نجيب الزامل
نجيب الزامل
كاتب سعودي

محمد الهرفي .. المرايا والنهر

آراء

«تعال عندي بالبيت»

هذه الكلمة التي ستسمعها من الدكتور محمد الهرفي إن كنت تعرفه ومتجها للأحساء. ثم أنك قد لا تكون قد أخبرته في الأصل، لكنه هو الذي بأريحيته، وروحه السهلة، وطبعه الكريم قد يكون تابع أخبارك وعلم أنك ستكون في الأحساء، فلا بد أن تتوقع أن تسمع عبر هاتفك ذلك الصوت الهادئ الذي لا ينبو يقول لك بطريقة “هرفية” تخصه هو فيها السماحة واللطف، وتلك الوداعة التي تجذبك من قلبك لبيته بلا تردد ولا تمنع.

هنا مفتاح شخصية صديقي وأخي وأستاذي محمد الهرفي ـــ يرحمه الله ــــ الذي علمني أن أبسط سجادة الحب بقلبي قبل أن أجلس للنقاش مع أي أحد بعقلي.

كان دكتورنا الحبيب محمد عقلية بذاتها، تسبح في فلك جميل لحاله. كان في رقة جناحي فراشة وهو يبدأ الحديث مع أي أحد، ويأخذ مظهر الرقيقين الناعمين وهو يقف للنقاش. ولكن في مبادئه التي يؤمن بها كحد الفولاذ في الحديث مع أي أحد، وكالفارس المتأهب بمتراسه وهو يقف للنقاش.

لو كان لنظرية ميكافيلي نظرية مضادة ومعاكسة تماما لكانت “النظرية الهرفية”.

كتاباته تختلف عن كتابات أي كاتب آخر، فهو لا يؤمن بالمدارس أيا كان تصنيفها، كما أنه لا يخفي وراء ظهره أي أجندة.

آراؤه كالمرايا الصافية قد يعجبك ما تراه فيها، وقد لا يعجبك، وهذا شأنك ورأيك، ولكن لا يمكن أن تقول عنها إنها مرايا تفقد الصفاء.. ففيها كل الصفاء.

الدكتور محمد الهرفي ـــ رحمه الله ـــ لم يكن سيعترض لو قلت له: “هذا مقال قلت به شيئا، وهذا مقال قلت به شيئا مضادا”، لأنه كالنهر الجاري بعقله الحي، فهو يضيق مسرعا لمّا تضيق الممرات فما خالف هنا ظرفا ولا موضوعا، وهو يسقط هادرا كالشلالات من المرتفعات للهوابط فما خالف هنا ظرفا ولا موضوعا.. ويتسع برهو عند المصبات، فما خالف هنا ظرفا ولا موضوعا. فالنهر لن يتخذ ضدنا موقفا لو لمناه بالتشكل والتغير لأنه لا يعترض على تشكله بطبيعة التضاريس حوله.. ويمضي من منابعه لمصابه لا يتوقف للوم أو نقد.

عقلية الدكتور محمد الهرفي أخي وصديقي ومعلمي كانت عقلية مطلعة متابعة قارئة ومحللة في كيان وجداني، جاد بلطف، وذكي يخلو من المكابرة، وواضح يخلو من العناد، وثابت يتقدم بلا نكوص. فلا تجد له متحديا حادا لأنه كان يسجي ذلك الهدوء الذي لا ينبو.. فنٌ أتقنه وبرع فيه.

قلت إن بعض الأخبار تصدمك بقوة قطار سريع.. كان خبر وفاته علي صاعقا وعلى كل من أحبه وعرفه، ولكن الزمن يداوي الجراح.. وإن بقيت الندوب.

إلى جنان الله المزهرة بإذن الله التي طالما تمنيتها يا أخي ويا حبيبي ويا معلمي.

المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2015/01/29/article_926815.html