجيا التي شوهت الهدوء بأنفها الفضولي الذي تحشره في كل صغيرة و كبيرة من حياتي. فأنا “انا” و لست احدا سواي، انا “اللا احد” الذي لن يغير في “القرية الصغيرة” شيء، و اعتقد بأنها نعمة علي ان ادرك كيف اتعامل معها، اريد ان أحيا في عالمي بعيدا عن محاولات قولبة فكري و منطقي و قلبي و حتى معدتي! بقوالب التصنيفات و الدراسات و البحوث و التوجهات … لا اريد ان اعيش دور “فأر المختبر” الذي جربوا كل وسائل “التطور” عليه، اتركوني بسلام اعيش حرية جهلي و فضولي لأكتشاف ذاتي ثم محيطي ضمن حدود عالمي، فرحلتي وجيزة لايمكنني ان احمل فيها أمتعة هموم الكون على ظهري أينما ذهبت ، في العمل، مع الاصدقاء، على سريري، و فيما انا ذاهبة للتسوق، اتساءل عن اهم قضايا الساعة اتابعها بوسم هنا و تغريدة هناك ترى كيف كانت نتائج حوار الفصائل الليبية؟ ماذا حدث بالحوثي و اليمن ؟ ما اخبار عاصفة نيويورك؟ اليس هناك من تطور في القضاء على داعش؟ حتى اجدني قد وصلت الى “سوق الخضار” و لا ادري كيف وصلت ” لاني منشغلة بنقاش تويتري حاد حول هبوط الأسهم في “سوق النفط” التي لا املك “خمس ليترات” فيها، و رأسي محمل بكل قضايا الساعة التي لن يقدم او يأخر انشغالي او نقاشي بها شيئا… سأتناساها “رفقا بشاحن الهاتف” و اركز في التسوق، أقف وقفة الخبيرة الغذائية امام كل منتج غذائي اتفحص انواع الفاكهة و اتسائل، اشتري تفاحا اخضر ام اصفر! الدراسة تقول الاخضر مفيد لكني احب الأصفر، لا بأس الدراسة تحب الاخضر، لا اريد هذه الفاكهة سعراتها كثيرة لا اريد ذاك المنتج رغم حاجتي اليه لكن الدراسة قالت انه يسبب النفخة او الصداع او السمنة، اعود الى سلة مشترياتي و قد عملت جهدي على تطبيق ما بجعبتي من ثقافة غذائية “يفترض انها صحية” على السلة لأجدها محملة بكل ما هو صحي بنظر الدراسات حتى تثبت دراسات اخرى بعد اعوام لاحقة العكس!

سلتي الخالية من كل ما احب ادفع ثمنها ببطاقة البنك المتطورة التي اضطرتني الى الانتظار ربع ساعة اخرى لان جهاز قرائتها التكنلوجي المتطور يعاني “تخلفا” بسيطا!

اعود لسيارتي و قد تفحصت ممري الى “القرية الصغيرة” عبر شاشة الهاتف اسلم على جيراني “المتابعين” الذين لا اعرف اغلبهم، و لم و لن التقي بهم يوما، أشاركهم يومياتي، تفاصيل سلة المشتريات و الأفكار و الاديولوجيات و التطورات السياسية و الفكرية و الاقتصادية التي قد تحدث لاحقا في كل المواضيع التي باتت تهمني جدا مضيفة اليها كل نظريات المؤامرة التي تجول في فكري، مستمتعة بالأقوال و النصائح و الحكم و المواعظ التي اكتفي عادة بإعادة تغريدها في افضل الاحوال فهذا هو المجال المتاح ل “تطبيق” كل تلك المثاليات في “عالم القرية الصغيرة” متجاهلة شوارع مدينتي و أناس “حقيقين” حولي و زميلتي التي رافقتني في التسوق و شاركتها في لحظات “فراغي” بعض جوانب النقاش في “القرية الصغيرة” رغم انها ليست مهتمة- لانها قررت ان تعيش في “نطاق حياتها الضيق”.

وصلت الى سيارتي “لا ادري كيف وصلت” … اعذروني كنت منشغلة بقضايا الساعة في العالم الاوسع الذي لا يعلم حتى بوجودي ….!

خاص الهتلان بوست